اذا ما فكرنا في الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الاوسط التي تضم شمال وشرق الوطن العربي بالاضافة الى ايران وتركيا و ما انتجته سايكس بيكو و الحرب العالمية الاولى والثانية و ظهور ما يسمى دولة اسرائيل و تمدد للفكر القومي العربي و ظهور الدول الوطنية بفاتحتها ثورة 23 يوليو و اعمار اوروبا في خطة مارشال وانهيار امبراطوريات كالعثمانية و الامبراطورية البريطانية العجوز وظهور ما يسمى الاتحاد السوفيتي كاستحقاق سياسي و امني وعسكري مقابل للولايات المتحدة الامركية في قيادة العالم و ظهور الصين ذات اكبر تعداد سكاني في العالم في قائمة الدول الاولى عسكريا و اقتصاديا .
و في هذا المقال سنركز التحليل على الذعر الذي يصيب الولايات المتحدة الامريكية من ظهور التنين الصيني في مقدمة الاقتصاد العالمي وتوازن الرعب العالمي مما دفع مراكز التخطيط الامريكية الى التفكير والبحث في كيفية ادارة العالم امام طموح الصين في توحيد النظام العالمي بناءا على مواصفاتها الفنية والسياسية والامنية والعسكرية بظهور الجيل الخامس 5G الذي يمتلك امكانيات وسرعات خارقة في المراقبة والتتبع والتحميل .
طبقت الصين شبكة 5G في الصين ومتابعة ومراقبة الاوبئة مثل كوفيد 19 او كورونا بل اصبح كل الصينيين تحت المراقبة والتتبع وعجلة الاقتصاد ومعرفة كل صيني بماذا يفكر في الشارع و في المنزل وفي اماكن العمل وهو النظام الدكتاتوري الشمولي ليتحول الانسان من حرية الفرد الى حرية التصور والتخطيط للدولة وهذا ما يرعب امريكا والغرب و التكنولوجيا الغربية التي رفعت الديمقراطية وحرية الانسان اي حقوق الانسان في حياته الخاصة بالاضافة الى التحدي الكبير الذي تمثله الصين على الاقتصاد الغربي .
ولندخل في صلب الموضوع لقد كشفت وثيقة نشرتها المخابرات المركزية الامريكية تسمى PSD11 وهي وثيقة سرية خطرة جدا وقعها الرئيس الامريكي اوباما في 12/8/2010 وربما قبل ذلك قد نوهت كونداليزا رايس عن ما يسمى الشرق الاوسط الجديد او الشرق الاوسط الكبير تتكون تلك الوثيقة من 18 صفحة بأن تتسلم جماعة الاخوان مقاليد السلطة في انقلاب على انظمة حليفة لها في مصر وتونس و المغرب والجزائر والسودان تندمج تلك الانظمة السياسية فيما بعد تحت حزب واحد وهو حزب "العدالة والتنمية التركي" ويعاد تشكيل شمال افريقيا للامبراطورية العثمانية و هنا نجد ان تركيا قد قنعت لها قواعد في البحر الاحمر وتعمقت في الحدود الاقليمية لبعض الدولة في البحر المتوسط بدعوى ترسيم الحدود للبحث عن الطاقة وهي متواجدة في شمال سوريا وشمال العراق و في قطر وقوات تعمل في غرب ليبيا .
اما الجانب الاخر من الوطن العربي وهو الجانب الشرقي و الجنوب اي منطقة الخليج العربي فلقد اتاحت خطة الحزب الديمقراطي الامريكي بضرب النظام القومي العراقي وتدمير مؤسساته والبنية التحتية وتدمير الجيش في متقاطعات و متفارقات دفعت لاجتياح الكويت كمبرر لتدمير الدولة .
هكذا كان تصور ادارة اوباما للشرق الاوسط الكبير حيث ابدى اوباما نيته الانسحاي من منطقة الشرق الاوسط والتدخل المباشر و احداث توازن بعودة قوتين اساسيتين في المنطقة ايران وتركيا وهنا تؤكد الادارة الامريكية بأنه لا يوجد فضاء عربي مستقل او لا يوجد حدود و كيانات سياسية ثابتة في منطقة الشرق الاوسط .
امريكا تعتبر الصين الان عدوها الاكبر ووضع كوابح لها في التمدد في تلك المنطقة امريكا الان لا تأبه كثيرا لمفهوم الطاقة التي تشتهر به المنطقة بما انتجته الولايات المتحدة الامريكية للبترول و الغاز الصخري حتى لما يسمى بدولة اسرائيل لم تعد ذات الاهمية لدى الولايات المتحدة والغرب كما كانت في القرن العشرين او بدايات القرن الحادي والعشرون .
ما يسمى بالربيع العربي حاول ان ينفذ المرسوم الرئاسي للرئيس اوباما في كل من مصر وتونس وليبيا وسوريا والجزائر كانت على شفا حفرة بتسليم الانظمة للاخوان وكانت هناك محاولات جادة ومازالت تعمل في اليمن ضد القوتين والنفوذين الايراني من جهة والتركي من جهة اخرى والدول السنية .
- ماذا حدث في شمال افريقيا ؟
ربما نرجع للخلف باجراءات ترامب لمعاقبة الصين تلك الاجراءات التي لم تثمر كثيرا ولكن كان ايضا مع وجهة نظر اوباما بتقسيم النفوذ في المنطقة العربية في الشمال والجنوب والشرق والغرب ولكن حتى بالخيار العسكري في مواجهة الصين ايضا وفرض القوة الامريكية كقوة رئيسية في العالم وهذا ما لم تؤيده مراكز الدراسات والمؤسسة العسكرية والامنية بما تتوقعه من نتائج وخيمة على العالم بأسره وبالتالي تراجع هذا الخيار ولذلك كانت الاولوية لأن تكون هناك انظمة مذهبية تقود المنطقة قد تتعارض ايديلوجيا مع الصين او ما يسمى النظرية الشيوعية .
مصر وفشل مخطط الدولة الواحدة في شمال افريقيا وتبعيتها لحزب العدالة والتنمية التركية
كان يوم 30 يونيو الذي قادته القوات المسلحة المصرية يوم انهيار مخطط الدولة الواحدة في شمال افريقيا بما قامت به القوات المسلحة المصرية مدعومة بزخم شعبي كبير في انهاء مخطط الشرق الاوسط الكبير الذي ذكرته كوندوليزا رايس في مذكراتها التي قالت فيها اوشكنا على التدخل العسكري المباشر في مصر لولا القرار الحاسم للجيش المصري بمواجهة الاسطول الامريكي قبالة سواحل البحر المتوسط والبحر الاحمر و من هنا ظهرت مرة اخرى الدولة الوطنية كاسرة مخطط اوباما وانهيار ما يسمى الربيع العربي فبظهور ثورة 30 يونيو وعملية بناء القوات المسلحة المصرية البرية والبحرية والجوية وتعدد مصادر السلاح اصبح مخطط ان تقسم المنطقة بين دولتين ايران وتركيا امرا مستحيلا لقد عمل الرئيس السيسي لتعزيز وتقوية القوات المسلحة المصرية بما يتناسب مع فرضها كقوة كبرى في المنطقة وفضاء يغطي الدول المجاورة وهذا انعكس على موازين القوى في ليبيا وظهور الجيش الوطني المنافس للوجود التركي في ليبيا والتحولات المهمة التي حدثت في تونس اخيرا وظهور الدولة الوطنية وحظر حزب التنمية والعدالة في تونس والذراع الطولى للدبلوماسية الاومن المصري الذي امتد الى سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة ولقاءات القمة بين الدولة المصرية والحكومة العراقية المتحفظة على الوجود الايراني في العراق .. هكذا انهارت فكرة تقسيم المنطقة العربية لقوتين اساسيتين منطقة الخليج والشرق العربي لايران والتقاسم في سوريا ومنطقة المغرب العربي المحسومة لتركيا .
- انهيار مشروع تركيا في شمال افريقيا
كما اوردت سابقا لقد رسمت مصر خطوط عرض وخطوط طول تهدد امنها القومي في ليبيا و البحر المتوسط واصبحت ند قوي للتدخل التركي في مصر بانهيار حكم الاخوان المسلمين وعدم تفردها بالقرار في ليبيا ومازالت مصر تلعب بقوة في الملف الليبي وفي اجتماع باريس حيث نص على خروج القوات التركية والجماعات المسلحة الاخرى من ليبيا واقرار انتخابات رئاسية وبرلمانية في بداية شهر ديسمبر الحالي ولكن مازالت ايضا تركيا لها منظورها بالمفهوم الديمقراطي من خلال مرشحين موالين لها للرئاسة والبرلمان مثل دبيبة وباشاغا و خالد المشري وبالمقابل فهناك تيار وطني وقومي تم ترشيحه للرئاسة سيف الاسلام القذافي ورئيس البرلمان عقيلة صالح وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر والامور لم تحسم بعد في ليبيا في ظل وجود قائم كخطوط حمراء بين شرق وجنوب ليبيا وغربها .
في تونس تقريبا نفس ماحدث في مصر وظهور تيار رئاسي وطني اخرج عناصر المشروع التركي من المعادلة الوطنية في تونس من خلال حزب النهضة الموالي لتركيا واتخذ الرئيس قرارات دستورية وتعديل الدستور الذي تم تعديله في السابق بما يتناسب مع القوى التي افرزتها موجة ما يسمى الربيع العربي .
السودان قام المجلس الرئاسي السوداني بانهاء ما تم التوافق عليه من نتائج ما سمي ثورة الغضب السوادنية على نظام البشير ومصر ليست غائبة عن التفاعل والتوجيه والدعم لانهاء مشروع اوباما و كوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون ايضا مصر لم تكن غائبة بالدعم اللوجسني لما يحدث في اليمن لفرض المعادلة الايرانية على شرق السعودية والخليج العربي .
اذا انهار النصف الاول في معادلة اوباما والادارات الامريكية المتتابعة والمتزم بها باليدن .
- التمدد الايراني الذي لم يتراجع في الشرق العربي
ربما كان النظام الايراني اكثر ادراكا لحالته الوظيفية المتفقة مع الرؤية الامريكية للمنطقة فلقد كان انهيار الدولة العراقية بقيادة صدام حسين كان لصالح ايران وبمعرفة امريكا بأن الديمقراطية التي تفرضها على العراق ودستور برايمر كان لصالح قوى مذهبية حليفة لايران واصبحت لها قوة وذراع طولى بميليشيات الحشد التي توازي قوته9ا الجيش الوطني العراقي وربما ادركت الادارة الامريكية ان مراكز النفوذ الايرانية ف يالمنطقة بالاضافة الى قوة ايران العسكرية والتكنولوجية والنووية سيفرض نفسه في مباحثات 5+1 والتي اصبحت 4+1 في ملف احباط البحث النووي الايراني وانهاء العقوبات على ايران .
لقد توصلت ادارة اوباما الى اتفاق 5+1 بما سمح بفك العقوبات عن ايران والسماح لها بالتخصيب لما لا يزيد عن 20% و في تلك الفترة عززت ايران قوتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان حيث قال رئيس البرلمان الايراني ان ايران تتحكم في عواصم 4 دول عربية وهو نجاح لخطة اوباما بالقوى الموازية في المنطقة بلا فضاء عربي وقوة عربية مركزية .
اذا المعادلة الامريكية في الشرق العربي مازالت لم تحسم وان وضع الروس لهم مكانا فيها في سوريا لاثبات وجود واحباط المخطط وقوى امريكية اخرى في شمال سوريا تتحكم في مصادر الطاقة اذا هناك تداخل بين القوتين الاساسيتين ايران وتركيا من ناحية في شمال العراق وشمال سوريا و هناك قوتين دوليتين ايضا هي روسيا وامريكا ولكن بنظرية امريكا فإنها تنوي الانسحاب ايضا من العراق و التواجد في سوريا مرتكزة على الانتخابات العراقية والتقارب الخليجي والمصري مع سوريا .
- اسرائيل في المعادلة الدولية الجديدة
كما ذكرت فإن الاهمية الاستراتيجية لاسرائيل لم تعد قائمة كما كانت في تصور قادة الحرب العالمية الاولى والثانية وربما اصبحت اسرائيل لا توازن قوة اقليمية بعد فشلها وقوتها في لبنان وغزة خلال اربعة حروب ولم تعد حاجة الغرب وامريكا لها امام التوازن الدولي الجديد في المنطقة وظهور العملاق الصيني التي تركز على مواجهته امريكا بذات الاهمية القصوى حيث اصبحت منطقة الشرق الاوسط اكثر استقرارا و توازننا بظهور قوتين اساسيتين ايران وتركيا ونقطة التوازن الكبرى التي تمثلها مصر في توازن تلك المعادلة ولذلك اصبحت منطقة فلسطين والشرق العربي والجنوب والخليج هي في عنق مائدة المفاوضات في الملف النووي والصواريخ البالستية بين امريكا من جانب وايران من جانب اخر حيث اقرت امريكا ودول الغرب ان ايران قوة اقليمية كما كانت في عهد الشاه و من هنا على القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية ان تعي لتلك المعادلات وتتتعامل بها وتضع حساباتها الدقيقة فلم يعد قائما مثل اتفاقيات وقعت بين الجانب الفلسطيني والجانب الاسرائيلي او ما يسمى بالتطبيع ذات جدوى واهمية فمن خلال القوى الاقليمية القادمة ستحدد هوية الارض الفلسطينية وجغرافيتها السياسية .