تحقق، لا تزندق من تمنطق

69db5a5b872bb7ce4f09d917d4df6665.jpg
حجم الخط

بقلم : حمدي فراج

 

في عام 2002، قررت الامم المتحدة اعتماد ثالث خميس من شهر نوفمبر- تشرين الثاني”امس الاول” من كل عام يوما عالميا للفلسفة .
رد سقراط على أحد تلامذته – ويمكن ان يكون أفلاطون- من ان أشياء كثيرة اصبحت تثير دهشته، فرد عليه بأن هذا بداية التفلسف. وقال ان الفلسفة هي ان تعرف نفسك، وانه أعرف الناس لأنه يعرف انه لا يعرف . وعندما قال المسيح لرجل اصم وأبكم : افتح ، كان يقصد افتح عقلك ، وعندما أخذ عليه اليهود ان حوارييه يأكلون لحم الخنزير ، قال لهم ان ليس ما يدخل الفم ينجّس الانسان ، بل ما يخرج من الفم هو ما ينجّس الإِنْسَان. وقال الله في محكمه العزيز “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . إنما يتذكر أولو الألباب” (الزمر: 9) . وقال رسوله “إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” ، ومع ذلك احتدمت الحرب بين الدين والفلسفة ، او بالادق بين المتدينيين والفلاسفة ، فطوردوا واضطهدوا وحبسوا وقتلوا.
جابر بن حيان ، ابو حيان التوحيدي ، الراوندي ، الكندي ، الفارابي ، الجاحظ ،ابن سينا ، الرازي، الخوارزمي ، ابن الهيثم ، ابن رشد ، المعري ، ابن عربي ، ويقال ان ابن المقفع قطعت اوصاله وألقيت في النار وهو ينظر اليها ، وان الكنيسة اعدمت المفكر الايطالي جوردانو برونو دون ان ينزف نقطة دم واحدة ؛ أحرق حيا . لقد وصل برونو في نقده للكنيسة إلى الحد الذي حملها فيه مسؤولية كل ما يظهر من شرور في هذا العالم، وقد نجا غاليليو عندما تنكر لمكتشفه العظيم ان الارض تدور ، ولكنه بينه وبين نفسه كان يقول ان منظاري “التلسكوب” اصدق من كل كتبهم المقدسة . ما قاله الغزالي “حجة الاسلام” مرعب الفلاسفة في كتاب “تهافت الفلاسفة” واعتبره الكثيرون من علماء الغرب سبب تخلف العرب والمسلمين ، فقد اشتهر بقوله ان الفلسفة اذا اقتصرت على الارضيات انصفت واذا تعدت الى السماويات ضلت . أتبعه ابن تيمية الذي قال “من تمنطق تزندق” فرد عليه ابن الهيثم : من تمنطق تحقق . في آخر ايامه قال الغزالي : ليس كل ما كتبته كان لوجه الله . اما غاليليو فقد اعاد الفاتيكان اعتباره قبل حوالي ثلاثين سنة واقام له تمثالا في ايطاليا .
والسؤال اليوم في يوم الفلسفة العالمي ، ليس متى سيعاد الاعتبار لفلاسفة العرب والمسلمين – صحيح ان آخرهم ابن رشد نجا من القتل، لكنه ربط امام جامع قرطبة ، وطلب من المصلين ان يبصقوا عليه – بل للفلسفة عموما التي اوقفت الانظمة العربية الحاكمة تدريسها في المدارس والجامعات ، ورغم ان هذا سيبدو بعيدا ، خاصة بعد ظهور حركات اجرامية وصلت ان تنبش قبور هؤلاء العظماء حتى بعد مرور اكثر من الف سنة على رحيلهم . سيبدو هذا بعيدا لطالما ان العرب والمسلمين ما انفكوا يناهضون الفلسفة وقيمها التغييرية والتقدمية والتحررية. وفي نفس الوقت يتدافعون على خطب ود “اسرائيل” التوراتية والعنصرية والاستيطانية والتوسعية الاحتلالية والاحلالية .