خالد مشعل وحماس والغرب.. سؤالُ المرحلةِ وتساؤلاتٌ أُخرى!!

1596032670-7472-9.jpg
حجم الخط

بقلم د. أحمد يوسف

 

 

 السياسة هي عملية حيوية لا تتوقف تساؤلاتها ولا تراوح مكانها، بل هي دائمة الطرح والتفاعل بحسب الأحداث والوقائع والمستجدات، وقد حظيت منطقة الشرق الأوسط بحضور واسع في اهتمامات الغربيين؛ لأن مساحات الصراع فيها مفتوحة، سواء ما تعلق منها بالحرب على الإرهاب أو المواجهات المسلحة بين دول الجوار، كما نشاهد اليوم في اليمن وسوريا وليبيا، وسابقاً كان غزو العراق للكويت، والتحرشات القائمة بين السعودية وإيران والإمارات وقطر...الخ، حيث لا تقتصر أشكال المتابعة لهذه الساحات على الاهتمامات الإعلامية فقط، إذ إن المراكز البحثية في العديد من الدول الغربية، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، توفر دراسات استراتيجية تُسهم في توجيه صُنَّاع القرار باتجاه السياسات الواجب اتباعها نحو مجريات ما هو حاصل في منطقتنا العربية والإسلامية، والمشهد اليوم هو ما تعطيه هذه المراكز البحثية من اهتمام لحركات مثل حماس وطالبان.. ولهذا، يتوجب على حركة حماس وقيادتها في الداخل والخارج والواقعة في دائرة الاستهداف الصهيوني متابعة حالة الاهتمام لدى النخب الغربية، وتقديم إجابات مقنعة لما يجري مع الاحتلال من مواجهات عسكرية، لا تقتصر تداعياتها بالطبع على دول المنطقة، بل أيضاً على المصالح الغربية الحيوية فيها.

وعليه؛ فإن شخصية قيادية كاريزمية ذات وعي سياسي ومكانة تنظيمية وحركية متميزة كالأستاذ خالد مشعل تسترعي انتباه نخب السياسيين والمفكرين في الغرب للحوار معها واللقاء بها، بحثاً عن إجابات للكثير من تساؤلاتهم، وكسراً لاحتكار إسرائيل لرواية الصراع في المنطقة، والذي يمنحها دائماً كدولة استعمارية بقدرات إعلامية هائلة الأفضلية في التعاطي مع الأسئلة التي تدور في أذهان هذه النخب لاستقبال إجابات وتحليلات لها، وبالتالي إبقاء حركة حماس دائماً في دائرة الاتهام بالتطرف والإرهاب.

ولعل ما يدور في المشهد السياسي البريطاني والتحركات الجارية لتصنيف حماس كحركة إرهابية لا يبتعد كثيراً عن هذا المعنى.

اسئلة بانتظار الإجابة!!

إن الضرورة باتت تفرض على عدد من الشخصيات والمفكرين داخل حركة حماس ألا يغيبوا أو يُغيَّبوا، بل يجب أن تظل إطلالتهم الإعلامية حاضرة وإجاباتهم كذلك، لكل ما يتعلق بحركة حماس ومقاومتها ومشهدها في الحكم والسياسة.

ولذا بات على حركة حماس والأستاذ خالد مشعل وإخوانه في القيادة السياسية إعطاء الوقت لتقديم الرأي وفصل الخطاب، لدحض كل ما تحاول ماكينة الدعاية الإسرائيلية القيام به لشحن أذهان المجتمعات الغربية بما تسوقه من روايات  لشيطنة حركة حماس وتشويه صورة مواقفها ومقاومتها، ولقطع كل حبل لها مع الدول الغربية.

 خلال الشهور الثلاثة الماضية، أتيحت  لي الفرصة لإيصال رسالة حماس السياسية عبر عدة مراكز بحثية في أمريكا وبريطانيا، حيث كنت ضيف اللقاء، وقد طُلب مني عرض موقف الحركة ورؤيتها أمام مجموعة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين الغربيين.

نعم؛ كان الحديث خلف الكواليس، ومقتصراً على شخصيات مرموقة، وبأمل تحقيق التوازن مع الرواية أو السردية التي تُسوِّقها إسرائيل والخاصة بحركة حماس والقضية الفلسطينية.

ومن باب وضع قيادة حركة حماس في صورة تلك اللقاءات، وما تتطرق له هذه النخب في الغرب، جاءت استضافة الأستاذ خالد مشعل؛ مسؤول الحركة في الخارج، بهدف وضع النقاط على الحروف، ومواجهة الاتهامات الإسرائيلية للمقاومة الفلسطينية وكتائب القسام بأنها تمثل تهديداً وجودياً لكيانها الغاصب.  

وبرغم التهديد والوعيد القائم، لمنع النخب السياسية والفكرية في الغرب من اللقاء بشخصيات قيادية من حركة حماس، إلا أن هناك عقلاء من المفكرين والأكاديميين والباحثين والسياسيين المخضرمين ممن يرون  ضرورةً للتواصل والحديث مع الحركة وقياداتها.

لقد أجريت أكثر من لقاء مع مراكز دراسات في أمريكا وبريطانيا، وشعرت أن الذي يمنع التواصل مع الحركة، ويعطل من مجريات الوعي بمبررات رؤيتها النضالية، والقدرة على استيعاب منطق المظلومية الذي يحرك فعلها المقاوم للاحتلال، هو خشية الكثيرين من هؤلاء النخب الغربية أن تطالها العقوبات التي فرضتها أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي على كل من يتجرأ أو يجاهر بالتواصل مع الحركة وفتح حوارات أو لقاءات مع قياداتها.

لكن هناك –بلا شك- من لديه ما يبرر اتصالاته ويجادل بما يدحض هذه التهديدات وإجراءات الحظر، وخاصة بعد أن باشرت أمريكا التفاوض مع حركة طالبان في الدوحة، رغم وضعها على قوائم الإرهاب الغربية لأكثر من عشرين عاماً، والتي انتهت بعد سنتين من المفاوضات للتوصل إلى حلٍّ ينهي الصراع معها، ويوفر انسحاباً آمناً لقواتها من أفغانستان. والسؤال الذي يطرحه البعض: لماذا لا تحذو دولٌ غربية بفتح باب الحوار مع حركة حماس، من أجل البحث عن حلِّ سياسي ينهي الصراع سلميَّاً في المنطقة، ويعيدَ للفلسطينيين حقهم المسلوب في سياق حلِّ الدولة أو الدولتين، ووفق أرضية لا يشعر معها الفلسطينيون بالظلم أو المظلومية؟!

في الآونة الأخيرة، جرى لقاء حواري خاص مع الأستاذ خالد مشعل مع عدد من الشخصيات التي جمعتها مراكز دراسات وأبحاث عربية وغربية، وتمَّ طرح العديد من الأسئلة التي لم يبخل الأستاذ خالد مشعل عن المساهمة في تقديم إجابات واضحة وصريحة لها.. إن ما يهمني هنا هو بعض ما ورد من تساؤلات وتعقيبات على ألسنة العديد من السياسيين البريطانيين والأمريكان حول "اتفاقية أبرهام" وحل "الدولة الواحدة" ورؤية حركة حماس في التعاطي مع الاحتلال في ظل الواقع المأساوي القائم في قطاع غزة، وتعقيدات المشهد السياسي المتلبك إقليمياً ودولياً؟ 

كان الأستاذ خالد مشعل موفقاً لحدٍّ كبير في إجاباته وصراحته، فهو كقيادي مخضرم خبر العقلية الغربية، ويتفهم خلفية ما تطرحه في نقاشاتها من أسئلة وتعليقات، حيث تعامل معها لأكثر من أربعين عاماً، خلال زياراته ولقاءاته على ساحاتها كمتحدثٍ أو ضيف شرفٍ في الكثير من المؤتمرات وندوات الحوار في دول مثل: أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا والسويد والنمسا...الخ حيث كانت تجري على هوامش تلك المؤتمرات العديد من اللقاءات والجلسات الجانبية مع شخصيات وازنة في تلك الدول الغربية.

في اللقاء الأخير مع مجموعة من النخب الغربية، وبعد انتخابه لقيادة حركة حماس في الخارج، عبر تقنية الزوم (zoom)، تحدث الأستاذ خالد مشعل مستعرضاً أولويات حركة حماس في المرحلة الحالية، وهي بمثابة واجبات ومسؤوليات يتحرك الجميع في الحركة ومؤسساتها من أجل إنجازها، وتتجلى محاورها في النقاط الأربع التالية 

إدارة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي من أجل تحقيق الأهداف الوطنية .

إنهاء الانقسام القائم، وتحقيق المصالحة الوطنية، وبناء الأسس لشراكة سياسية، مع العمل على إصلاح المؤسسات الفلسطينية.

إيجاد حلول لقضايا الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.

التواصل مع المحيط الإقليمي والدولي لكسب النصرة والتعاطف والتأييد للقضية الفلسطينية.

وقد أكد الأستاذ خالد في حواره مع هذه النخب الغربية أنه ليس هناك لحركة حماس مشكلة مع أحد في أوروبا والغرب بشكل عام، حيث إن المعركة الحقيقية للحركة والفلسطينيين هي مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن الحركة حريصة على الاستقرار والسلم في العالم، إذ أن الأصل في العلاقة بين الشعوب هي أن يتعارفوا لا أن يتصارعوا. وفيما يخص "اتفاقية ابرهام"، فهي ليست أكثر من قناعٍ خادع وثوب رياء يشفُّ عما تحته، والمُتلحف بها عارٍ، وأن أهدافها لا تصب في صالح شعبنا وقضيتنا، ولا يُرجى من ورائها عودة الحقوق الفلسطينية إلى أصحابها.

وحول موضوع الانتخابات التي جرى تعطيلها أو تأجيلها، ذكر الأستاذ خالد مشعل أنه جرى الاتفاق مع الرئيس عباس والإخوة في حركة فتح خلال لقاءات بيروت واستانبول وبتفاهمات مع باقي الفصائل الفلسطينية على أن تُجرى وفق تواريخ تمَّ التوافق عليها، ولكن –للأسف- ولاعتبارات مرتبطة ربما بتقديرات النتائج والتخوف من حظوظ الكسب الأوفر للخصوم، تمَّ تعليقها بدعوى أن إسرائيل تماطل في إجرائها بمدينة القدس!!

وأشار الأستاذ خالد (أبو الوليد) أن حركة حماس جاهزة لهذه الانتخابات وتقبل نتائجها، وأن الكرةَ حقيقةً هي في ملعب الرئيس عباس؛ باعتباره على رأس السلطة السياسية وهو صاحب القرار.

وحول طلب أحد المشاركين في الحوار منه تقديم نصيحة للإسرائيليين، أجاب الأستاذ خالد مشعل باختصار: إن الحكومات الصهيونية اليمينية المتطرفة والمتعاقبة على الحكم في إسرائيل هي من أضاعت فرص تحقيق سلام مع الفلسطينيين، وهي من أفشلت "حل الدولتين" وعطلت التقيد والالتزام بما ورد في "اتفاقية أوسلو" من بنود تتعلق باستحقاقات للطرف الفلسطيني، وضربت بالاتفاق الذي وقَّعته في واشنطن مع منظمة التحرير والرئيس ياسر عرفات (رحمه الله) عرض الحائط، وهي من تعمل ليل نهار على تهويد القدس والمقدسات الإسلامية والتراثية فيها، وهي من تغتصب أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية وتقيم عليها المستوطنات لفرض حقائق احتلالية على الأرض، وهي من تفرض الحصار الظالم على قطاع غزة لأكثر من 15 عاماً، وتشن الحروب وكافة أشكال العدوان على شعبنا في القطاع. وأضاف: نحن موقفنا في مقابل ذلك واضح وصارم: "لا سلام مع الاحتلال، ولا استقرار في ظل الاستيطان"، فقدرنا كفلسطينيين أن نناضل، إذ لم يُبقِ لنا الصهاينة ما نخسره.

وفيما يتعلق بما ذكره الأستاذ خالد مشعل من خيار "فلسطين.. من البحر إلى النهر"؟ أجاب: إنه الرد المنطقي على من يحاولون تجاهل الحق الفلسطيني، ويرفضون الاعتراف بنا كشعب يعيش على هذه الأرض قبل أن يستوطنها أحد منهم.. وأضاف: لقد جمعتنا رسالة السماء، إذ كانت فلسطين هي الأرض التي باركها الإله (سبحانه) للعالمين، فكانت مهداً للرسالات السماوية الثلاث؛ اليهودية والمسيحية والإسلام، حيث تعايشنا لآلاف السنين، وكان التسامح ديدن العلاقة بيننا.. اليوم، ومنذ النكبة والتهجير القسري لشعبنا والذي وقعَ عام 1948، يُنكر الصهاينة حقنا في الوجود على أرضنا التاريخية؛ أرض الآباء والأجداد، وهم يتعاملون مع شعبنا بسياسة الفصل العنصري (الابرتهايد) ويضغطون بكل الوسائل للتضييق على شبابنا ودفعهم للهجرة خارج البلاد، مع ممارسةٍ ممنهجة للتطهير العرقي، بهدف إخلاء الأرض من ساكنيها الأصليين، لحساب من يجلبونهم من المستوطنتين الغرباء!! لذا؛ فإن من واجبنا، وفي ظل هذه السياسة من عدم الاعتراف بالآخر الفلسطيني، أن نُقدّم روايتنا وسرديتنا التاريخية لأصل الصراع، وأن نُذكِّر العالم وهؤلاء الغزاة الصهاينة بأن "فلسطين.. من البحر إلى النهر" هي أرضنا، التي عليها نحيا، ومن أجلها نجاهد، وعليها نموت.

مشعل.. خطوة حوار في الاتجاه الصحيح

لا شك أن الأستاذ خالد مشعل كان يخاطب هذه النخبة من الشخصيات الغربية بلغة المنطق وما تتطلبه هذه اللغة من حجة وإعمال عقل، وكذلك بلمسة إنسانية تحرك ضمائرهم وتستدعي تعاطفهم.

حقيقة، وفي سياق مجريات الحوار وما تمَّ طرحه من أسئلة وتساؤلات، تبدو الحاجة أكثر من مُلّحة لخلق حالة من التواصل وجلسات الحوار، وخاصة مع السياسيين والمفكرين ونشطاء المجتمع المدني في الساحات الغربية، وبالدرجة الأولى في دول الاتحاد الأوروبي، بهدف التسريع برفع اسم الحركة وبعض قياداتها من قائمة الارهاب الأوروبية؛ لأن التحرر من هذه القائمة يفتح الطريق للدخول في نقاشات مثمرة عبر المشاركة في اللقاءات والحوارات السياسية التي تدور في أروقة العديد من هذه الدول، والتي لبعضها تأثير كبير على مجريات السياسة في منطقة الشرق الأوسط، ويمكن أن تشكل مواقفها إذا توازنت رافعة للحالة السياسية الفلسطينية

إن محاولة الولوج لساحات كالاتحاد الأوروبي هي كسبٌ لا يمكن التقليل من أهميته، ويجب العمل من أجل تحقيق اختراق فعلي يعزز من فرص المغالبة والتأييد للرواية الفلسطينية، والتي أضعفتها –للأسف- وضعية الانقسام الداخلي، وتشرذم حال أمتنا العربية والإسلامية، إضافة لقوة ماكينة الدعاية الصهيونية وهيمنة السردية الصهيونية بشكل كبير على دوائر الرأي والقرار في أغلب الدول الغربية.

إن الإعلان عن رغبة الحكومة البريطانية بالتعاطي السلبي مع حركة حماس، والتجاوب مع المطالب الإسرائيلية بإلباس حماس ثوب الشيطان والتعامل معها كحركة إرهابية، ليدعونا للتساؤل: لماذا ؟! وإسرائيل هي التي تمارس العدوان، وترتكب جرائم الحرب بحق شعبنا الفلسطيني، وهي من وجهة نظر القانون الدولي دولة إرهاب.

للأسف؛ اليوم لم يعد للقانون الدولي قيمة، لذا لا تخشاه إسرائيل؛ لأن من يقف خلفها من الأمريكان هم من يوفرون لها حبل الأمان وطوق النجاة من أية عقوبات أو إدانات دولية.

 ما العمل؟! وما هي أدوات التخذيل المتاحة لكبح التغول الإسرائيلي، وسد باب الذرائع وما نجحت في تسويقه إسرائيل من ادعاءات؟

 لا شكَّ أن الوصول لحواضر الغرب وبخطاب المظلومية الذي عليه قضيتنا سيدفع إسرائيل إلى الزاوية، بحيث تجد نفسها محصورة فقط في عدد من الدول الغربية، التي تدافع عنها وعن سياساتها العدوانية بالحق والباطل.

إن تحييد دولٌ غربية في أوروبا واستمالتها إلي جانب الحق الفلسطيني سيردع إسرائيل عن ممارسة العدوان، وسيكبح جماح آلتها العسكرية وعجرفة جنرالاتها، وسيجعلها تضع في حساباتها كلَّ الاعتبار لما قد يترتب على جرائم الحرب التي تقترفها، والجرائم بحق الانسانية التي ترتكبها، سواء على شكل إدانات أو عقوبات دولية.

باختصار.. إن التواصل مع الغرب عبر نخبه ومفكريه ونشطاء المجتمع المدني فيه هو أحد وسائل "التخذيل" المهمة، لكسر شوكة إسرائيل من ناحية، وفتح المجال لخطاب حماس السياسي ورواية المظلومية الفلسطينية، كي تأخذ طريقها إلى عقل الرأي العام الغربي ووجدانه من ناحية أخرى، وذلك بهدف قطع "حبل الناس" الذي تستقوي به إسرائيل عبر "سردية الضحية"، التي تلعبها بأساليب حرفيِّة مُضللة في المسارح العالمية والمنابر الدولية.

إن ما يدور على الساحة السياسية البريطانية من تحركات لحشد المواقف، بهدف تعطيل القرار أو تمريره في البرلمان، سيكشف لنا كم من أوراق القوة بأيدينا كعرب ومسلمين، وكم في أيدي الصهاينة؟ وهل نحن مجرد أرقام  تشكو –وأسفاه- قلَّة الحيلة والهوان على الناس؟