بعد قرابة خمسة عشرة عاماً من بدء الانقسام الداخلي أي منذ منتصف حزيران 2007، ونحن نعمل وبالشراكة مع كل مكونات المجتمع الفلسطيني للوصول إلى صيغة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، على قاعدة الشراكة السياسية الكاملة، ضمن برنامج وطني جمعي تحت مظلة منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وفي سبيل ذلك أصدرنا العديد من المبادرات والبيانات باسم “منتدى فلسطين والتجمع الوطني للمستقلين”، وكانت لنا مشاركات في كل اللقاءات والاجتماعات الداخلية والخارجية، للوصول إلى صيغة متفق عليها داخليا لإنهاء الانقسام.
ومنذ منتصف حزيران 2007، جرت مياه كثيرة في النهر، تارة يرتفع منسوب العمل لإنهاء هذا الملف، وتارة أخرى ينخفض او حتى يتلاشى، ولكن بقي هذا الملف، بالنسبة لنا، الأولوية الأولى، بحكم أن استعادة الوحدة الوطنية هو نقطة الارتكاز في الانطلاق لمعالجة ملفات داخلية أخرى، وأيضا للتفرغ لمواصلة نضالنا الوطني التحرري لتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه الطبيعي في تقرير مصيره، لذلك ومواصلة لهذا العمل ولتوسيع دائرة التأثير والمشاركة أعلنا عن تأسيس هيئة النوايا الحسنة لإنهاء الانقسام في شهر آب من العام 2021، والتي تضم مجموعة من الشخصيات الفلسطينية الاعتبارية المعروفة بوطنيتها وسمعتها الطيبة، تطمح، وضمن رؤيتها الشاملة للواقع الفلسطيني، إلى الوصول لصيغة متفق عليها لإنهاء الانقسام مبنية على أساس ما تم التوصل اليه في الاتفاقيات والحوارات السابقة، بناءً على وثيقة أعدتها، – وعرضتها على جميع القوى الوطنية الفلسطينية، بما فيها حركتي “فتح” و”حماس”، ونالت التأييد والمباركة، وأيضاً تم عرضها على الأشقاء المصريين والأردنيين الذين استحسنوها-، اذ ترتكز على اتفاق مكة الذي كان قبل الانقسام في شباط 2007، مروراً بكل الاتفاقيات التي اعقبته مثل الورقة المصرية 2009، واتفاق القاهرة 2011، واتفاق الدوحة 2012، واتفاق الشاطئ 2014، واتفاق القاهرة 2017، وحوارات القاهرة “اجتماع الأمناء العامون” 2021.
وتعمل الآن هيئة النوايا الحسنة على محاولة الترتيب، مع كافة الأطراف ذات العلاقة، لعقد اجتماع آخر في القاهرة برعاية الشقيقة جمهورية مصر العربية، يضم بالإضافة إلى الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية وهيئة النوايا الحسنة لإنهاء الانقسام، ما بين (30 – 50) شخصية فلسطينية مستقلة من الداخل والشتات ويسبقه اجتماعات تحضيرية لضمان نجاح الاجتماع ، للوصول إلى اتفاق ملزم لجميع الأطراف، يقوم على أساس الشراكة السياسية الكاملة، وأن منظمة التحرير هي الإطار الجامع للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وهي الممثل الشرعي والوحيد له.
تؤمن هيئة النوايا الحسنة لإنهاء الانقسام بأن الانطلاق إلى الفضاء العربي والدولي يبدأ أساساً بإنهاء الانقسام وترتيب البيت الداخلي، لمواجهة المشروع الصهيوني، الذي ينكر الحق الفلسطيني، وبدون إنهاء الإنقسام لا يمكن مواجهة هذا المشروع مع أهمية إعادة التضامن العربي مع القضية الفلسطينية للوقوف في وجه التطبيع العربي الرسمي الذي تستفيد منه فقط “دولة الاحتلال” من خلال تنفيذ أجندة الحركة الصهيونية التي تسعى إلى إقامة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، والسيطرة على مقدرات الشعوب العربية وتحويلهم إلى مجرد خدم لديها.
وأيضا من خلال العمل مع التجمعات والمؤسسات اليهودية في العالم، والتي لا تتبنى الفكر الصهيوني، القائم على أساس العنصرية والهيمنة، فهناك الكثير من أتباع الديانة اليهودية الذين لا يؤمنون بالفكر الصهيوني، ولكن يصمتون على ما تقوم به الحركة الصهيونية من تشويه للدين خوفاً من الابتزاز والتشهير وغيرها من الطرق البذيئة التي تستخدمها الحركة الصهيونية لإخافة وإسكات الأصوات الصادقة، والتي تسعى إلى إقامة السلام في ارض السلام.
إن استمرار الحركة الصهيونية، بإنكار الحق الفلسطيني، واختلاق الحروب والنزاعات في المنطقة والاقليم لا يخدم أحداً سواها، فهي تقف حجر عثرة أمام توقيع الاتفاق النووي الإيراني الأميركي، وتقف أيضا ضد إعادة افتتاح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية والتي عمرها يزيد على م” ١٨٠”عاماً، وهي التي أختلقت ودعمت ما يسمى بالربيع العربي في العراق ، وسوريا ، وليبيا ،واليمن ولبنان، ووظفته لضرب النسيج الاجتماعي والوطني داخل هذه البلدان من أجل تدميرها لتستطيع السيطرة عليها، وهناك الكثير من الأمثلة التي تؤكد سعي الحركة الصهيونية إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات قائمة على أساس ديني أو عرقي، أو طائفي، ليسهل على العالم استيعابها كدولة يهودية خالية من أي ديانة أخرى، فقد عملت على تهجير المسيحيين الفلسطينيين فقلت نسبتهم في فلسطين التاريخية أكثر من 30% قبل النكبة عام 1948، إلى أن وصلت إلى قرابة 1% في أيامنا هذه، وتسعى إلى تهجير ما تبقى من الفلسطينيين على أساس أنهم غير يهود وإرهابيين، ويمكن لهم بناء دوليتهم حيثما شاءوا، ولكن بعيداً عن الدولة اليهودية.
كان لدي أمل في الوصول إلى سلام مع الإسرائيليين، ومن أجل فحص هذه الإمكانية حاولت، من خلال مبادرة “كسر الجمود” تحت رعاية منتدى الاقتصاد العالمي، وبتكليف من الرئيس محمود عباس، أن أصل مع مجموعة من رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين في العام 2012 ولمدة ثلاث سنوات تقريبا، إلى تفاهم مبني على أساس “حل الدولتين” وتحاورنا طويلا من أجل أن نخرج بوثيقة ملخصها قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، بعاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بما فيها حق العودة وفق مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002، ووافقت عليها جميع الدول العربية والإسلامية بعدها، ولكن رغم كل هذا لم نستطع أن نصل معهم إلى أي نتيجة. وعند الاتفاق قاموا بالاختفاء، وهذا دليل أوضح على الفكر الذي تتبناه الحركة الصهيونية بما يخدم وعد بلفور، وإنهم ببساطة ينكرون الحق الفلسطيني. كذلك وضمن هذه الجهود التقيت، حينها، مع نفتالي بينت من حزب البيت اليهودي، والآن هو رئيس الوزراء في دولة الاحتلال، وقلت له “لا يمكن أن تستمر إسرائيل بإنكار الحق الفلسطيني، وعلينا أن نعيش سوياً وبسلام وعدل على هذه الأرض، مهد الديانات وأرض السلام”، ولكنه لم يستوعب ما قيل له، مثله مثل باقي الذين يتبنون الفكر الصهيوني، وما اغتيال اسحق رابين إلا دليلا على حجم التطرف في المجتمع الإسرائيلي .
إن هذا الفكر لا يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، فهو امتداد لإعلان بلفور الذي أسس لثقافة الكراهية في المنطقة، لأنه ببساطة نفى حق غير اليهود على هذه الأرض، واعتبرهم طوائف غير يهودية رغم أنهم كانوا يشكلون الأغلبية، وجاء نتنياهو ليجسد هذه الفكرة على الأرض من خلال قانون القومية العنصري والدولة اليهودية، الذي يفتح الطريق أمام “إسرائيل” لتنفيذ سياستها في طرد ما تبقى من الفلسطينيين في فلسطين التاريخية أو التعامل معهم على أنهم مواطنين من الدرجة العاشرة، وليس لهم أي حقوق مدنية أو سياسية. وبعد عام من ذلك جاءت صفقة القرن المشؤومة لتجسد وتدعم ما جاء في تصريح بلفور وما ترجمه قانون القومية .
إننا نسعى ليس فقط إلى إنهاء الانقسام الداخلي ونيل حريتنا وحقنا في تقرير مصيرنا، بل أيضا إلى بناء مستقبل أجمل للأجيال القادمة، وهذا يتحقق من خلال خضوع الحركة الصهيونية إلى مبادئ الإنسانية في العدل والمساواة، واحترام الآخر، وهذه مسؤولية الدول ومؤسساتها، إذا كانت تريد أن تعيش في أمن وسلام وازدهار، في إجبار هذه الحركة العنصرية على التخلي عن فكرها العنصري التوسعي، فنحن نسعى إلى سلام عادل وشامل ودائم وهدفنا بناء دولة فلسطينية ديمقراطية تتسع لجميع مواطنيها خالية من العنصرية يسودها الأمن والسلام.
وبناء السلام والأمن والمحبة يبدأ أولا بحصول الشعب الفلسطيني على حقه في تقرير مصيره، على أرضه، أرض السلام، وهذه تكون مقدمة لبناء شرق أوسط جميل وجديد خال من الأسلحة النووية ولنتفرغ بعدها للاستفادة من التقدم التكنولوجي الكبير الذي حول العالم إلى قرية صغيرة، ونوظف كل إمكانياتنا المادية والبشرية لمواجهة التغيير المناخي والاوبئة التي تفتك بالبشرية، وهذا يؤسس لمستقبل مشرق للأجيال القادمة.