من الذي عليه الندم على قتل «صابرين»؟

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

بقلم: ريما كتانة نزال

هل سيخدم مقتل المرحومة «صابرين خويرة» الإفراج عن قانون حماية الأسرة من العنف؟ هل سيحقن مصرعها المُرَوّع دماء المكتوب على جبينهن مواجهة مصيرهن المحتوم، كما خدمت دماء «آية برادعية» تجميد بعض بنود قانون العقوبات المتعلقة بقتل النساء على خلفية الشرف؟ وكم عدد القتيلات اللواتي يتطلب منهن الموت قبل صدور قانون العقوبات؟
شكّلَ قتل «صابرين» فرصة لإعلاء الصوت لتوفير الحماية للضحايا، وشكّل فرصة لصحوة ضمير أصحاب المسؤولية وقيامهم بتلبية الواجب المُناط بهم بموجب الصلاحيات المخولين بها.
مقتل الشابة الأم عشية الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة فرصة ومدخلاً أمام الحكومة إلى نقاش قضايا العنف الأسري ضد الفئات المُستضعفة من نساء وأطفال على وجه الخصوص، خاصة أن الأطفال الذين أخذوا نصيبهم من الإيذاء والقتل على يد أسرهم، ما يكفي للإفراج عن القانون. فالمعضلة أن العنف يأتي من الدائرة الضيقة المحيطة بالضحايا..!
فرصة مهمة لإعطاء حملة مناهضة العنف المثل الصارخ لتبرير ما يجب عدم تبريره، للمطالبة بإصدار قانون حماية الأسرة من العنف فوراً دون إبطاء، رفع الصوت لإقناع المجتمع المتردد إزاء تحديد موقفه من القانون بسبب خضوعه للترهيب والابتزاز.. وقد دفعت دماء «صابرين» عائلتها للانضمام إلى المطالبين والمطالبات بسنّ القانون.
كان من المأمول إقرار المسودة الأخيرة للقانون المنتظر، التي وُضِعَت على طاولة النقاش في أواخر العام 2019، بمشاركة الوزارات صاحبة الاختصاص ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة المرأة، بحضور المؤسسات النسوية والمجتمعية واستيعاب ملاحظاتهم لقيام القانون بتحصين «صابرين» بإبعاد الزوج القاتل والمدمن عن البيت. لو أقرت المسودة ووضعت موضع التطبيق، لاستطاع القانون استبعاد الخطر ليس عن الزوجة الأم فقط، بل عن أطفالها وعن عائلة المجرم والمجتمع.. فقد كانت بوادر العنف وبالأحرى معالم ارتكاب الجريمة واضحة، حيث تقدمت الضحية بالشكوى وعليه يوفر القانون وجوب أخذ الاحتياطات اللازمة بالاعتبار.
لو كان القانون موجوداً لما قتلت الطفلة في غزة، ولما قتل طفل قلقيلية، وما كانت إسراء وآية ونانسي وغيرهن تحت التراب، ولما أخفيت جثة قتيلة الخليل في البئر، جميعهم قتلوا على يد أحد أفراد الأسرة وفي الغالب على يد الأب..!
الهجمة المتطرفة على القانون تتحمل المسؤولية عن استمرار العنف، لدى احتجاجها المدوّي دون وجه حق على مبدأ إصدار القانون، انطلاقاً من اعتبارهم أن الأسرة من تدبر أمورها بذاتها من قبل أوليائها، ورفض التدخل في شؤون أفرادها في حال ارتكاب العنف بجميع أشكاله ضدهم، باعتبار حياتهم قضية أسرية محضة أو ما يصطلح على تسميته «ولاية الدم»، رافضين مبدأ تدخل الحق العام وادعائهم أن القانون يفكك الأسرة؟!
فعاليات يوم العنف تكشف عن حالة السيطرة والظلم الذي تعيشه المرأة، في ظل قوانين وتشريعات متقادمة متخلفة عن السياق والتطور الحقيقي للمرأة وأدوارها، في ظل منظومة الأعراف والقيم والعادات والتقاليد البالية والثقافة السائدة، وتكشف عن إفلاس الإرادة.
لقد عرّى قتل «صابرين» الهجمة المتطرفة، وعرَّت الهجمة المتطرفة على قانون حماية الأسرة من العنف موقف الحكومة، لوقوف الأخيرة صامتة إزاء شيْطنة القانون وشيْطنة اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة الموقعة من الدولة الفلسطينية مع باقي المعاهدات الحقوقية، وشيْطنة الهجمة للمؤسسات النسوية.
عملية الشيْطنة اندرجت في محاولات الهجمة المتطرفة الانتقاص: من المنجزات التي حققتها النساء في غير مجال، في العمل السياسي والاجتماعي العام، وفي التعليم والعمل والاقتصاد والثقافة، بل حتى انتقصت من استحقاقهن للمساواة القانونية، بالتناقض مع واقع ونضالات الحركة النسائية الفلسطينية، من أجل استمرار وتعزيز موقعها والإساءة إلى دورها في المجتمع، الأمر الذي صار لازماً تقويم هذا الوضع والتصدي له، لا سيما وقد أماطت الهجمة اللثام عن أشكال التعصب والتشويه لدور المرأة في الحياة.
وللمتتبع للأداء الرسمي، خلال الهجمة المضادة للقانون وللمؤسسات النسوية، يُلْحَظ بجلاء التحاشي الرسمي لأي تصدٌ مباشر للهجمة على قانون حماية الأسرة من العنف، عدا تحفظه تجاه مواءمة التشريعات، ولا يزال التحفظ في التعاطي مع تصور مكانة المرأة، ما يؤكد عملياً أن التعامل يدور في فلك التعاطي معها ككائن قاصر يحتاج للولاية للأبد. لأن الرؤية الرسمية متقاعسة عن تحديد مفهومها لقضية المرأة ووقف السجال المُلتبس حولها في المجتمع، رغم المرجعيات الرؤيوية المتبناة جمعياً، ممثلة بوثيقة الاستقلال.
تُقتل «صابرين» وغيرها سيُقتل، قبل أن يؤنِّب المسؤولون ضميرهم الجمعي على استمرار قتل النساء، قبل أن يتوقف التعالي على الواقع وتطوراته واحتياجاته. ونبقى لا نملك سوى إحصاء أعداد الضحايا وتنظيم بعض الفعاليات الهزيلة.. وانتظار الضحية الجديدة!