معاريف – يصعب على الاردن ان يشرح اهمية اي اتفاق مع اسرائيل

حجم الخط

معاريف – بقلم  جاكي خوجي

 

وقعت اسرائيل والاردن هذا الاسبوع في دبي على مذكرة تفاهم لتبادل الطاقة. الفكرة، التي سميت “الكهرباء مقابل الماء” بسيطة ولكنها ابداعية. في اطار الاتفاق ستصدر الاردن لاسرائيل كهرباء انتجت بالطاقات المتجددة. وبالمقابل، تفحص اسرائيل امكانية ان تعيد للاردنيين ماء محلاة. لاجل انتاج الكهرباء، على الاردنيين أن يقيموا منشأة “خضراء”  والى جانبها ايضا مشروع تخزين. أما اسرائيل فان عليها أن تقيم منشأة اضافية في  احد شواطئها. وتحققت مذكرة التفاهم بمساعدة اتحاد الامارات ووقعت برعاية امريكية. وهي ستعطي للاردنيين ماء غاليا ليس لديهم، ولكن ليس الجميع في عمان ينجحوا بالاستمتاع بهذه الفكرة. 

في صباح التوقيع على الاتفاق اجريت مقابلة اذاعية مع وزير الاعلام فيصل شبول،  الذي يعمل كناطق بلسان الحكومة. نفى شبول كل توقيع مرتقب على الاتفاق. بعد ساعات قليلة من ذلك علم من دبي ان الاتفاق وقع، رغم نفيه. وعندها اجرى الاردن التفافة حدوة  حصان. وكالة الانباء الرسمية لديها “البتراء” التابعة للناطق نفسه، بشرت بعنوان كبير للاتفاق المتحقق. 

هذا التذبذب جعل حكومة الاردن، ولا سيما وزير اعلامها نكتة في دوائر الفهيمين في عمان. شاب اردني يدعى عمر جلال  غرد في حسابه على التويتر: “في الصباح وزير الاعلام ينفي والان وزير الماء يوقع. ذكروني كم حكومة توجد لنا؟”. مغرد آخر يدعى محمد الخطيب كتب: “في الساعة 10 انه لا يوجد شيء، وفي الساعة 11 وقعوا. اذا كان ناطق  الحكومة لا يعرف ان شيئا ما حصل  في ذاك اليوم، فمن يعرف؟”.

ناطق الحكومة لا يعمل بالنزوات. فمن يتابع في هذه السنوات الخطاب العلني في الاردن، بالكاد سيجد فيه تفاصيل عن الاتصالات مع اسرائيل. مع أنه يوجد بالتأكيد ما يمكن روايته للجمهور، ولا سيما مؤخرا. زيارة رئيس الوزراء بينيت الى القصر الملكي، زيارة وزير الدفاع غانتس ووزير الخارجية لبيد، توسيع الاتفاق لصفقة عمال في ايلات، وبالطبع توسيع اتفاق الماء. عن كل هذا عرف الجمهور الاردني بتقنين، في الهوامش، او لم يعرف على الاطلاق. 

في الغالب، يتعرف الاردنيون على علاقاتهم مع اسرائيل من منشورات اجنبية او بفضل تسريبات من القدس. هكذا ايضا اتفاق “الكهرباء مقابل الماء”. مذكرة التفاهم وقعت دون أن تروي القيادة الاردنية عنه لجمهورها. بل ان الاردنيين طلبوا من اسرائيل ومن الامريكيين في اثناء المباحثات، الابقاء على السرية. ولكن التفاصيل تسربت الى وسائل الاعلام الاسرائيلية، وفي غضون وقت قصير وصلت الى الشبكات الاجتماعية والى مواقع الاخبار في الاردن. 

يذكر سلوك الناطق بلسان الحكومة الاردنية بنكتة قديمة عن ملك دعا خادمه المخلص اليه ليبحث مشكلة ما. خرجا معا في جولة قصيرة الى الحديقة. وبينما كانا يتحدثان، توجه الملك ليقطف ثمرة ويأكلها. فشعر بنكزة في مؤخرته.  ادار رأسه الى الوراء وفوجيء إذ تبين أن خادمه مسؤول عن الفعلة. هي يدك التي اصابت مؤخرتي! رد بغضب. انا اعتذر، اجاب الخادم ظننتها مؤخرة الملكة. وعن هذا قال من قال: التعديل اسوأ من الخطيئة. وبالترجمة الى الاردنية: دعكم من التوقيع على الاتفاق ولكن النفي الكاذب هو ما يصعب احتماله. 

ان الغياب المضلل للشفافية يعرفه الاردنيون منذ عشرات السنين. وقد تعلموا كيف يتعايشوا معه. كما أنهم سلموا بالاداء العليل للموظفين في القمة، وان كان يقض مضاجع الكثيرين منهم. ولكن من كشف في هذه الحالة بكامل شدته هو ضعف الحكم الاردني في الموضوع الاسرائيلي. صحيح، استقبلت البشرى بغضب لدى دوائر معينة. وطالب عشرات النواب ببحث عاجل في ضرورة الاتفاق. واتهم نشطاء سياسيون ومعارضو القصر بان الاردن اودعت فرع الطاقة لديها في ايدي الاحتلال الاسرائيلي. “خطر وجودي على مستقبل المملكة”، قال عماد الشوبكي، محلل اردني لشؤون الطاقة. “الصهاينة سيسيطرون على المنطقة كلها بواسطة مشاريع بنية تحتية اخرى”، قال بصوته هشام البستاني، منسق الحملة الجماهيرية ضد اتفاق الغاز مع اسرائيل.

رغم الاحتجاج الديماغوجي هذا الاتفاق هو انجاز للمملكة وخطوة مفيدة للسكان. توجد فيه ضمانة لعلاوة 200 مليون متر مكعب من الماء، والى جانبه عناق اماراتي وامريكي. ولكن رغم أنه جدير بالثناء، يصعب على القصر ان يروي للجمهور عن انجازه إذ في مركزه تقف اسرائيل. لهذا السبب، بدلا من ان يتباهى، يضطر ناطق الحكومة الاردنية لان يغطي على الفعلة كسارق يخجل من فعلته. هو بالطبع لم يعمل بمبادرته بل عبر عن الاجواء التي املاها عليه مكلفوه. 

كيف ستتصرف المملكة الاردنية اذا ما اشتد ضغط الشارع ومحافل المعارضة عليها. القصر الاردني وان كان مستقرا، فانه يقظ جدا لكل تطور هام قد يعرضه للخطر. ومرات عديدة يعرف كيف يجد له حلا. الغرب يحمي هذا القصر من كل شر، ويجتهد لان يمنحه دعما ماليا، دبلوماسيا وامنيا بقدر ما يستطيع. ولكن هذه العملية  التي يدحر فيها الرأي العام القيادة الى الحائط، مهددة ولا يمكن معرفة اين تقف.  كلما مرت السنون، تصبح هذه الضغوط اكثر شدة. وهي ليست دوما تتعلق باسرائيل او بالمناطق الفلسطينية. يكفي مثلا زيادة اللاجئين السوريين او العراقيين او اللبنانيين كي تهز السوق الاردنية المهزوزة اصلا وتنقذ الجمهور الاعلى.

السلام  ليس مسلما به

معظمنا، نحن الاسرائيليين نرى في السلام مع الاردن امرا مسلما به. وكأن اتفاق وادي عربا هو بالاساس ربح لهم. نحن نفترض بانهم سيكونون الى الابد متعلقين بنا لان جيشنا قوي جدا، وهم في وضع اقتصادي صعب ويعانون من ضائقة مياه. وحتى لو كانوا يؤيدون الفلسطينيين ويعربدون غضبا تجاهنا عندما نهاجم في غزة، فما الذي يمكنهم ان يفعلوه ردا على ذلك، فهل سيشنون حربا؟ 

وعندما يغضب الاسرائيلي حقا، فانه يذكر بتلك التسريبات، قبل سنوات عديدة، بان معلومات عن الموساد انقذت الملك الاردني من محاولة اغتيال (وبالتالي عليه أن يكون ممتنا وزبونا مخلصا لنا حتى نهاية حياته)، وبالطبع الحجة المعتادة، وبموجبها القصر الاردني يعمل في اتصالاته معنا انطلاقا من مصلحته، بمعنى انه من مصلحته فقط ان يبقي معنا على علاقات طيبة. الاردن بالفعل يعمل وفقا لمصلحته. هكذا تتصرف كل دول العالم.  ولا يزال توجد بادرات طيبة ليست ملزمة بان تقوم بها. مثلا ان تحافظ بتشدد عظيم على الحدود من تسلل خلايا القتل. فهي يمكنها أيضا ان تخفف يدها، طوعا ان اضطرارا. فماذا ستفعل اسرائيل ردا على ذلك، هل ستلغي اتفاق السلام؟ 

ان السيطرة على بوابات الحدود هي سلاح. اذا اردت فاستخدمته واذا اردت امتنعت. اردوغان جعل بوابات حدوده رافعة دبلوماسية. عندما اراد طالح الاسد سمح للمتطوعين من كل العالم الدخول الى سوريا والانضمام الى داعش. وعندما مورس عليه ضغط دولي، سد الحدود في وجوههم. فعندما رفضت اوروبا قبوله بصفوف الاتحاد، اغرقها باللاجئين الذين اجتازوا تركيا في طريقهم الى القارة الشبعة. 

الاردن لا يفتح الحدود الاسرائيلية امام المتسللين او باقي المجرمين الساعين الى اجتيازها. ولكن يمكنه ان يفعل ذلك بسهولة، وذلك فقط اذا ما سحب قواته العسكرية المنتشرة على طوله. هذه القوات توجد هناك بأمر وكنتيجة لنية طيبة. فقط اذا ما اختفت او خفت، فسنفهم اهميتها.