دون رفع سقف التوقعات، أو تجديد المراهنات على سياسة أميركية مختلفة في هذه المرحلة على الأقل، تلفت النظر التصريحات التي يدلي بها مسؤولون أميركيون بشأن ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتتجاوز حدود التحذير وتقديم النصائح للصديقة التي تخلص لها الولايات المتحدة دون أن تحظى بإخلاص أو احترام من قبل إسرائيل.
بعد التصريحات الضافية التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمر صبان قبل بضعة أيام، وأشار فيها إلى أن اتجاهات تطور السياسة الإسرائيلية تذهب باتجاه دولة واحدة ما يشكل خطراً على الديمقراطية، فضلاً عما ذكره، بشأن الاستيطان، والموقف من إمكانية انهيار أو حل السلطة، يخطو الرئيس باراك اوباما خطوة مهمة إلى الأمام.
الرئيس اوباما، لم يدل بتصريحات علنية للصحافة لكنه وهو الأهم قال لضيفه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين خلال لقائه به في البيت الأبيض الأربعاء الماضي، إن أميركا ستجد صعوبة في الدفاع عن إسرائيل في المؤسسات الدولية».
أوباما رسم أمام ضيفه صورة متشائمة لمكانة إسرائيل الدولية وأضاف: «في السنوات الثلاث الماضية كان جون كيري هو من صد العديد من المبادرات ضد إسرائيل في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية وكان أي كيري يتوجه لزعماء اوروبا طالباً فرصة بذريعة أنه يعمل على تحضير مبادرة سياسية، وبالتالي يطلب منهم عدم الإزعاج.
لولايات المتحدة تعترف صراحة بأنها قامت بدور الدرع السياسية أمام المؤسسات الدولية لحماية إسرائيل، رغم كل ما تنطوي عليه هذه الحماية من حرج، لم يعد بمقدورها تحمله لفترة أطول طالما استمرت إسرائيل في سياساتها. قد يقول البعض إن تصريحات اوباما وكيري، هي من باب إخلاء الذمّة، أو ربما تنطوي على أبعاد شخصية، بسبب كثرة الإهانات التي وجهتها إسرائيل للإدارة الديمقراطية، وان هذه التصريحات لا معنى لها عمليا، فيما الإدارة الأميركية الحالية تلملم أوراقها في سنة الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
مثل هذا الحكم أو التقييم قد ينطبق على حالة النظام العربي الرسمي، ولكن ليس على دولة مثل الولايات المتحدة، التي تستند فيها السياسات إلى آليات وقواعد العمل المؤسسي، ثم في كل الأحوال فإن الأمر يتصل بالحزب الديمقراطي، الذي إن فشل في الحصول على مقعد الرئاسة للمرة الثالثة على التوالي، فإنه سيظل قادراً على الفعل أو التأثير في السياسات العامة.
وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، وهي من خارج الإدارة الرسمية انضمت إلى التعبير بطريقة غير مباشرة عن انزعاجها من السياسة الإسرائيلية التي انخرطت في نقاش جدي حول احتمال انهيار أو حل السلطة الفلسطينية فقالت إن «بديل عباس هو تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، والعلم الأسود، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة، قد لا تستجيب لمحاولات إسرائيل تجنيد حليفتها في الضغط على السلطة الوطنية خلافاً لما تعودت عليه الإدارة الأميركية، حين كان كيري يزور المنطقة حاملاً بعض الأفكار، وفي الولايات المتحدة، وعلى خط آخر تثير الاشمئزاز تصريحات المرشح الضعيف عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، الذي دعا إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، ذلك أن مثل هذه التصريحات، فضلاً عن أنها تنطوي على رائحة عنصرية فإنها تشكل تواصلاً مع سياسات الجمهوريين في التحريض على الإسلام والمسلمين. وبغض النظر عما إذا كان ترامب سينجح أم سيفشل في الترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، فإنه لا يعكس مزاجاً شخصياً، مخالفاً لوقائع خطاب الجمهوريين، ما ينتظر ردوداً عملية من قبل الأنظمة العربية والإسلامية ومن قبل جماعات الإسلام السياسي التي يترتب عليها أن تعيد صياغة برامجها، وسياساتها ومواقفها إزاء السياسات والأدوار التي تقوم بها الولايات المتحدة. كلام الرئيس اوباما لضيفه ريفلين يلمح إلى أن الأوروبيين لديهم تقييمات ومواقف مبكرة، تختلف عن تقييمات الأميركيين إزاء السياسات الإسرائيلية والمسؤولية عن إفشال عملية السلام، وان الأوروبيين أكثر تفهماً من الأميركيين إزاء السياسة الفلسطينية. يؤكد ذلك سفير الاتحاد الأوروبي في تل أبيب لارس فوبورغ اندرسون، الذي قال: «إنه لا يجوز المقارنة بين ارهاب الدولة الإسلامية «داعش»، الذي تواجهه اوروبا، وبين عمليات الطعن التي يقوم بها الفلسطينيون، ما ينطوي على رد مباشر أو غير مباشر على تصريحات كيري الذي وصف هذه العمليات بالارهاب.
التحذيرات الأميركية والأوروبية لإسرائيل، قد لا تجد آذاناً صاغية، بعد أن أوغلت حكومتها المتطرفة في فرض مخططاتها التوسعية والتهويدية والاستيطانية وجرائمها ضد الفلسطينيين حتى بات الطريق إلى السلام مغلقاً ذلك أن هذه السياسة الإسرائيلية تتخذ طابعاً مؤسسياً عميقاً يتجاوز سلطة القرار السياسي إلى أدوات الفعل والتنفيذ.
لا يمكن تجاهل أمور من نوع أن مفتش عام الشرطة روني ألشيخ مستوطن، ورئيس الموساد يوسي كوهين مستوطن ورئيس الشاباك يورام كوهين، ينحدر من عائلة دينية وثلاثتهم يعتمرون القبعة الدينية، وكلهم مكلفون تنفيذ سياسات الحكومة المتطرفة. في كل الأحوال فإن ما صدر ويصدر عن الإدارة الأميركية، يعطي للفلسطينيين فرصة أفضل لتقييم الأوضاع، والتقدم نحو تقديم مبادرات سياسية مهمة في مجلس الأمن، كقرار إنهاء الاحتلال، وقرار إدانة الاستيطان وقرار طلب الحماية الدولية، وقرار تغيير مكانة دولة فلسطين إلى دولة كاملة العضوية، فضلاً عن التقدم نحو تغيير طبيعة السلطة ووظيفتها والتحلل من شروط أوسلو، التي أوغلت إسرائيل في نسفها.