عالقون بين زمانين

مُراقبون يُعلقون على حادثة إحراق سيارة للمستوطنين في رام الله ليلة أمس

حرق مركبة للمستوطنين برام الله
حجم الخط

رام الله - خاص وكالة خبر - مي أبو حسنين

كشفت حادثة إحراق الشباب الفلسطينيين ليلة أمس، سيارة للمستوطنين وسط مدينة رام الله وتسليم أجهزة الأمن الفلسطينية المستوطنين لقوات الاحتلال، أنهم عالقين بين زمانيين، الأول هو بداية انتفاضة الأقصى والثاني هو الراهن الذي غابت فيه مثل هذه المشاهد، حيث تعود الحادثة بالذاكرة إلى عام 2000 الذي دخل به جنديين "إسرائيليين" مدينة رام الله عن طريق الخطأ وجرى آنذاك قتلهم وكانت الندية في التعامل هي سيدة الموقف.

استباحة المناطق الفلسطينية

على الرغم من عنفوان الشبان وثورتهم في التعامل مع المستوطنين وإحراق مركبتهم وإرسال رسالة قوية للاحتلال ومستوطنيه، وحجم الخطر الذي يحدق بالشبان، إلا أنّ الغصة والحزن سيطرت على الفلسطينيين وهو ما أظهرته منشوراتهم عبر مواقع التواصل.

واللافت أنّها ليست المرة الأولي التي يدخل متطرفو "برسلان" وهم مستوطنون من التيار اليهودي المتزمت، إلى مناطق السلطة الفلسطينية المعروفة بالمناطق "أ"، فحسب اتفاقية أوسلو، قُسمت الأراضي الفلسطينية إلى ثلاثة تصنيفات وهي المناطق "أ" والتي تتضمن المراكز السكانية الفلسطينية الرئيسية تحت السيطرة الفلسطينية أمنياً وإداريًا وتبلغ مساحتها 18% من مساحة الضفة.

بينما تقع مناطق "ب" تحت السيطرة الإدارية الفلسطينية والسيطرة الأمنية لإسرائيل وتبلغ مساحتها 21% من مساحة الضفة الغربية، فيما تقع المناطق "سي" تحت السيطرة الإسرائيلية أمنيًا وإداريًا وتبلغ مساحتها 61% من مساحة الضفة الغربية.

ورغم انخراط منظمة التحرير الفلسطينية في عملية السلام مع إسرائيل عام 1993، وإنشاء السلطة الفلسطينية لتولي حكم أجزاء من الضفة وغزة وفقًا لاتفاقية أوسلو، واصلت إسرائيل انتهاكاتها ضد الأرض والإنسان، وعلى مدار 27 عاماً واصلت الاستيطان الذي قوَّض عمليًا إقامة دولة فلسطينية مترابطة.

فالاستيطان المخالف للقرارات والقانون الدولي، يُقوض أركان الضفة الغربية ويخرق مدنها وقراها ويقطع أوصالها، وتسيطر المستوطنات على 10 بالمئة من أراضي الضفة الغربية بينما تسيطر إسرائيل على 18% من أراضي الضفة لدواع أمنية، فيما يعزل جدار الفصل العنصري نحو 12% من أراضي الضفة.

عن طريق الخطأ

من جهته، استبعد المختص في الشأن الإسرائيلي، عليان الهندي، أنّ يكون دخول المستوطنين إلى وسط رام الله عن طريق القصد، بل بالخطأ نظراً لعدم وجود أماكن مقدسة لهم في رام الله، مُشيراً في ذات الوقت إلى عدم وجود أماكن مقدسة لليهود في كل فلسطين، بشهادة علماء الآثار "الإسرائيليين" أنفسهم.

وقال عليان في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ الشبان الفلسطينيين الذين يسقط معظمهم برصاص الاحتلال ومستوطنيه عند اقتحامهم للمدن في مناطق "أ"، لا يُفوتون أيّ فرصة للتعبير عن غضبهم من هذه الاقتحامات"، لافتاً إلى وجود 11 ألف سيارة وجيب عسكري محصن للاحتلال ضد الرصاص والقنابل اليدوية أثناء اقتحامهم للمدن الفلسطينية.

وبالحديث عن خيارات السلطة في التعامل مع المستوطنين الذين يدخلون المدن الفلسطينية، رأى الهندي، أنّ المطلوب هو تغيير الوظائف والأدوار والمهام، مُضيفاً: "يوجد اتفاقات معقدة وأيّ اعتقال للمستوطنين سيترتب عليه اقتحامات للمدن".

واستدرك: "لكن في حال كنت مكان السلطة سأتخذ قرار عدم التدخل؛ لأنّ مهمة السلطة حماية مواطنيها في القضايا الداخلية"؛ مُعتقداً في ذات الوقت أنَّ لدى السلطة خيارات متنوعة ومُؤذية لـ"إسرائيل".

وفي ختام حديثه، دعا الهندي، الشبان الفلسطينيين الذين شاركوا في حرق مركبة المستوطنين إلى عدم الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي ستكون مراقبة وبقوة من أجهزة أمن الاحتلال من أجل الانتقام منهم واعتقالهم.

عمل إرهابي

من جانبه، وصف الكاتب والمحلل السياسي، عماد عمر، اقتحام سيارة المستوطنين وسط مدينة رام الله بـ"العمل الإرهابي"، الذي لا يختلف في أهدافه عن اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، وآخره تدنيس الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، للحرم قبل يومين.

ورأى عمر، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنَّ الاحتلال ومستوطنيه، يبعثون رسالة للفلسطينيين والقيادة الفلسطينية، أنّه لا مكان آمن، وأنَّ كل المناطق الفلسطينية مُستباحة؛ مُردفاً: "لكّن تصدي الشبان الفلسطينيين بكل قوة وبسالة، يؤكد العقيدة الفلسطينية القائمة على الدفاع عن الأرض".

واستهجن تسليم الأمن الفلسطيني المستوطنين لقوات الاحتلال، كونه يُعبر من وجهة نظره عن التنسيق الأمني الحقيقي بين الأجهزة الأمنية والاحتلال، مُوضحاً أنّه يجب المقارنة ما بين تعامل الاحتلال مع دخول أيّ فلسطيني للأراضي المحتلة بالاعتقال والإعدام بدمٍ بارد، وبين تسليم أجهزة الأمن للمستوطنين بدون أي ردة فعل، وفق حديثه.

وتابع: "يجب المقارنة بين عهد الرئيس الراحل عرفات، عندما كانت المستوطنات في غزّة، ويجتاح الاحتلال مناطق القطاع، فكانت الأوامر واضحة بالتصدي لهذه الاقتحامات لمنع تكرارها، وبين العهد الحالي الذي يتم فيه تسليم المستوطنين بدون أي ردود فعل جدية".

وختم عمر، حديثه بالقول: "يجب إعادة الاعتبار للأجهزة الأمنية بالتعامل من منطلق الندية مع الاحتلال، وكذلك توفير الحماية للشبان الذين قاموا بحرق مركبة المستوطنين بالأمس، دفاعاً عن حقهم في أرضهم وعن كرامة أهلهم وربعهم في المدن الفلسطينية".