هآرتس – الجيش الإسرائيلي قتل اخاهم، وعندها إسرائيل عاقبتهم

0A4A0983-323E-4040-98A0-60987A26316C-e1608481804606.jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم  جدعون ليفي 

 

” فلسطينيان يفقدان شقيقهما الصغير الذي قتله جنود الجيش الاسرائيلي على سطح بيته. هذا مجرد كارثتهم الاولى. ففي اعقاب قتل الاخ تم سحب منهما، مثل كل العائلات الفلسطينية الثكلى، تصاريح العمل في اسرائيل. الآن هما عاطلين عن العمل وعائلاتهما في مخيم بلاطة للاجئين تنهار “.

عماد ولد في يوم الاثنين الماضي بعملية قيصرية في مستشفى رفيديا في نابلس. عماد سمي على اسم عمه الذي لن يلتقي معه في أي يوم. عماد حشاش الاصلي كان فتى عمره 15 سنة، صعد على سطح بيته، حسب اقوال شقيقه، من اجل مشاهدة ما يحدث على الشارع، بعد أن اقتحم جنود الجيش الاسرائيلي مخيم بلاطة، وهو المخيم الذي يعيش فيه، في ليلة 24 آب. عماد القى نظرة واصيب على الفور. احد الجنود الذي كان يقف في زاوية الزقاق وجه اليه بندقيته واطلق النار عليه من بعيد. الرصاصة اخترقت انفه وهشمت جمجمته وقسمتها الى قسمين. الفتى مات على الفور. 

هكذا بدأت سلسلة الآلام لعائلة اللاجئين هذه من مخيم بلاطة. مصير مشابه كان لآلاف العائلات الاخرى في الضفة. مصيبة قتل عماد كانت فقط هي الضربة الاولى التي اوقعتها اسرائيل بالعائلة. بعد ذلك جاء الحرمان الاوتوماتيكي الوحشي وغير الانساني لتصاريح العمل في اسرائيل لشقيقه الذي عمل طوال سنوات في مصنع في اسرائيل، والعائلة كلها انهارت اقتصاديا. اخ واحد، عبد الله، سيفقد شقته، والاخ الثاني عمر غير قادر على الحصول على الاموال من اجل تمويل العملية القيصرية التي اجريت لزوجته في هذا الاسبوع عند ولادة ابنه. كل ذلك اضافة الى وضع اللجوء الدائم في المخيم، الذي ربما يكون هو المخيم الاقسى في الضفة الغربية.

اكوام القمامة تتراكم في الازقة، ربما اكثر من أي مخيم آخر للاجئين. مشهد بلاطة هو مشهد غزي. من اجل الدخول الى بيت عائلة حشاش كان الامر يحتاج من والد العائلة خالد (50 سنة) أن يخلي الطريق بقدميه من اكياس القمامة المتراكمة. البيت هو بيت لاجئين نموذجي، مكتظ ومزدحم، مع محاولة يائسة تقريبا لتزيين الجدران والارضية بالبلاط الملون الرخيص، التي نور ساطع للنيون يضيء عليها. بناء البيت لم ينته في أي يوم كما يجب. السطح الذي قتل عليه عماد في الطابق الثالث نصف مبني. “في كل بيت هنا توجد قصة حزينة”، قال عبد الكريم السعدي، باحث “بتسيلم” الذي يرافقنا في المخيم.

داخل كآبة المنزل شوهدت الجدة عالية (85 سنة) وهي ترتدي فستان تقليدي مطرز وتمشي بمساعدة الـ “ووكر”. عالية ولدت في قرية الشيخ مؤنس. وعندما قلت لها بأنني اعيش في رمات افيف على انقاض قريتها، قال حفيدها عمر: “هذا هو مكانها”. بعد ثلاثة اشهر على قتل حفيدها هي ما تزال تبكي عليه وتنتحب بين حين وآخر. الكنة ربحية، أم عماد، توفيت في عمر 37 بسرطان المعدة. صورتها معلقة في الصالون والآن اضيفت اليها صور ابنها القتيل.

سبعة اولاد واربع بنات كان للزوجين، عماد كان الاصغر. الأب خالد يعمل منذ العام 1997 في القسم الصحي في بلدية نابلس كعامل نظافة بأجر ضئيل. العائلة اعتاشت بالاساس من عمل الولدين الكبيرين، عمر وعبد الله، في اسرائيل. عبد الله عمره 36 سنة وهو متزوج وأب لثلاثة اولاد وزوجته حامل. عمر عمره 23 سنة، متزوج. وبدءا من يوم الاثنين الماضي حالته الاجتماعية تغيرت واصبح أب لولدين. منذ ذلك الحين تم وقف عمل الاخوين في اسرائيل، عشية قتل عماد. وهما الآن عاطلين قسرا عن العمل.

الاثنان عملا في منجرة لتجميع المسطحات الخشبية التي يملكها ايلان مردخاي في المنطقة الصناعية في كفر قاسم. عبد الله عمل هناك في السنوات الاربعة الاخيرة وعمر في السنتين الاخيرتين. أجرتهما كانت 300 شيكل في اليوم وكانا ينامان في حاوية قرب المصنع ويعودان الى المنزل لقضاء نهاية الاسبوع. كان لهما تصاريح عمل تسمح لهم بعبور حاجز ايال كل اسبوع. بالاضافة الى ظروف عمل جيدة في ورشة منجرة مردخاي.

الجيش اقتحم مرة اخرى

عماد، شقيقهما، كان طالب في الصف التاسع، وشقيق آخر هو محمد (21 سنة) كان معه في ليلة 24 آب. محمد عمل لفترة كناس شوارع مقابل 50 شيكل في اليوم. وقد اعتقد أن هذا لم يكن أجرة عادلة، وبعد قتل شقيقه توقف عن العمل. الآن هو ايضا عاطل عن العمل.

عماد ومحمد يعيشان في نفس الغرفة. في تلك الليلة كانا مستيقظين، عندما اقتحم الجيش الاسرائيلي المخيم مرة اخرى مثلما يفعل بين حين وآخر. الجنود جاءوا لتنفيذ عملية اعتقالات اخرى، هذا ما جاء في البيانات الصوتية التي امتلأت بها الشبكات الاجتماعية. في الساعة الثالثة والنصف فجرا طلب محمد من عماد الذهاب الى البقالة التي توجد قرب البيت والمفتوحة دائما من اجل شراء السجائر. عند عودته من البقالة سارع عماد في الصعود على السطح لمشاهدة ما يحدث. ومن اجل تصوير فيلم بالهاتف المحمول ورفعه في الشبكات الاجتماعية في المخيم. محمد صعد في اعقابه. الجنود كانوا ينسحبون من المخيم بعد ان اعتقلوا المطلوب الذي جاءوا لاعتقاله. محمد قال انه في الزقاق لم يكن رشق للحجارة على الجنود، بل فقط كان ذلك في شوارع اخرى. في زاوية الزقاق بقي الجندي الاخير، كما يبدو من اجل التغطية على انسحاب الجنود. 

عماد نظر للتو من بيت الدرج وعلى الفور اطلق الجندي رصاصة واحدة على انفه. الجمجمة انقسمت الى قسمين، والدماغ سال في خزان المياه. محمد شاهد كل ذلك بعينيه. جارة سمعت مجندة وصلت في هذه الاثناء الى الزقاق وهي تقول للجندي الذي اطلق النار: “لقد قتلته”. الأب سمع صوت الرصاصة وهي في فراشه، وبسرعة عرف حجم الكارثة. الاخوان عمر وعبد الله كانا نائمين في الحاوية خاصتهما في كفر قاسم.

المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي قال في هذا الاسبوع للصحيفة: “طبقا للبيان الذي صدر في يوم الحادثة فانه في نهاية نشاط للجنود في 24 آب من اجل اعتقال مطلوب من مخيم بلاطة للاجئين في منطقة اللواء القطري شومرون، بدأ خرق عنيف للنظام تضمن رمي الطوب واشياء اخرى على الجنود من اسطح المباني القريبة من القوة. اثناء خرق النظام شخص عدد من الجنود مشبوه على سطح مبنى وهو يحمل بيديه جسم كبير حاول رميه على جندي كان يقف تحت المبنى. احد الجنود رد باطلاق النار وتم تشخيص حدوث اصابة”. هل من المعقول أن الجسم الكبير هو الهاتف المحمول؟ هذا لن نعرفه في أي يوم. 

عودة الى زمن الاصابة. محمد سارع في حمل جثة شقيقه على الدرج. احد الجنود الذين وصلوا في هذه الاثناء اطلق قنبلة غاز مسيل للدموع على مدخل البيت، والغاز انتشر في غرف البيت. ابناء العائلة حملوا عماد الى محافظة نابلس، وهناك انتظرته سيارة اسعاف اخذته الى مستشفى رفيديا. هناك لم يبق للاطباء سوى تقرير وفاته. بعض ابناء العائلة اتصلوا مع عمر وعبد الله في كفر قاسم وابلغوهم عما حدث. وقد سارعا لترك المكان وعادا الى نابلس. ولم يسمح لهما بعد ذلك بالعودة الى عملهما. جنازة شقيقهما جرت بعد الظهر في المخيم.

في نفس اليوم ابلغ الشباك اصحاب المنجرة التي كان عمر وعبد الله يعملان فيهما بأن تصاريح عملهما تم سحبها. لم يكلف احد نفسه عناء ابلاغهما ذلك. اصحاب المنجرة ابلغوا صهر عمر، الذي يعمل ايضا في المنجرة، وهو بدوره ابلغهما (تصريح عمل الصهر لم يتم سحبه). هذه العملية هي تقريبا اوتوماتيكية، في حالة قتل فلسطيني فان عائلته يتم عقابها وتصاريح عمل ابناء العائلة تسحب على الفور بدون تحديد زمن وبدون تفسير. 

المتحدثة بلسان وحدة منسق اعمال الحكومة في المناطق وجهت الصحيفة الى المتحدث بلسان الشباك. ولكنهم هناك لم يردوا على طلبنا حول الموضوع حتى ساعة اغلاق هذا العدد. 

الشقة ايضا في خطر

الآن يجلس اخوين في البيت وهما عاطلين عن العمل منذ اشهر. “يجب علينا اعالة العائلات. لدينا التزامات تجاهها”، قال عمر، وهو شاب قوي الجسم وله ابتسامة خجولة. عبد الله اشترى قبل اشهر شقة جديدة خارج المخيم في محاولة لبناء حياته بشكل معين خارج دائرة الفقر واللجوء، في ضاحية من ضواحي نابلس قرب مخيم عسكر. سعر الشقة 255 ألف شيكل. عبد الله دفع 80 الف شيكل وحصل على قرض للاسكان لتسديد الباقي. يجب عليه كل شهر دفع اربعة آلاف شيكل الى حين استكمال ثمن الشقة. حسب العقد اذا لم يدفع مدة ثلاثة اشهر متتالية فانه سيفقد حقه في الشقة، وحتى سيفقد الاموال التي دفعها.

منذ الغاء تصريح العمل عبد الله ينشغل بالتسول وجمع الصدقات والاستدانة من ابناء العائلة والجيران والاصدقاء كي يفي بالتزامات الدفع حتى لا يفقد الشقة ويفقد عالمه. في هذا الاسبوع ولد ابن عمر، عماد. الأم رزان (21 سنة) اجريت لها عملية قيسرية. لم يكن للعائلة تأمين صحي. والآن بطاقة هوية عمر توجد كضمانة في مكاتب مستشفى رفيديا الى حين جلب 2000 شيكل التي لا تتوفر لديه من اجل تمويل العملية. ايضا هو يتسول ويطلب القروض والصدقات. بدون بطاقة هوية حياة الفلسطيني في المناطق ليست حياة. في هذه الاثناء هو يحتفظ بصورة عن بطاقة الهوية في هاتفه، لكن حتى الآن لم يولد الجندي الموجود على الحاجز الذي سيكتفي بصورة بطاقة هوية لفلسطيني بدون مرافقة الاصل لها. تيئيس.