هآرتس – عمى الالوان لدى جدعون ليفي

حجم الخط

هآرتس – بقلم  شلومو افنري

 

” الاساس في تقييم الشخصيات السياسية هو سياستها وافعالها وليس صفاتها الشخصية “.

أنا اعترف بأنني لم اتفاجأ من روح الاقوال التي جاءت في مقال جدعون ليفي، التي يصف يها مشاعره تجاه بنيامين نتنياهو في احتفال عيد ميلاد زوجته سارة. كل واحد وذوقه: هذا أمر طبيعي، أن يكون شخص مثقف واعلامي له تقدير مثل ليفي (الحائز على جائزة سوكولوف)، أن يكون لامبال بالمؤهلات الفكرية والاعلامية لنتنياهو وقدرته على الاقناع.

لكن حول مقولة واحدة لليفي، التي هي سياسية في اساسها، لا يمكن المرور مر الكرام. فقد كتب بأنه فيما يتعلق بالاحتلال لا يوجد فرق بين نتنياهو وجميع رؤساء الحكومات الذين شغلوا هذا المنصب قبله أو بعده. وقد كرر هذه الاقوال مؤخرا بصورة مؤكدة أكثر في مقابلة مع نير كونتيز (“هآرتس”، 24/11).

لقد قال ليفي بأن الاحتلال هو القضية الاساسية التي ستقرر مصير اسرائيل. واعلن بأن نظرة نتنياهو للاحتلال “لا تختلف بأي شيء عن نظرة شمعون بيرس واسحق رابين المشينة، ابطال السلام”. حسب رأيه، لا يوجد فرق بينهم في أنهم “جميعا يؤمنون بتخليد الاحتلال. ولا أحد منهم يريد انهاءه”.

هذا ببساطة غير صحيح من ناحية الواقع. فالحديث لا يدور عن تقدير شخصي لشخصية نتنياهو، بل عن تشويه وتزوير تاريخي. مثلما لكثيرين آخرين ايضا لي كان هناك انتقاد لسياسة بيرس ورابين. ولكن المقارنة بين  مقاربة نتنياهو لمستقبل المناطق والفلسطينيين وبين مواقف بيرس ورابين فهذا ببساطة كذب. لا توجد لدي أي كلمة مؤدبة اكثر.

قبل أن يترسخ هذا الادعاء في الوعي من المهم أن اذكر من نسي بأن بيرس ورابين قاما باجراء المفاوضات مع الفلسطينيين بهدف انهاء سيطرة اسرائيل على المناطق. ولو أن المفاوضات نجحت لكانت ستؤدي الى اقامة دولة فلسطينية بجانب اسرائيل. ليفي لا يذكر جهود باراك واولمرت، هما ايضا حاولا، كل بطريقته، تحقيق هدف مشابه عن طريق المفاوضات. لقد فشلوا، لكن نتنياهو لم يكن معني بالمفاوضات في أي يوم، وقد فعل كل ما في استطاعته لافشالها لأن هدف كان وما يزال استمرار السيطرة على كل ارض اسرائيل التاريخية. وقد كانت هناك اسباب معقدة للاخفاقات، وربما أنه كان يمكن اجراء المفاوضات بصورة مختلفة. ولكن الادعاء بأنه لم يكن هناك أي فرق بين من حاول انهاء الاحتلال وفشل وبين من فعل ويفعل كل ما في استطاعته من اجل أن لا تكون مثل هذه المفاوضات، واذا جرت كان سيفشلها. هذا طرح خاطيء.

احد رؤساء الحكومة قتل لأنه قام باجراء مفاوضات مع الفلسطينيين لانهاء الاحتلال. في نهاية المطاف رابين لم يقتل لأنه لم يكن “أي فرق بين مواقفه ومواقف نتنياهو”. بيرس ورابين وقعا على اتفاق اوسلو، نتنياهو شبهه باتفاق ميونيخ. ليفي يخفي الخلاف الايديولوجي والاخلاقي العميق الذي يهز المجتمع الاسرائيلي منذ خمسين سنة تقريبا، وحوله جرت معظم الجولات الانتخابية منذ 1967.

الاساس ليس الصفات الشخصية لنتنياهو بل سياسته. هل من المسموح تقديم مثال. لا شك أنه باتساع افقه وقدرته على التاثير وشخصيته الآسرة كان دافيد بن غوريون نوع آخر مختلف عن وريثه ليفي اشكول. ولكن ربما ليس صدفيا أنه في الخلاف بين الاثنين في اعقاب ما سمي بقضية لافون، وجد الكثير من المثقفين الذين أيدوا اشكول، من بينهم نتان روتنشترايخ ويعقوب تلمان ويهوشع اريئيلي واورئيل طال ودان هوروفيتش واسرائيل كولات، وبالمناسبة، كاتب هذا المقال ايضا. وذلك لأنهم كانوا يخافون من الحسم والاستقامة التي رافقت القدرة الرائعة لبن غوريون في مواجهة ما كان ينظر اليه على أنه رمادية اشكول. نعم، اشكول لم يكن خطيب لامع، لكن في نهاية المطاف هو الذي قام بالغاء الحكم العسكري على عرب اسرائيل. مع ذلك، بكونه رئيس الحكومة ووزير الدفاع فقد أحسن اعداد الجيش للانتصار في حرب الايام الستة.

من يريد اكثر من ذلك ربما يمكنه الاستناد الى قصة التوراة التي تقول بالتحديد إن النبي موسى الذي كان ثقيل اللسان اختير لقيادة بني اسرائيل، وليس اخيه هارون الذي كان متفوها ومتحدثا لامعا. ولكن هارون بالذات هو الذي انجر وراء الشعب واشرف على صناعة عجل الذهب، في حين أن موسى كما يبدو كان مشغول مع الله في جبل سيناء على الصياغة النهائية للوصايا العشر. 

كما قلنا، النظر الى الصفات الشخصية لزعيم سياسي هو مسألة ذوق وميل نفسي وتفضيل شخصي. ما يجب أن يقرر هو السياسة والافعال. من المحظور على عمى الالوان أن يطمس الفوارق الجوهرية في السياسة والايديولوجيا. حول هذا يجب أن يتركز النقاش السياسي وليس على الصفات الشخصية التي تساهم فقط في تسطيح الخطاب العام. السؤال ليس مع من تفضل أن تعلق في جزيرة معزولة (أو التحدث على فنجان قهوة)، هذا غباء. السؤال هو في يد من تفضل أن تضع مصيرك ومصير الشعب ومصير الدولة. هذا هو الاساس، يا عزيزي جدعون.