شهر ديسمبر ، هو الشهر الذي يحتض ذكرى العديد من الأحزاب السياسية والمؤثرة في الشعب الفلسطيني ، ففي غرته انطلاقة الجبهة الشعبية، وفي أوسطه انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ، وفي نهايته انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح ".. هو شهر الانطلاقات و المهرجانات .. يكثر فيه الاحتفالات التنظيمية ، كُل احتفال يتفوق على الاخر جماهيرياً و شعبياً
لن يختلف إتنان على تراجع دور هذه الفصائل في صعيد الإنجاز الوطني بالمقارنة مع ما قبل عشر سنوات من الآن ، فمنذ أعوام الانقسام ، كانت هذه الأحزاب ذات الوزن والتأثير على الشعب هي السبب في الأزمات التي يعاني منها الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه ، ولو نظرنا حتى الى الحصار لأرجعنا السبب إلى الانقسام وانحراف بوصلة هذه الأحزاب عن السبب الأساس لتشكيلها .
احتفال الانطلاقة بات روتين مزيف وتراجع الاقبال عليها
ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. هاني العقاد ، أن الأحزاب السياسية تستخدم هذه الاحتفالات لإعادة شحذ همم جماهيرية وتجديد طاقاتهم، ولكن في الحقيقة فإن تجديد الطاقات لا يأتي عبر هذه المهرجانات ، مضيفاً أننا نتمنى أن تتفهم هذه الأحزاب أن هذه الاحتفالات قد باتت مجرد إجراء روتيني عادي وقد انكشف للجماهير.
و يوافقه في الرأي الناشط الشبابي طارق الفرا فيقول أن ذكرى الانطلاقة يعتبر شيء روتيني ومقدس عند بعض الفصائل وعبارة عن لملمة اوراق او عملية للدعوة الجماهرية من جديد واستنهاض المؤيدين والمناصرين واعضاء الحزب.
ويعتقد الفرا ان بعض الفصائل تحاول من خلال مهرجاناتها عمل قدسية لتوضح أن بداية وجودها وذكرى انطلاقها هو بداية العمل ضد الاحتلال وهذا بكل الاحوال مرفوض لان انطلاقة الفصائل سبقها وجود مجموعات كبيرة من المناضلين في تاريخ الثورة.
ويعتبر العقاد أن الانطلاقات ليست مقياساً لكن هناك علاقة وثيقة بين الانطلاقات والحشد الجماهيري حيث تطلب الفصائل من جماهيرها الاحتشاد لتظهر وزنها الجماهيري وعبر هذا الوزن تريد أن تقول أن لها كلمة في الموضوع السياسي والاستحقاقات القادمة ، لافتاً إلى أنه في الحقيقة فإن الفصائل لم تنزل لمستوى طموح الشباب ، وقد باتت تبحث عن نفسها وكوادرها ولم تبحث عن حاجات الشباب الوطنية على الرغم من أن الحاجات الوطنية أكبر بكثير من الطموح الفصائلي الحزبي .
أما عن الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو ،فهو يرى أنه لا نستطيع ان نحكم من خلال الاحتفال بالانطلاقة من عدمه على دور الفصائل، وبرأيه أن الفصائل ما زالت فاعلة في الحالة الفلسطينية ، وهي من تتحمل أعباء المواجهة مع المشروع الصهيوني، مضيفاً أن من يقدم الشهداء والجرحى هم في معظمهم من الفصائل.
وفي سياق تراجع الاقبال على المهرجانات الفصائلية ، أرجع عبدو ذلك إلى تراجع الاعتناء باحتفال الانطلاقة وهذا له علاقة في الحصار وتراجع الموارد المالية لمعظم الفصائل، لافتاً إلى أنه في مثل هذا التوقيت كانت الاحتفالات تكون اكثر بكثير، وكانت تجعل الفصائل من يوم الانطلاقة يوماً تحشد إليه منذ وقت مبكر وطويل لترسل رسالة من خلال هذا الحشد أنها ما زالت تتمتع بالقوة الكافية، لكن الموارد المالية أصبح لها ضرورة في ملفات أخرى وأولى .
وأشار عبدو إلى أنه لا يجوز أن نقلل من قدر الفصائل تجاه مواجهة المحتل على صعيد فتح او حماس او الجهاد والجبهة مشيراً إلى أن الشعب الفلسطيني لم ينجز مشروعه الوطني وهو بحاجة لحركات تجمع القدرات وتدفعها بوجه الاحتلال.
الهبة الشعبية ترجمة لاهتزاز ثقة الشباب في الفصائل
وعن الهبة الشعبية وتراجع دور الأحزاب في المشاركة فيها ، يرى العقاد أن اخطر ما يهدد الانتفاضة هو استمرار الانقسام قائلاً : " يجب على المنقسمين الا يتستروا خلف شعارات الانتفاضة واذا كنتم تؤيدون الانتفاضة عليكم نسيان كافة اختلافاتكم والعودة لحضن الوحدة الوطنية وان تقولوا انكم خلفنا وتحمون ظهورنا."
وأشار إلى أن " التاريخ سيسجل بالحرف من دعم الانتفاضة ومن دعم هؤلاء الشباب و من أصرّ على الانقسام ومن أراد أن يُسقط هذه الانتفاضة ومن استخدم الشعارات الفارغة ليقول انا مع الانتفاضة مع انه يصر على ان يبقى منقسماً" .
أما عن الفرا ، فإنه يرى أن الجيل الجديد ما بعد اوسلو لا يؤمن بأي فصيل موجود وقد اكتشف زيف هذه الفصائل والمشاكل التي اوصلتنا اليه ، و الهبة الجماهيرية في الضفة الغربية نتجت من الوعي لدى شباب الجامعات خاصة في ظل ما اوصلتنا إليه الفصائل الفلسطينية من اقتناع أن هذه المرحلة معقدة وان هذه الأحزاب ليست الوسيلة في الوقت الحالي لاستنهاض القضية لفلسطينية في مواجهة الاحتلال الصهيوني، مضيفاً أنه يجب على الشباب من داخل هذه الفصائل نفسها أن تقول لهم كفى، ويقاطعون من طرفهم ظاهرة الانطلاقة تعبيراً منهم عن سخطهم تجاه ما يحدث .
ويوافقهم الرأي عبدو حيث يؤكد أن الشباب كان دائما هو وقود كل المراحل السابقة وليست فقط هذه الهبة وهو الذي يقدم الدم و الضريبة الاكبر من ابناء الشعب الفلسطيني، مضيفاً أن الهبة الشعبية هي فردية وغير منظمة لكن علينا ندرك ان السبب الاساسي هو العجز الرسمي في مواجهة الاحتلال ، موضحاً أنه عندما يريد الاحتلال ان يهود كامل القدس ويستولي على كامل الضفة الغربية و لو كانت القوى الفصائلية قادرة على وقف المشروع الاسرائيلي لما كانت هذه الانتفاضة، لكن العجز لدى الاحزاب في مواجهة هذا المشروع دفع الشباب إلى هذه الانتفاضة.
ويقول العقاد أن الانتفاضة ارسلت رسائل قوية يجب ان يفهمها الجميع - السياسيون والمراقبون والفصائل- مفادها أن اتركونا نعمل ما بوسعنا، فقد جربانكم عشرات السنوات، جربونا ولو سنة لنثبت اننا قادرون على تغيير منهج الاحتلال، وأننا قادرون على أن نسقط الانقسام والاحتلال واعادة البوصلة الى مسارها الطبيعي.
من المعروف أن هذه الفصائل جميعها قد تشكلت لأهداف المقاومة و التحرر، وأن كُلها مجرد سبيل للوصول إلى فلسطين المحررة، ولكن حينما ينحرف هذا الغرض –الذي وجدت من أجله – فسيكون حينها موجباً على الشباب أن يقوموا بأنفسهم بإعادة البوصلة إلى مسارها الحقيقي.