لم اتردد في تلبية دعوة ابن أخي الصغير لمشاهدة مباراة الهوكي التي تأتي ضمن النشاط الذي ينظمه المركز المجتمعي للحي الذي يقيم فيه، وكوني لا أجيد شيئاً من قواعد اللعبة رحت أرصد سلوك الأطفال في لعبة تتسم بشيء من الخشونة، في صالة مغلقة تصل فيها درجة الحرارة إلى درجة التجمد، دخل الأطفال في الموعد المحدد دون زيادة أو نقصان إلى الملعب وهم يرتدون الزي الخاص باللعبة، مؤكد أنهم أرادوا للأطفال أن يحترموا قيمة الوقت، لم تمنع درجة الحرارة المتدنية حضور بعض الأهل رغم أن توقيت المباراة جاء بعد قليل من إنتهاء يوم عمل يمتد حتى غروب الشمس.
تبادل الأطفال التحية على طريقتهم الخاصة فيما اتخذ الحكام الذين تجاوزوا العقد الخامس من العمر أماكنهم، لا أحد يستنكر عليهم هذا الانخراط مع اطفال هم بعمر أحفادهم، والدولة لا تدخر جهداً في توفير البنية التحتية لرياضة الأطفال، ليس لديهم من يرفض توجيه الدعم لتطوير البنية التحتية الرياضية على إعتبار أن "الطبه" هي خارج دائرة الاهتمام، يرتفع تشجيع الأهل لأطفالهم وهم يسيرون على الجليد برشاقة تفوق ما يتمتع به راقص الباليه، يقع أحدهم على الجليد بعد تصادم مع زميل له، يتوقف الجميع وكل منهم يأخذ ذات التموضع بين الوقوف والجلوس تضامناً معه، وما أن يقف زميلهم حتى يضرب الأطفال بعصيهم الجليد تعبيراً عن فرحهم بسلامته، مؤكد أن سلوك الأطفال هذا ليس له علاقة بقواعد اللعبة بل يأتي ضمن المنهاج التربوي لغرس ثقافة الحرص على الآخر.
توقفت المباراة حين ارتكب أحد الأطفال مخالفة تتسم بخشونة تفوق المعتادة، توجه الطفل صاحب المخالفة إلى قفص اشبه بذلك الذي يقف فيه المتهم في قاعة المحكمة، حيث يتم استبعاد الطفل لفترة زمنية يحددها حكم المباراة، لعلهم أرادوا بهذا الشكل من العقاب أن يولدوا لدى الطفل مفهوم احترام القانون وأن مخالفته يترتب عليه عقاباً يتحمل صاحبه تبعاته دون سواه، فيما تنعكس نتيجته على الفريق، لا يدعي أي منهم أنه صاحب النصر، فالنصر محصلة عمل جمعي لا يمكن أن ينفرد به أحد مهما بلغت قدراته الابداعية، انتهت المباراة دون أن تنعكس نتيجتها على سلوك الأطفال، اصطفوا لتبادل التحية من جديد والابتسامه لديهم تسبق الكلام.
شغب الملاعب لا تحكمه القوة التي نستعين بها عند كل مباراة، بل يتم ضبطها مبكراً بمنهجية تربوية يتم تغذيتها في مرحلة الطفولة، حيث التربية منظومة متكاملة لا تختص بها جهة دون الأخرى، تشارك بها الأسرة والشارع والمدرسة والمؤسسة وصولاً إلى الدولة الناظم لها، المهم أن مباراة الهوكي بقدر ما حملت من دروس تربوية بقدر ما حفرت جرحاً غائراً في النفس بحجم قصورنا تجاه أطفالنا، فما بتنا نعيش في كنفه لا علاقة له بإحتياجات فئات مجتمعنا المختلفة، ولا في معالجة المشاكل التي تضرب أطنابها في مكونات المجتمع كافة، بل في مساحة المناكفة المقيته التي بتنا نهرب إليها من قصورنا وفشلنا وعجزنا، لا أحد منا بإستطاعته أن ينأى بنفسه بعيداً عن تحمل تبعات ما بتنا فيه، والاجدر بكل منا أن يتحمل مسؤولياته عوضاً عن الغوص في مستنقع المناكفة وإتهام الاخر.