الخيانة كخاتمة للمشهد الأخير..!!

حسن خضر.jpg
حجم الخط

بقلم: حسن خضر

نتوقف اليوم، قليلاً، عند كتاب "خيانة: آخر فصل في عرض ترامب" لجونثان كارل (16/11/2021) وهو أحدث ما صدر، حتى الآن، عن أيام ترامب الأخيرة في البيت الأبيض. يستمد الكتاب أهميته من وجود صاحبه في قلب الأحداث التي يكتب عنها، وقربه من الشخصيات التي صنعتها، وإن كان لا يمثل تاريخاً، بالمعنى المهني والتقني للكلمة، إلا أنه يتجلى كشهادة لن يتمكن مؤرخو المستقبل من تجاهلها، كما هو الشأن مع شهادات بوب وودورد، ومايكل وولف، وياسمين أبو طالب.
صاحب الكتاب اسم لامع في الصحافة الأميركية، قدّم برامج تلفزيونية، وعمل رئيساً لجمعية مراسلي البيت الأبيض، وغطى البيت وقاطنيه قرابة عقدين من الزمن، كما غطى الحملة الانتخابية لدونالد ترامب في العام 2016، وشهد عليها في كتاب بعنوان "مقعد في الصف الأمامي في عرض ترامب". ولنلاحظ أن كلمة "عرض" في عنوانَي الكتابين تحمل دلالة الفرجة، وأنه لا غنى عنها في فهم الظاهرة الترامبية.
أُكررُ العودة إلى الظاهرة الترامبية من وقت إلى آخر، وما يصدر عنها من شهادات. وإذا كان ثمة ما يستدعي التفسير، فإن منشأ الاهتمام مصدره أن ما حدث في الشرق الأوسط على مدار السنوات الأربع الماضية لن يكون مفهوماً دون فهم الظاهرة الترامبية، لا في ما تركت من آثار كارثية على السياسة الخارجية الأميركية في أماكن مختلفة من العالم وحسب، ولكن في ما تجلى منها وتركت من آثار كارثية على حاضر ومستقبل الولايات المتحدة، أيضاً.
وثمة مسألة شخصية (وعامة، أيضاً). لن تتجلى حقيقة "السلام الإبراهيمي"، أو حقيقته الغائبة والمُغيّبة، بطريقة كافية، كما أعتقد، ما لم يتضح ما انطوت عليه الظاهرة الترامبية من خطورة ووضاعة في بلد المنشأ، أي في سياقها الأميركي نفسه.
وبما أن أحداً في الشرق الأوسط، لا يشهد عن، وعلى، شخصيات عرفها، وأحداث عايشها، عن قرب بصدق ونيّة صافية (إلا إذا قرر الانتحار) فربما لن يعرف العرب، قبل مرور عقود طويلة، حقيقة ما حدث، وراء الستار، حين وُضعت فلسطين، شعباً وقضية، على الطاولة، في مطبخ "السلام الإبراهيمي". لذا، نتخيّل، ونكتفي بوسيلة الإيضاح الترامبية في المرآة الأميركية.
ولنلاحظ، من البداية (وهذا جانب رئيس في صناعة وسوق النشر الأميركية) أن صاحب كل كتاب ينزل السوق يسعى للفوز بسبق من نوع ما، والانفراد بأخبار ووقائع لم يذكرها سابقوه. وبهذا المعنى، لا يضيف كارل جديداً، ولكنه يعزز ما لدى سابقيه بوقائع جديدة لا تقل أهمية عن السبق الأصلي نفسه.
فمحاولة الانقلاب، التي احتلت مكانة مركزية في كتاب مايكل وولف، مثلاً، تجد لدى كارل ما يعززها بوقائع جديدة أهمها: التعيينات التي أجراها ترامب في البنتاغون، خاصة في صفوف القيادات الوسطى، وعلى "أمل" أن يتذكر هؤلاء الجميل في الوقت المناسب، وقد اتصل مايكل فلن (مستشار الأمن القومي السابق لترامب)، بأحد هؤلاء عندما "حانت الساعة"، ولكن الأخير لم يستجب، وأبلغ عن اتصال.
وثمة حادثة عجيبة، فعلاً (تليق بجمهوريات الموز لا بدولة عظمى) فثمة محامية معتوهة تُدعى سيدني باول (برزت إلى جانب جولياني وفلِن كأحد أركان المحاولة الانقلابية) اتصلت بالشخص الذي سبق واتصل به فلِن، في البنتاغون، وطلبت منه إعداد فريق عمليات خاصة، والذهاب فوراً إلى ألمانيا، لاعتقال رئيسة وكالة الاستخبارات المركزية، التي أصيبت في محاولة للاستيلاء على كومبيوتر خاص (سيرفر) تولى تزييف الانتخابات عن بعد لصالح بايدن.
ثمة، أيضاً، ما أورده كارل من وقائع وثيقة الصلة "بتصفية" أعداد كبيرة من كبار الموظفين في البيت الأبيض، وإدارات فيدرالية مختلفة، ممن يرتاب أنصار ترامب في ولائهم له بالمعنى الشخصي للكلمة. ويتضح مما يرد من وقائع أن ترامب عيّن مساعداً لم يتجاوز الثلاثين من العمر في منصب إداري يخوّل، "الولد" (التسمية في الكتاب، أيضاً) وفريقه، استدعاء كبار موظفي الحكومة الفيدرالية، و"التحقيق" معهم، والاستغناء عن خدماتهم إذا لم تكن ردودهم على أسئلة ساذجة مُقنعة أو كافية.
وربما كانت الواقعة الأخطر (استفاضت أجهزة الإعلام الأميركية في الكلام عنها قبيل صدور الكتاب) وثيقة الصلة بموظف في وزارة العدل وعده ترامب بمنصب المدعي العام، بعد الإطاحة بالمدعي العام وليام بار (الذي رفض التحقيق في نتائج الانتخابات، وقال: إنها كانت سليمة). وقد وضع الموظف المذكور خطة من عدة نقاط لقلب نتيجة الانتخابات. ولكن كبار موظفي وزارة العدل هددوا بالاستقالة الجماعية احتجاجاً على تعيين الموظّف المذكور.
وبهذه الطريقة، فشلت محاولة كانت تنطوي على تداعيات كارثية وعواقب قانونية بعيدة المدى على مستقبل الديمقراطية واتحاد الولايات. ومن الجدير ذكره، في هذا السياق، أن الموظف المذكور يتعرّض للمساءلة، في الوقت الحالي، من جانب اللجنة الخاصة، التي شكلها الكونغرس، للتحقيق في أحداث يوم الهجوم على الكابيتول هِل في مطلع العام الحالي.
ولا بأس، بعد هذا كله، من الكلام عن حادثة يوردها كارل عن متدرّب سعودي أطلق النار، وقتل ثلاثة أميركيين في قاعدة للبحرية الأميركية. وقعت الحادثة في أواخر العام 2019، وصنّفتها وزارة العدل كحادثة إرهابية. المدعي العام، وليام بار، أخبر ترامب بالحادثة في حينها، قائلاً: إن الشرطة تبحث عن عشرين شخصاً آخرين. طلب ترامب من بار التأكد ما إذا كانت الحادثة جزءاً من مؤامرة تضم آخرين. قال: "إذا ثبت ذلك، سأطلب من السعوديين أن يدفعوا".
نستكمل الكلام في معالجة لاحقة عن الخيانة، كما يعتقد كارل، كخاتمة للمشهد الأخير في العرض الترامبي.