ما يزيد عن سبعة عقود مضت على صدود القرار الاممي الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين الي ديارهم ، حيث اصدرت الجمعية العامة للأممالمتحدة في الحادي عشر من كانون الاول عام ١٩٤٨ قرارها المعروف رقم 194 وقد جاء هذا القرار في أعقاب النكبة الكبرى التي حلت بشعبنا الفلسطيني على ايدي العصابات الصهيونية وحولت غالبيته الى لاجئين تناثروا في مختلف بقاع العالم، ورغم مرور هذه العقود السبعة ما زال شعبنا يتمسك بما اكده له هذا القرار من حقٍ للعودة، معتبراً اياه سنداً قانونياً وسلاحاً ينافح به لتحقيق أمل العودة الذي طال انتظاره، وقد نصت الفقرة الحادية عشرة من القرار المذكور على التالي “أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تُقرر وجوب السماح “في أقرب وقت ممكن” للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة وعن كل مفقود أو مصاب بضر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي، والإنصاف أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسئولة”.
إن ما حمله هذا النص من وضوح بَين يعتبر الأساس القانوني لحق العودة بالإضافة الى كونه تأكيد للحق التاريخي الذي يستند له كل الشعب الفلسطيني في الإصرار المشروع على التمسك بحق العودة إلى الديار التي شردَ منها مئات الالاف من اللاجئين الفلسطينيين عام1948، واليوم بعد مضي اعوام ثلاث سنوات وسبعة عقود على صدور هذا القرار ورغم تهرب دولة الاحتلال من تنفيذه الا أنه ما زال يشكل الاساس القانوني لحل قضية اللاجئين التي مثلت وما تزال جوهر القضية الفلسطينية وقد أثبتت الأحداث والوقائع أن أي حل أو مشروع حاول القفز عنها متجاوزاً لحق العودة وفقا لما حدده القرار المذكور كان مصيره الفشل وسقطت عشرات مشاريع تصفية قضية اللاجئين، وبقي حق العودة حاضراً يتصدر جدول الاهتمامات الشعبية والرسمية الفلسطينية والعربية بل والعالمية، وقد ادرك الجميع انه بدون حلها حلاً عادلاً مقبولاً لأصحابها سيبقى العدل ناقصاً والسلام مفقوداً والامن والاستقرار في مهب الريح .
القرار ١٩٤ الذي صدر في اعقاب النكبة مثل محاولة أممية في حينه لإعادة الحق لأصحابه وأن يعيد أصحاب الأرض إلى أرضهم التي طردوا منها وقد جاء ذلك بناءً على توصية وسيط الأمم المتحدة الكونت برنادوت الذي دفع حياته على أيدي العصابات الصهيونية ثمناً لتوصيته التي تضمنها تقريره بتاريخ 28/6/1948 وجاء فيها “ليس هناك من حل عادل وشامل للصراع إذا لم يراع حق اللاجئين العرب في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها واستطرد في توصيته قائلاً “انه من التطاول والاستهانة بجميع مبادئ العدالة الإنسانية ان يحرم هؤلاء الأبرياء ضحايا الصراع من حقهم في العودة إلى منازلهم بينما يواصل اليهود من مختلف دول العالم الحلول مكانهم “.
القرار المذكور لم يكتف فقط بالتركيز على حق العودة بل تضمن البند الثالث منه فقرة خاصة أنشئت الأمم المتحدة بموجبها لجنة التوفيق الدولية وأناطت بها مهمة تسهيل إعادة اللاجئين إلى ديارهم وهو ما تصر الحكومة الإسرائيلية على رفضه حتى يومنا هذا امعاناً في تنكرها للشرعية الدولية وقراراتها، وتعزيزاً لهذا الحق تابعت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراتها المؤيدة لحق اللاجئين في العودة فأصدرت قرارها 394 بتاريخ 14/12/1950 المؤيد لحق العودة كما أيدته اتفاقية جنيف حول حقوق اللاجئين لعام 1951 وجرى التأكيد عليه أيضاً في القرار 1191 الصادر بتاريخ 13/12/1957 والقرار 535 عام 1965 وكذلك في القرارين 3628 و2672 عام 1970.
إن القرار 194 يعتبر من أكثر قرارات الشرعية الدولية الداعمة لشرعية المطالبة بحق العودة وضوحاً، ومن هنا تكمن أهمية ابرازه واستمرار التمسك به خاصة وأنه يطرح قضية العودة كأساس وغير ذلك استثناء كما انه يحدد بوضوح لا لبس فيه المكان الذي يحق للاجئين العودة إليه بالضبط …. إلى بيوتهم … وديارهم التي شردوا منها، كما يؤكد بكل دقة أن العودة تكون بناءً على الخيار الشخصي لكل لاجئ وهي بذلك حق شخصي للاجئ نفسه لا يملك أحدا التنازل عنه، كما وحدد القرار موضوع الحديث بشكل واضح الإطار الزمني لعودة اللاجئين وهي “أقرب وقت عملي” ولم يربط تنفيذ ذلك بالتوقيع على اتفاقية سلام نهائية.
كما انه يفرض على إسرائيل التزاماً دوليا يتمثل بأن تسمح بعودة اللاجئين إلى بيوتهم و ديارهم وعليها أن توفر الظروف المواتية لعودتهم وتأمين حمايتهم ، ويكتسب هذا القرار ايضاً أهمية بالغة تتمثل في التأكيد على حق عودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم دون تجزئة بأي شكل من الإشكال وبما يحمله هذا القرار من وضوح فانه يقطع الطريق على كل محاولات تجزئة حق العودة او تحديد اماكن لعودتهم .كما ان تركيز القرار 194 على قضية حق العودة لا يعني إغفال حق اللاجئين في التعويض إلى جانب حق العودة ولكنني هنا وددت التركيز على ما يحمله القرار من تأكيد وقوة لحق العودة ، وبذلك فإنها دعوة متجددة لتعزيز التمسك بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين طبقا للقرار 194 الامر الذي يتطلب تسليط الضوء عليه وإعادة الاعتبار له فلسطينيا قبل كل شيء والعمل على حشد الطاقات الفلسطينية والعربية والدولية لنفض الغبار عنه ومطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بوضع اليات لتنفيذ قراراتها والتأكيد على أهمية إحياء لجنة التوفيق الدولية ومطالبتها بتنفيذ واجباتها المطلوبة منها منذ ٧٢ عاماً، وان يبقى التمسك بحق العودة طبقا للقرار 194 ماثلاً ومستنداً لان القوة القانونية لشرعية هذا القرار ما تزال نافذة ويجري التأكيد عليه سنويا في كافة جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، نختم بالقول انه رغم مرور ٧٢ على صدور القرار المذكور وبالرغم من عجز الامم المتحدة عن تنفيه كغيره من القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية ،،، الا انه مازال وسيبقى حقٌ لشعبنا لن يتنازل عنه ، وسيبقى المجتمع الدولي الذي أصدر القرار المذكور قبل ما يزيد عن سبعة عقود أمام اختبار العدالة التي تدوسها بكل اسف عنصرية وعدوانية دولة الاحتلال.