أكّد أخصائي العقم والمسالك البولية، د. سهيل مطر، على أنَّ قضية تهريب النطف من الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال "الإسرائيلي" تجري وفق معايير دينية ومجتمعية سليمة، تكون فيها نسبة الخطأ صفرية، لضمان عدم تداخل الأنساب، وهو ما يدحض رواية فيلم "أميرة" المسيء للأسرى ونضالاتهم.
جاء ذلك اليوم السبت، خلال ندوة سياسية عبر تطبيق "كلوب هاوس Clubhous" والتي نظّمتها مفوضية الإعلام بتيار الإصلاح في حركة فتح، وتابعتها وكالة "خبر"، بعنوان "النطف المهربة.. صراع العقول بين السجين والسجان"، بحضور د. سهيل مطر، والمحاضر في قضايا التنمية والفكر الاجتماعي والسياسي د. سالم قديح، والأسير المُحرر عماد أسعد الصفطاوي.
وقال مطر: "إنَّ ملف النطف المُهربة له بعدين الأول اجتماعي يخص الأسرى واحتياجهم لبناء أسرة وإنجاب أطفال، وآخر طبي يتعلق بالمعايير الطبية اللازمة لنجاح عملية الإخصاب".
وأوضح أنَّ النطفة هي "السائل المنوي" والجزء الأساسي المكون للجنين، والتي تحتاج إلى شروط ومعايير تضمن وصول الحيوانات المنوية إلى مراكز الإخصاب بسلامة، لافتاً إلى أنَّ الحيوانات المنوية إذا تم إفرازها بالطريقة السليمة فهي تعيش مدة تتراوح ما بين 3 إلى 5 أيام، لكن في حالة الاستمناء فإنّها تموت خلال دقائق، وهنا كان التحدي للسجان في إنجاح عمليات الحقن المجهري والحفاظ على سلامة العينة حتى وصولها للمراكز المختصة.
وأشار إلى أنّه من الواجب إتباع بعض الشروط لزيادة نسب نجاح عمليات الإخصاب بالنطف المهربة، والتي تتمثل في قيام الأسير بعملية استمناء نهاية كل أسبوع، وأخرى قبل يوم واحد من عملية إرسال العينة في أنابيب مخصصة، مع مراعاة عدم استخدام الصابون أو المياه، وأنّ تصل العينة إلى مراكز التخصيب بأسرع وقتٍ ممكن.
وبيّن أنّه في كثير من المرات يتم إتلاف النطف المهربة كونها فقدت حيويتها، حيث في السابق كانت تجري عملية تهريب النطف بطرق عشوائية، وتطورت إلى علب سحب عينات الدم، بسبب منع الاحتلال إدخال الحافظات المخصصة لحفظ الحيوانات المنوية، حيث يتم تعويض هذا الأمر من خلال التعامل مع النطف بطريقة مثالية أكثر لزيادة فرص الإنجاب.
وأكّد على أنّ عمليات إخصاب النطف المهربة للأسرى داخل السجون "الإسرائيلية" تجري بحضور شهود من أهل الزوجة والزوج "الأسير"، مُوضحاً أنّه منذ عام 2017 لم يدخل قطاع غزّة أيّ نطفة، بسبب التشديد الأمني الإسرائيلي.
ومن الجانب الطبي، قال مطر: "إنَّ الجانب الصحي للرجل من حيث طبيعة الطعام وممارسة الرياضة والحالة النفسية، يؤثر بالسلب والإيجاب على جودة الحيوانات المنوية"، مُنوّهاً إلى أنَّ الأسرى يمرون بظروفٍ سيئة، بينها التوتر النفسي وعدم تقديم الطعام الصحي لهم، وهو الأمر الذي يُقلل نسب نجاح عمليات الإخصاب.
ولفت إلى أنَّ ما نسبته 50% من النطف المهربة يتم إتلافها بسبب فقدانها الحيوية اللازمة لعملية الإخصاب، مُبيّناً أنَّ نسب نجاح عمليات الإخصاب في الوضع الطبيعي تتراوح ما بين 35 إلى 45%، لكّن في أوضاع الأسرى وواقعهم فإنَّ الأمر مختلف تماماً.
أما عن إجراءات السلامة اللازمة لعملية نقل النطف، قال مطر: "إنَّ أهم هذه الإجراءات هو الإسراع في عملية النقل، وحفظها في مكان مخصص، ودرجة حرارة مناسبة"، مُردفاً: "في مراكز الإخصاب يتم التعامل مع هذه النطف بشكل سريع من أجل الحفاظ على العينة بسبب تعذر الحصول على مثيلتها".
وأكّد على أنَّ تطور العلم والوصول إلى الحقن المجهري بالليزر، ينعكس إيجاباً على نتائج عمليات الإخصاب، مُضيفاً: "في العقم لا نفقد الأمل، فما بالك لو كان الأمر مرتبط بالأسرى وقضيتهم العادلة ورسم البسمة على شفاههم وتجديد الأمل في نفوسهم".
وفي ختام حديثه، دعا د. مطر، إلى وقف فيلم "أميرة" المسيء لنضالات الأسرى، لأنهم بحاجة للدعم النفسي وكون شعبنا يُقدس قضيتهم العادلة، مُردفاً: "لذلك لا يُمكن المرور عن هذا الفيلم مرور الكرام، أو السماح بالإساءة لنسب وشرف هذه الفئة المناضلة".
من جانبه، أوضح الأسير المحرر، عماد أسعد الصفطاوي، أنَّ أهمية تهريب النطف تنبع من الأحكام العالية التي فرضها الاحتلال على الأسرى، والتي حالت دون إنجابه أو وجود عدد محدود من الأبناء له، حيث إنَّ بعضهم تزوج داخل السجن، وبالتالي فإنَّ الأسير يخوض هذه التجربة ليجعل له امتداداً في الخلق.
وقال الصفطاوي: "إنَّ الكثير من العوامل تدفع الأسير لهذه التجربة النضالية، منها أنّه بعد خروجه من السجون الإسرائيلية، تكون زوجته قد تعطلت آلة الإنجاب لديها، ومن باب الحرص على الوفاء لهذه الزوجة الصابرة، يلجأ إلى تهريب النطف لإنجاب طفل أو أطفال يضمن به استمرار امتداده في الحياة".
ونوّه إلى أنَّ أول من نجح في هذه التجربة هو الأسير عمار الزبن، مُبيّناً في ذات الوقت أنَّ العملية أجازها علماء الدين، من خلال بعض الشروط مثل وجود شهود من أهل الزوج أو الزوجة، كما تجري عملية إخراج النطفة باستشارات طبية سابقة بين الأهل ومراكز الإخصاب.
وبالحديث عن صعوبات تهريب نطف أسرى غزّة، قال: "إنَّ الصعوبة في غزّة تتمثل في أنَّ إرسال النطفة مع أسير آخر فكرة مستحيلة، حيث إنّ أسرى قطاع غزّة يحتاجون ثلاثة أيام لوصولهم من سجني "رامون ونفحة" إلى حاجز بيت حانون، وبالتالي تكون حيوية العينة قد انتهت، لكّن يتم تهريب النطف مع الأهل أثناء الزيارات".
ونبّه إلى أنّ بعض الصعوبات تُواجه أسرى قطاع غزّة، بينها أنَّ الأسير لا يعرف الساعة الدقيقة لوصول الزيارة الخاصة به، حتى يتثنى له إخراج النطفة بالطريقة والأداة السليمة، مُؤكّداً على أنَّ بعض الأسرى نجحوا في عملية إخصاب زوجاتهم من خلال النطف المهربة من المرة الأولى، وآخرين حاولوا عدة مرات حتى تمكنوا من النجاح بذلك".
وتابع: "فيلم أميرة المسيء للأسرى يجب وقفه، ومن قاموا بإنتاجه أرادوا من ذلك الإساءة لهذه القضية العادلة مقابل حفنة دولارات"، مُردفاً: "رسالة الأسرى هي دعونا ننسج من شباك المستحيل أفقاً نُعزز به حياتنا".
وختم الصفطاوي حديثه، بالقول: "مع الأسف أيضاً فإنّ كُتب لهذه النطفة أنَّ تًصبح كائناً حياً، فإنّ هذا المولود سيُصدم بأنَّ السلطة الفلسطينية قطعت راتب والده الذي أمضى حياته داخل السجون الإسرائيلية".
من جهته، قال المحاضر في قضايا الفكر الاجتماعي، د. سالم قديح: "إنَّ الحفاظ على البقاء مسألة مهمة للكائن الاجتماعي، وهي أولى وظائفه من أجل استمرار الخلف الصالح للإنسان"، مُستدركاً: "المناضلون الفلسطينيون استخدموا آليات تُمكنهم من التغلب على السجان لاستمرار العملية النضالية".
وأضاف قديح: "نجحت محاولات الأسرى وانتصروا على السجان بتهريب النطف، التي أدت لنجاح إنجاب 102 طفل من داخل قلاع الأسر"، مُشدّداً على أهمية هذا العمل الفلسطيني النضالي الذي يقوم به الأسرى.
ورأى أنَّ الأسر الفلسطينية تعتبر إنجاب هذا الطفل أو الطفلة من خلال النطف، امتداد وتعويض لوالده الموجود داخل السجون "الإسرائيلية"، كما أنَّ الأسير حينما يرى نجله يشعر بالانتصار، ويُشاهد من سيرث نضاله، ويشعر أنّه استطاع أنّ يُنجب من يحمل اسمه.
وشدّد على عدم وجود أيّ من جوانب التشكيك في هذه الوسيلة النضالية، لكّن إنتاج فيلم "أميرة" كان يهدف المخرج من خلاله للحصول على انتصار درامي على حساب الأسرى الفلسطينية.
وأكمل: "مُخرج الفيلم حاول تبرير أنَّ أبناء الأسرى الذين تم إنجابهم من خلال النطف لا تتجاوز أعمارهم الـ10 سنوات، والفيلم يتحدث عن فتاة تبلغ من العمر 20 عاماً وهو مبرر غير مقبول على الإطلاق"، مُستدركاً: "إذا كان هناك من يتسامح مع المخرج محمد دياب كونه يُهاجم قضية نضالية، فإنَّ المجتمع الفلسطيني لن يُسامح بهذا الأمر الذي يُشكك بنسبهم ويمس قضاياهم العادلة".
وأردف: "يوجد بالفيلم ما يُراد من خلاله الإساءة للأسرى، كما أنّه يأتي في سياق مؤسسات توزيع وإخراج تسعى لمغازلة الإسرائيليين، وهو يتساوق مع الرواية الإسرائيلية"، مُشيراً إلى أنَّ عملية إخراج الأسير للنطفة، تجري بحضور شهود من أهل الزوجة والزوج، ووفق معايير مجتمعية ودينية وقانونية.
وعن تسجيل المواليد من أبناء نطف الأسرى، في ظل محاربتهم من قبل الاحتلال، قال قديح: "إنَّ سلطات الاحتلال مُلزمة بالتعامل معهم وفق الأمر الواقع بقرارات محاكم، ليتم بعد ذلك إصدار شهادات ميلاد وهويات لهم"، مُؤكّداً على أنَّ هذه القضية النضالية تتطلب دعماً رسمياً حتى يستمر الأسرى في انتزاع حقهم بالإنجاب والبقاء بالتناسل.
واختتم قديح حديثه بالإشارة إلى أنَّ إحدى زوجات الأسرى ذهبت بعد نجاح عملية الإخصاب بالنطف المهربة، لزيارة زوجها واصطحبت معها طفلته البالغة من العمر ثلاثة أسابيع، فتجمع حولها جنود الاحتلال لمعرفة كيفية إنجاب هذه الطفلة"، مُستدركاً: "الأسرى لديهم من القدرات الذهنية التي ستُعزز مسيرتنا النضالية، وهم ذهبوا إلى السجن لأنهم من أنشط النماذج النضالية الفلسطينية".
وفي رواية للأسير المحرر أسعد دقة، وهو شقيق الأسير وليد دقة، الذي نجح في إنجاب مولده من خلال النطف المهربة، قال: "إنّه يجب محاكمة مُنتجي الفيلم المسيء لقضية الأسرى وحقهم في الإنجاب من خلال النطف المهربة"، مُشدّداً على أنَّ هذه الأداة النضالية قهرت مديرية السجون الإسرائيلية.
وأكمل: "الأسير يرى البهجة في عمله النضالي، فهذه الأداة تعرضت لمحاولة تشويه صهيونية بأيدي عربية، والأسرى مستمرون بإنجاب الأطفال من خلال النطف لاستمرار حياتهم كونها خطر على الاحتلال ويُحاربها بكافة السبل"، نافلاً تحيات الأسرى لكافة الجماهير الفلسطينية والعربية التي عملت على سحب الفيلم المسيء من دور العرض.