نـظـام «أبـرتـهـايـد» يـهـودي عـنـيـف يـحـكـم الـقـدس

حجم الخط

بقلم: ايلانا همرمان


يبنون لهؤلاء، ويهدمون لأولئك. هكذا هو الأمر:
- "صادقت بلدية القدس، مؤخرا، على إقامة حي جديد في (عطروت)، حيث يخطط لإقامته في منطقة مطار (عطروت) المهمل، على مساحة 1243 دونماً. حسب المخطط فإن الحي السكني الجديد سيشمل آلاف الوحدات السكنية، ومساحة للفنادق، ومساحات للمباني العامة، ومساحات عامة مفتوحة، ومساحات للتجارة والتشغيل (يوري الون واريئيل كهانا، "إسرائيل اليوم"، 24/11).
- "تواجه أكثر من 100 عائلة من شرقي القدس أوامر هدم فورية لبيوتها". هذا هو عنوان الخبر الذي من خلاله يمكن أن نعرف بأن الأمر يتعلق بسلوان، حيث يوجد هناك اثنان من الاحياء. حي بيوته مبنية بما هو مخصص ليكون منطقة عامة مفتوحة، والحي الثاني بيوته معدة للهدم في إطار خطة لإقامة متنزه أثري سياحي باسم "حديقة الملك" (نير حسون، "هآرتس"، 30/11).
- "تدفع إسرائيل قدماً ببناء حي جديد خلف الخط الأخضر في القدس... الحي مخصص لسكان يهود، ويتوقع أن يبنى قرب الحي الفلسطيني بيت صفافا، الذي يعاني من نقص شديد في مساحات البناء"، (نير حسون، "هآرتس"، 6/12).
- "نحو ألف شخص من سكان الولجة يتعرضون لخطر الطرد من القدس. في السنوات الخمس الأخيرة هدمت السلطات 30 بيتاً في القرية تقريبا دون مخطط هيكلي في ظل تنفيذ صارم للقانون، حيث تتكدس العائلات في هذه الاثناء أو تغادر. في هذا الشهر، سيتم عقد جلسة في المحكمة العليا، يُتوقع أن تبتّ إذا كانت ستسمح للدولة بهدم عشرات البيوت الأخرى في المكان"، (أفيف تترسكي، "محادثة محلية"، 5/12).
نعم، هذا ما يحدث، الآن. لهؤلاء يبنون ولأولئك يهدمون. هذه الاقوال لم يتم قولها في عمليات بمناسبة انتهاء السنة الميلادية. لا، هذه صورة للبناء والهدم في القدس منذ اليوم الذي تم فيه احتلال شطرها الشرقي في العام 1967، عندما هدم حي المغاربة القديم في ليلة واحدة، وحتى الآن، بعد مرور 54 سنة. منذ ذلك الحين بني 12 حيّاً يهوديّاً ضخماً على الأراضي الفلسطينية، التي تمت مصادرتها في اعقاب الاحتلال والضم، وأصبح تفسير "القدس الكبرى" من مدخل رام الله وحتى مدخل بيت لحم، على اراضٍ محتلة ليس لها أي علاقة أصلية بمدينة القدس والأماكن المقدسة فيها. في المقابل، لم تتم إقامة أيّ حيّ للفلسطينيين الذين يشكلون، الآن، 40 في المئة من سكان القدس. ومعظمهم، حتى في الأحياء الأكثر ثراء، يعانون من سكن مكتظ ومن غياب بنى تحتية مناسبة. سفر مريح في "رمات شلومو" الفاخر، الذي بني وأخذ يتوسع منذ عشرين سنة، ثم تعلق في اختناقات المرور في حي شعفاط المكتظ الجار، يدل على ذلك حتى الألم.
ما هي أفضلية الذين يبنون لهم، هذا واضح. ولكن ما هي جريمة الذين يهدمون لهم، الآلاف الذين سبق وهدموا لهم وعشرات الآلاف الذين تهددهم أوامر الهدم بأن تقدم بيوتهم طعاماً لأسنان الجرافات؟ ها هي جريمتهم: جميعهم، بما في ذلك الاطفال والشيوخ، يعيشون في مبان ليس لها تراخيص بناء، عددها، الآن، يبلغ 20 ألفاً تقريبا. لماذا لا توجد لهم تراخيص بناء؟ لأن هذا هو مصير الفلسطينيين، سكان المدينة منذ أجيال طويلة، الذين من المفروض عليهم الحصول بأنفسهم على رخصة بناء لبيوتهم القديمة التي يعيشون فيها ولبيوتهم الجديدة التي يبنونها لعائلاتهم التي تتسع.
هذا خلافا للأغلبية الساحقة لليهود في القدس، والذين شققهم وبيوتهم في الاحياء القديمة والجديدة مزودة مسبقا بتراخيص بناء حصلوا عليها من المقاولين قبل دخول المستأجرين الى بيوتهم. ولماذا فقط القليل جدا من الفلسطينيين يحصلون على رخصة بناء في القدس؟ لأن رخصة البناء مشروطة بوجود مخطط هيكلي. معظم الاحياء الفلسطينية لا يوجد لها مخطط هيكلي على الاطلاق، وبعضها يوجد لها مخططات هيكلية قديمة لم تعد تناسب عدد السكان في الحي ووضعهم العائلي. ودون مخطط هيكلي مناسب، لا حاجة إلى القول إنه دون مخطط، لا يمكن الحصول على رخصة بناء. لماذا، اذاً، لا توجد لاحيائهم مخططات هيكلية؟
إذا كانت حقا تعنيكم معرفة ذلك فاذهبوا وشقوا طريقكم في متاهة الاجراءات المهنية والبيروقراطية التي يجب اجراؤها امام السلطات والسلطات الفرعية والسلطات المتفرعة عنها ايضا من اجل ان يكون لديكم مخطط هيكلي يخصص مكانا ايضا للسكن وللمؤسسات العامة والمدارس والحدائق العامة ولوقوف منظم للسيارات يناسب التخطيط الحضري الحديث. واسألوا انفسكم كيف أن شخصا عاديا أو تجمعا صغيرا أو حيا أو شارعا يمكنهم أن يجتازوا هذه المتاهة، ما يكلف أموالاً طائلة، والخروج منها مع رخص بناء التي هي أيضا لا تعطى بالمجان.
ولكن ما شأنكم بهذا الكابوس؟ لأنه لا أحد منا، نحن مواطني "إسرائيل الكبرى" اليهود، من القطمون وحتى "غيلو" و"جبل ابو غنيم"، من "جفعات رم" وحتى "جفعات زئيف"، من "رمات بيت هكيرم" وحتى "رمات شلومو"، لا يطلب منا الاهتمام شخصيا بأمر كهذا. كل الاحياء اليهودية بنيت حسب خطط هيكلية للسلطات المخولة بذلك. أنا مثلا، انتقلت للسكن في حي جديد في القدس أُقيم على مساحة مفتوحة، وانظروا، يا للدهشة، كل شيء حصلت عليه جاهزاً: موقف للسيارة ومواصلات عامة وبقالات ومطاعم وحتى متنزه اخضر مليء بمرافق التسلية المختلفة للاطفال وحتى حديقة للكلاب توجد فيه، مع مرافق ملونة للحيوانات.
لا شيء من كل هذه الامور المدهشة للتخطيط الحضري السليم تجدونه في الاحياء الفلسطينية. وبعضها، الاكثر اكتظاظا، تحد مناطق مفتوحة وواسعة يمكن التوسع فيها وبناء بيوت للعائلات الممتدة، وزراعة حدائق ووضع مرافق تسلية. ولكن لا، فقد خصصت المناطق المفتوحة هذه     لـ"حدائق عامة وطنية" ومواقع اثرية ومشاريع سياحية، لأنه يجب أن تعرف بأن شرقي القدس المهمل والفقير، توجد حدائق كبيرة حوله تم التفكير فيها والإعلان عنها في سبعينيات القرن الماضي. وهذه هي طبيعة "الحدائق الوطنية" التي يمنع الأشخاص العاديون من السكن فيها.
"أحد المشاريع التخطيطية التي كنا نتفاخر بها"، كتب ميرون بنفنستي، نائب رئيس البلدية لشؤون التخطيط في حينه، "كان إعلان وتخطيط المتنزه الوطني حول البلدة القديمة... مقاربة من خططوا المتنزه كانت مهنية وغير متحيزة سياسيا. وقد تم استخدام صلاحيات سلطة الحدائق من اجل التطوير والحفاظ على مناطق خضراء. لم يخطر ببالنا أن هذه الصلاحيات ستستخدم بهدف السيطرة على ممتلكات عربية، هدم بيوت أو تحقيق مصالح دينية قومية متطرفة يهودية" (من كتابه "حلم الفتى الابيض من مواليد البلاد: سيرة ذاتية لخيبة الامل"، 2012). ولكن هذا بالضبط ما حدث: الصلاحيات التي اعطيت لسلطة الطبيعة والحدائق، وبعد ذلك لجمعيات مثل "العاد" و"عطيرت كوهنيم"، التي هدفها النبيل هو تهويد القدس القديمة، استخدمته ولا تزال تستخدمه لهذا الغرض بالذات.
هكذا، في منتصف الثمانينيات، وأكثر في التسعينيات فصاعداً، بدأت سياسة تشجيع الاستيطان اليهودي في الاحياء العربية في شرقي القدس، واستمر هذا حتى الآن في ظل جميع الحكومات، بدءاً بغرس جيوب يهودية متعصبة في الحي الاسلامي في البلدة القديمة وسلوان ورأس العامود والشيخ جراح، وانتهاء باقامة احياء حقيقية في مناطق مأهولة بالفلسطينيين مثل جبل الزيتون وابو ديس وجبل المكبر. في معظم هذه المناطق المعززة والمحمية بقوات شرطة خاصة وعامة، تنغص الاحياء اليهودية المعادية هذه حياة السكان الفلسطينيين بدرجة لا تحتمل. اذهبوا وشاهدوا ذلك بعينكم.
ولكن أيضا من لا يذهبون لكي يروا بأم عينهم الوجه الحقيقي للقدس، المدينة التي توجد في قلبها أسوار كثيرة، يمكنهم التعرف على قبح هذا الوجه من البيانات والتقارير المتطورة التي تصدرها بصورة دائمة جمعيات ومنظمات مجتهدة، مثل جمعية "عير عاميم" و"بمكوم" و"بتسيلم" و"السلام الآن". في احيان كثيرة أتساءل من أين يوجد لاعضاء هذه الجمعيات، الذين ينكبون منذ سنوات كثيرة على تحقيقاتهم وأبحاثهم الدقيقة، هذه الثقة بأنه سيكون لعملهم الضخم هذا ذات يوم ثمار سياسية.
في هذه الاثناء، بالنسبة لي، لم أشاهد الكثير من النعمة في عشرات السنين من مشاركتي في السياسة، فأنا استخدم قدرة الحكم التي تعطيني إياها مشاهدة الأمور واللقاءات الشخصية مع ابناء مدينتي الفلسطينيين ومتابعة بيانات هذه المنظمات، من أجل أن أعطي على الاقل تعريفا سياسيا واخلاقيا صحيحا للنظام الذي يسيطر في القدس مدينتي، نظام "ابرتهايد" يهودي عنيف، مقارنة به فإن العنف الفلسطيني يعتبر لا شيء. هؤلاء، الفلسطينيون، يأتون بشكل فردي بالحجارة والسكاكين واحيانا مع سلاح ناري، أبناء الجيل الثالث والرابع من اناس ليس لهم أمل، يريدون أن يقتلوا، ومعظمهم يقتلون أو يتم اعدامهم. واولئك، اليهود، يأتون بقوانين وانظمة تستهدف تضييق أفق عيش الآلاف، وبعد ذلك، باسم هذه القوانين والنظم، يأتون بالجرافات التي ترافقها قوات مسلحة، ويتركون وراءهم دمارا كبيرا وحياة مهدمة، ويخرجون دون أي ضرر، مستعدون وجاهزون للذهاب لعملية قادمة لتنفيذ القانون للسيد الحصري اليهودي.

عن "هآرتس"