بروتوكولات سرية: مجازر صهيونية ضد الفلسطينيين في العام 1948 يُكشف عنها لأول مرة (1-2)

حجم الخط

هارتس بقلم: آدم راز

- مذبحة الرينة: حشروا المسنين في بيت معزول ثم فجّروه وأحرقوا الجثث
- أمروا الأطفال والنساء والشيوخ بحفر بئر ثمّ اعدموهم جميعاً داخله

كانت هذه نقاشات مليئة بالأحاسيس. قال الوزير حاييم موشيه شبيرا، إنه تقوضت كل أسسنا الأخلاقية. وأشار الوزير دافيد ريمز الى أن الأفعال التي يدور الحديث عنها تخرجنا من نطاق اليهود ومن نطاق البشر بشكل عام. غضب الوزير مردخاي بن طوف، وسأل أي من اليهود سيبقون في الدولة بعد الحرب؟ وقال الوزير اهارون سيزلينغ، إنه لم ينم طوال الليل، وإن الجرائم تمس بروح الحكومة. وطلب عدد من الوزراء التحقيق في الشهادات وتقديم المسؤولين للمحاكمة. تملص بن غوريون. وفي نهاية المطاف أيد الوزراء اجراء التحقيق، وهكذا تم تشكيل لجنة "فحص أعمال القتل في الجيش".
هذا كان في تشرين الثاني 1940. حيث تراكمت على طاولة الحكومة شهادات عن أعمال قتل نفذها جنود الجيش الاسرائيلي ضد العرب، رجالاً غير مسلحين وشيوخا ونساء واطفالا. على مدى السنين كانت هذه النقاشات مخفية. الآن، يُنشر تقرير في "ملحق هآرتس" ومعهد عكفوت، للمرة الاولى تبادل الأقوال القاسية بين الوزراء، ويكشف شهادات عن ثلاث مذابح غير معروفة، وتفاصيل جديدة عن المذبحة في الحولة، وهي من الجرائم البارزة للحرب.
عمليتان كبيرتان انطلقتا في تشرين الأول 1948. الاولى عملية "يوآف" في الجنوب والثانية هي عملية "حيرام" في الشمال. خلال ثلاثة أيام تقريباً احتل الجيش الاسرائيلي الجليل، وقام بمد الأذرع أيضا إلى قرى في جنوب لبنان. في 30 ساعة تقريبا تم احتلال عشرات القرى العربية في الشمال، وهرب عشرات آلاف السكان من بيوتهم. لم تشارك الاغلبية الساحقة منهم في القتال. أساس تبادل اطلاق النار كان بين الجيش الاسرائيلي وجيش الانقاذ العربي الذي كان يتكون من متطوعين من الدول المجاورة. عندما بدأت اسرائيل المعركة من اجل احتلال الشمال كان يوجد في الجليل 120 ألف عربي، نصف العدد الذي كان عشية خطة التقسيم. سنح التقدم السريع للجيش الاسرائيلي نحو الحدود الشمالية للجنود فرصة مقابلة السكان الذين بقوا في القرى، الذين كانوا من الشيوخ والنساء والاطفال. مصير الفلسطينيين كان مرهونا بأيدي قوات الجيش الاسرائيلي، وانتهى هذا اللقاء بين الجنود والمدنيين أكثر من مرة بجرائم حرب فظيعة.

مذبحة الرينة
تظهر الفظائع، التي نُفّذت اثناء الحرب، في توثيقات تاريخية متنوعة: رسائل لجنود، مذكرات كتبت في الوقت الحقيقي ولم يتم نشرها، جلسات لنقاشات أجرتها الأحزاب ومصادر اخرى، وتقارير تحقيقات عسكرية وحكومية سرية في معظمها، والقبضة الحديدية للرقابة واقسام الكشف في الارشيفات تثقل حتى الآن، على إجراء تحقيقات اكاديمية وتحقيقات صحافية. وحتى، الآن، تقدم المصادر العلنية صورة آخذة في الاتضاح شيئا فشيئا. على سبيل المثال، في شهادات عن المذبحة في الرينة في جبل ميرون وفي البرج التي يتم طرحها، الآن، والتي لم يعرف عنها حتى الآن.
احتلت قرية الرينة قرب الناصرة قبل عملية "حيرام" في تموز 1948. بعد بضعة اشهر توجه اهارون حاييم كوهين، عضو القسم العربي في الهستدروت، الى مندوب القسم العربي في "مبام"، وطلب منه استيضاح الامور التالية: "لماذا قتل في قرية الرينة في بداية ايلول 14 عربيا، من بينهم امرأة بدوية وعضو في حلف عمال ارض اسرائيل وهو يوسف التركي؟ تم القاء القبض عليهم قرب القرية بتهمة أنهم يقومون بالتهريب. وأحضروهم الى القرية وقاموا بقتلهم". الشيخ طاهر الطبري، من قادة الجمهور الفلسطيني في الشمال، قال، إن مذبحة الرينة "ليست الوحيدة"، وإن "هذه الاعمال ارتكبت من أجل السطو". وقالت عائلات القتلى، إن الضحايا كانوا يحملون مئات الليرات.
قرية البرج (اليوم هي "موديعين") تم احتلالها ايضا في تموز 1948 في عملية "داني"، حسب وثيقة عثر عليها في ارشيف يد يعاري. وهوية من كتبها غير معروفة. بعد احتلال القرية بقي فيها اربعة شيوخ. "الحاج ابراهيم، الذي كان يعمل مساعدا في المطبخ العسكري، عجوز مريضة، ومسن ومسنة آخرون". بعد ثمانية ايام على احتلال القرية طلب الجنود من ابراهيم جمع الخضار من اجل ابعاده عما سيحدث لاحقا. "الثلاثة الآخرون تم احضارهم الى بيت معزول، وبعد ذلك اطلقوا قذيفة مضادة للدبابات من نوع "فيات". وعندما أخطأت القذيفة هدفها قاموا بالقاء ست قنابل يدوية في البيت، وقتل المسن والمسنة، والعجوز المريضة بالسلاح. بعد ذلك قاموا باحراق البيت والجثث الثلاث. وعندما عاد الحاج ابراهيم مع حارسه قالوا لهم، إن الثلاثة تم نقلهم الى المستشفى في رام الله. هو لم يصدق هذه القصة. وبعد بضع ساعات قاموا بقتله هو ايضا بأربع رصاصات".
حسب شهادة شموئيل ميكونس، عضو مجلس الدولة المؤقت من الحزب الشيوعي، في منطقة ميرون أيضا جرت اعمال فظيعة لم يعرف عنها حتى الآن. تجاوز ميكونس الرقابة في الوقت الحقيقي بوساطة تقديم استجواب لرئيس الحكومة، تم العثور عليه في ارشيف الكنيست. في توجهه هذا لبن غوريون طلب الاستيضاح عن اعمال نفذت حسب قوله من قبل اعضاء "الايتسل". "أ – لقد قتلوا 35 عربيا قاموا بتسليم انفسهم وهم يرفعون الراية البيضاء لهذا الفصيل. ب - قام هذا الفصيل بأسر سكان مطمئنين، من بينهم نساء واطفال، وأمروهم بحفر بئر، ودفعوهم الى داخله بالحراب الفرنسية الطويلة واطلقوا النار عليهم وقتلوا جميعا. وكان من بينهم امرأة تحمل طفلا بين يديها. ج - اولاد عرب، ابناء 13 – 14 سنة، كانوا يلعبون وتم اطلاق النار عليهم جميعا. د - فتاة 19 أو 20 سنة تم اغتصابها من قبل اعضاء "ألتلينا" (فصيل من الايتسل)، بعد ذلك قاموا بطعنها بالحراب وادخلوا عصا من الخشب في جسدها".
هذا هو المكان المناسب للتأكيد على أنه ليس لدينا شهادات اخرى تعزز هذه الاوصاف القاسية على ما حدث في الرينة وفي البرج وفي ميرون. ولكن في كل ما يتعلق بشهادة ميكونس من المحتمل أنه يجب تأجيل الشك. في الاستجواب لبن غوريون تمكن ميكونس من أن يصف تفاصيل التفاصيل والمذبحة في قرية الحولة اللبنانية. وبعد ذلك تبين في المحكمة أن مصادره كانت موثوقة.

مذبحة الحولة
يبدو أن المذبحة التي حدثت في الحولة أرعبت بشكل خاص وزراء الحكومة في حينه. احتلت القرية من قبل فصيل في اللواء الثاني بقيادة شموئيل لهيس. هرب معظم السكان، لكن نحو 60 شخصا بقوا في القرية واستسلموا دون مقاومة. بعد الاحتلال تم تسجيل مذبحتين في يومين متتاليين. في الاولى قتل 18 شخصا وفي الثانية قتل 15 شخصا. كان قائد الفصيل لهيس المقاتل الوحيد الذي تم تقديمه للمحاكمة على أعمال القتل في عملية "حيرام". وتمت تبرئته بسبب الشك بالحادثة الاولى، لكن تمت ادانته بالمذبحة الثانية التي نفذها هو نفسه. عُثر على الحكم على لهيس في الارشيف القانوني في جامعة تل ابيب، ومقطع صغير منه يطرح هنا للمرة الاولى: أمر لهيس باخراج "الـ 15 عربيا من البيت الذي كانوا يوجدون فيه، ونقلهم الى بيت معزول يبعد قليلا عن المقبرة الاسلامية هناك. عند وصولهم أمر الملتمس بادخال العرب الى احدى الغرف وأمرهم بالوقوف في صف ووجوههم نحو الحائط. عندها أطلق الملتمس (النار) بوساطة "ستين" كان يحمله على العرب وأفرغ فيهم مخزنين. بعد سقوطهم قام الملتمس بفحص الجثث وتأكد من موتهم. بعضهم أظهروا علامة حياة وتحركوا، عندها أطلق عليهم رصاصات أخرى".
قال لهيس للدفاع عن نفسه، إنه عمل بروحية اقوال قائد الكتيبة الذي قال له، إنه "لا حاجة للاثقال على المخابرات بالأسرى". وأوضح بأنه كان مملوءاً باحاسيس الثأر على موت اصدقائه، رغم أن الضحايا لم يكونوا مشاركين في القتال. في نهاية المحاكمة حكم عليه سبع سنوات سجناً، وتم تخفيفها في الاستئناف الى سنة واحدة. عقوبته قضاها في ظروف مريحة جدا في معسكر للجيش في الشمال.
على مر السنين أصدر القضاة تفسيرات مختلفة للعقوبة الخفيفة التي حكم بها. برر القاضي جدعون ايلات ذلك بأنه الجندي الوحيد الذي قدم للمحاكمة على افعاله في عملية "حيرام"، رغم أنه نفذت اعمال قتل اكثر خطورة من ذلك. وقال القاضي حاييم دوفرين، "كقاض كان من الصعب عليّ التسليم بوضع نجلس فيه على طاولة ونناقش شخصا تصرف أثناء القتال كما تصرف. لا أحد في حينه كان يعرف من البريء ومن العدو".
بعد إطلاق سراحه حصل لهيس على العفو من الرئيس اسحق بن تسفي. وبعد ثلاثة عقود تم تعيينه في منصب مدير عام الوكالة اليهودية. وكمدير للوكالة هو الذي فكر بيوم القدس الذي يتم الاحتفال به منذ ذلك الحين وحتى الآن.
ملايين الوثائق من سنوات الدولة الاولى يقومون بتخزينها في الارشيفات الحكومية، ولا يستطيع الجمهور الوصول اليها. يضاف الى ذلك الرقابة المتشددة. ففي السنوات الاخيرة يمسح رجال "الملماف" (المسؤول عن الامن في جهاز الامن) ارشيفات في ارجاء البلاد ويخفون أدلة عن جرائم حرب، مثلما كشف في الماضي في تحقيق "ملحق هآرتس". ولكن رغم عملية الاخفاء إلا أن الشهادات عن مذابح آخذة في التراكم.
الاساس وضعه في الثمانينيات المؤرخ بني موريس، الذي اجرى بحثا طلائعيا شاملا في الارشيفات. بعد ذلك تراكمت أبحاث اخرى منها عمل المؤرخ عادل مناع الذي تخصص في التوثيق الشفوي، وحقق في ماضي عرب حيفا والجليل. وصف مناع، ضمن أمور اخرى، مجموعات الإعدام التي قتلت 9 اشخاص في مجد الكروم في عملية "حيرام". وتستكمل منشورات أخرى على مر السنين بالتدريج الفسيفساء الناقصة.
عدد موريس في السابق 24 مذبحة على طول الحرب. الآن، أصبح يمكن القول، إن العدد اكبر من ذلك، ويصل حتى بضع عشرات المذابح. في بعضها قتل اشخاص قلائل وفي بعضها العشرات، وهناك حالات زاد فيها عدد الضحايا عن المئة. الى جانب مذبحة دير ياسين في نيسان 1948 والتي أثارت الأصداء على مر السنين، يبدو أن هذا الجزء البائس من التاريخ تم إبعاده ويتم إبعاده بعيدا عن الخطاب العام في اسرائيل.

مذابح في صلحة والصفصاف والدوايمة
من بين المذابح البارزة في عملية "يوآف" وعملية "حيرام" يمكن تسمية الاحداث التي حدثت في قرية صلحة وقرية الصفصاف وقرية الدوايمة. في قرية صلحة، قرب الحدود مع لبنان، (الآن هي كيبوتس يرؤون) أعدم اللواء السابع 60 – 80 شخصا في ممارسة استخدمت عدة مرات في الحرب، وهي تجميع اشخاص في مبنى في القرية والقيام بتفجيره والاشخاص داخله.
في قرية صفصاف قرب صفد (الآن، هي موشاف صفصوفة)، ذبح جنود اللواء السابع عشرات السكان. وحسب إحدى الشهادات، التي أمر اعضاء "ملماف" باخفائها بصورة غير قانونية، "قاموا بالقاء القبض على 52 رجلا. قاموا بربطهم معا وحفروا حفرة واطلقوا النار عليهم. 10 رجال آخرين احتضروا، جاءت النساء وطلبن الرحمة، ووجد ست جثث لمسنين، كانت 61 جثة وثلاث عمليات اغتصاب".
في قرية الدوايمة في منطقة لخيش (الآن، هي موشاف امتسيا)، ذبح جنود اللواء الثامن 100 رجل. كان هناك جندي شاهد على هذه الاحداث وصفها امام احد اعضاء "مبام": "لم يكن قتال ولم تكن مقاومة. المحتلون الاوائل قتلوا 80 – 100 عربي من النساء والاطفال. الاطفال قتلوهم بتهشيم الجماجم بالعصي. لم يكن هناك أي بيت لا يوجد فيه قتلى". وحسب ضابط استخبارات وضع في القرية بعد يومين، وصل عدد القتلى الى 120 شخصا. في الاقوال التي نشرت في مجلة "نير" فورا بعد الحرب من قبل جندي مجهول، تبين أن ظاهرة قتل الابرياء انتشرت داخل الجيش. وصف الكاتب كيف أن صديقه في الوحدة قتل عجوزا عربية بقيت في الخلف أثناء احتلال قرية لوبيا في الجليل الاسفل. "هذا الامر أصبح موضة. عندما اشتكيت امام قائد الكتيبة على ما يحدث وطلبت منه وقف هذا التمادي، الذي ليس له أي مبرر عسكري، هز كتفه وقال: لا توجد تعليمات من أعلى لمنع ذلك. ومنذ ذلك الحين تدهورت الكتيبة في هذا المنزلق. استمرت انجازاتها العسكرية، لكن في المقابل ازدادت أعمالها الفظيعة". يبدو أن هذا الجندي المجهول لم يبالغ. من تصفح التوثيق التاريخي المتنوع يبدو ان الاصبع كانت خفيفة على الزناد.
في الاشهر تشرين الثاني – كانون الاول 1948، عندما هدأ ضغط الحرب، تفرغت الحكومة لمناقشة التقارير حول المذابح، التي وصلت الى علم الوزراء بصور مختلفة. والاطلاع على محاضر الجلسات لا يترك أي مكان للشك: قيادة عرفت الدولة في الوقت الحقيقي عن الفظائع التي رافقت اكثر من مرة احتلال القرى العربية.
صحيح أنه في العام 1995 تم فتح محاضر الجلسات للاطلاع، لكن الاجزاء التي كرست لـ"سلوك الجيش في الجليل وفي النقب"، كما سميت في جدول اعمال الحكومة، بقيت معتما عليها حتى الفترة الاخيرة. أصبح النشر، الآن، ممكنا بعد توجهات من قبل معهد عكفوت المسؤول عن ارشيف الدولة للكشف عن جلسات الحكومة من الاعوام 1948 – 1949 بالكامل. ولكن رغم أن اجزاء واسعة تم السماح بنشرها، إلا أن اجزاء اخرى بقيت مطموسة. يبدو أن الذكر المباشر لجرائم حرب لا يزال محظورا. ولكن تبادل الاقوال بين الوزراء فيما يتعلق بمسألة هل يجب التحقيق في الجرائم أم لا، التي أخفيت طوال 73 سنة، يقف، الآن، لإطلاع المحققين والصحافيين والمواطنين الذين لديهم حب الإطلاع. هكذا مثلا ظهرت جلسة الحكومة في 7 تشرين الثاني 1948.
عن "هآرتس"