لم تختف حركات التآمر لخلق "بديل تمثيلي مواز او شمولي" منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة الفاتح من يناير 1965، وانطلاقتها الثانية مارس 1968 في أول معركة بطولية واسعة بعد عدوان يونيو 1967، وما أحدثته من هزة أمنية – سياسية لجيش العدو القومي المنتشي بما حدث، انعكست بمد شعبي كرس الوجود الفلسطيني الثوري في مظهره الكفاحي الجديد، منح فصائل الثورة طريقا لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ثوريا.
وخلال أشهر قصيرة فرضت الثورة والمنظمة معادلة كفاحية في المشهد العربي العام، بعد أن منحها الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل من النهر الى البحر ومن الناقورة الى رفح ثقة وتأييدا، أعاد رسم حضور القضية الوطنية بعد تيه طال منذ عام النكبة الكبرى الأولى، دون أن تتمكن منظمة التحرير بتأسيسيها عام 1964 بقرار رسمي عربي، ان تنال ثقة الشعب لتكون راية التمثيل.
الانطلاقة الثورية الثانية بعد معركة الكرامة 1968، أعادت تشكيل المنظمة وفقا للتغييرات الثورية، باختيار الخالد المؤسس ياسر عرفات رئيسا لها عام 1969، وتنطلق كياينا تمثيليا للشعب الى أن احتلت مكانها في الأمم المتحدة عضوا مراقبا، في تطور نوعي مع قوة صعود الثورة.
بالتوازي مع حضور الثورة والمنظمة، بدأت حركة خلق بديل أو مواز لها، بأسماء مستعارة، كانت دولة الاحتلال الأكثر نشاطا في ذلك، ولجأت الى كل "الممكنات العشارية – والسياسية الدينية" لتصنع منها تمثيلا تشويشا للحضور الطاغي للممثل الشرعي الوحيد، ومعها حاولت دول عربية ممارسة الهيمنة على القرار الوطني عبر صيغ متعددة، ولذا لم يكن أبدا مصادفة إصرار الشهيد الخالد ان يكرس التعبير الذي أصبح "أيقونة سياسية"، القرار الوطني المستقل لا يشترى ولا يباع.
محاولات أصيبت بفشل سياسي كبير، وأن نجح البعض منها النيل من فعل الثورة والمنظمة، خاصة بعد المؤامرة المركبة في لبنان نتاج الغزو الإسرائيلي وحصار بيروت ومعركتها الأهم لمدة 88 يوم شكلت ملحمة بطولية، لكن ظروفها أدى الى خروج قيادة الثورة والمنظمة الى تونس، كمحاولة جديدة لحصارها، وبالتالي خطوة على طريق الخلاص منها، وفشلت كما غيرها، بل كانت تونس البوابة الأعرض لتأسيس الكيانية الأولى فوق أرض فلسطين.
عام 1987، كان عام البحث عن خلق بديل ما للمنظمة، اعتقادا أنها تعيش في أزمة كبرى، وبدأت الإدارة الأمريكية بالتعاون مع أطراف عربية وأمن دولة الكيان، العمل على خلق ما سموه في حينه (تقرير معهد واشنطن) بالعمل لخلق "بديل مواز" وليس بديل تمثيلي كما كان سابقا، خاصة بعد فشل كل المحاولات السابقة، من صناعة بديل داخل الوطن، أو فرض هيمنة على القرار الوطني.
ومع إطلاق الانتفاضة الوطنية الكبرى ديسمبر 1987، ارتبكت كل المشاريع التي لم تأخذ بإمكانية ولادة حالة كفاحية ثورية تعيد القضية الوطنية الى مرحلة المواجهة الشاملة، وتعزز دور المنظمة والثورة، فكان لا بد من أسلوب غير تقليدي لمواجهة التطور الكبير.
واستغلت أطراف متعددة انطلاقة حركة حماس، نهاية 87، بداية 88 لترى فيها قوة يمكنها ان تخدم نظرية "البديل المواز"، خاصة بعد رفضها أن تكون جزءا من "القيادة الوطنية الموحدة"، الأمر الذي مثل حافزا كبيرا لتلك الأطراف، ودون فتح تفاصيل التاريخ، فما كان شكل ثغرة في المشهد الفلسطيني العام، تبين أثره بعد إنشاء السلطة الوطنية فوق أرض فلسطين، وكيف تم استغلال حماس من دول وأطراف ضد الكيانية الوليدة.
ودون العودة لكل ما حدث خلال سنوات ما بين 1994 وحتى انتخابات 2006، التي وضعت خيار البديل واقعا "كيانيا" وليس فصائليا كما سبق، كمقدمة نحو الانقسام وتطويره للانفصال، والذي بات راهنا واقعا قائما، بعيدا عن كل المسميات التي تطلقها أطراف الانقسام، لأنها خلقت موضوعيا نكبة سياسية جديدة للشعب الفلسطيني، كانت القاطرة الأبرز لتوسيع المشروع التهويدي والاستيطاني، وإنهاك المشروع الوطني الفلسطيني الى حد الخطر من استمراره موحدا، لزمن غير معلوم.
ولأن الانفصالية الكيانية لن تكون مضمونة النهاية، لا بد من العمل على تعزيز الانفصالية السياسية عبر زرع مجموعة "أوهام" حول التمثيل الفلسطيني، ويبدو أن أطراف واسعة في حركة حماس أصيب بداء "الوهم السياسي"، بأنها باتت قادرة على تحقيق "حلمها الخاص" لتحتل مكانة حركة فتح التمثيلية، وأن الظروف التي تعيشها السلطة وفتح تحت قيادة الرئيس محمود عباس، وما أصابها من "شقاق" بفعل فاعل كان هو من زرع بذرة الانقسام الوطن، ببحث تعزيزه بالنيل من وحدة فتح، التي بدونها لم يتمكن من استمرار في حالة الانقسام – الانفصال.
من يتابع التعئبة الحسماوية في الأشهر الأخيرة، وخاصة بعد وقف الانتخابات التشريعية، يمكن أن يلاحظ تنامي تعزيز الذهاب لأن حماس هي القوة المقررة، وفتحت باب نيرانها بكل المظاهر ضد حركة فتح، تحت ستار السلطة والأجهزة، في عملية خلط منظمة وهادفة، متجاهلة أنها تقود حكما انفصاليا لا يسمح لغيرها أن تعبر عن ذاتها، وأي خروج عن رغبتها يكون "الحسم العسكري حاضرا"، وبذريعة حماية "حكم المقاومة".
نعم، تعيش حركة فتح حالة غير مسبوقة، وهوان سياسي لم تعرفه الحركة، التي فجرت الثورة المعاصرة وقادتها نحو تأسيس أول كيان فوق أرض فلسطين، وخسرت كثيرا من قوتها وقدرتها، ولكن ما لا يراه البعض المتسرع، المنفوخ بطريقة خاطئة عمق العلاقة الفطرية بين فتح والشعب الفلسطيني، رغم كل "مصائبها الوطنية"، فلا تزال هي القوة الأولى بمختلف مسمياتها، ولا تزال الحاضر الأهم بين أهل فلسطين، ولو أدرك الرئيس عباس ومن معه، أن "الانتقامية السياسية" من قيادات وكادر فتحاوي، لم تكن سوى خدمة لغير فتح، وبالتالي لكل مشروع غير المشروع الوطني، لما تحدث المنتفخون وهما بما يتحدثون.
تعبئة حماس السياسية مؤخرا تمثل جرس إنذار لن تسلم منه ذات الحركة، رغم اعتقاد قيادتها غير ذلك، وعليها قبل الآخرين، ان ترى معنى السماح لقطر وتركيا استضافتها، والسماح لها ممارسة سياستها التي باتت تمس التمثيل الشرعي الفلسطيني، دون أن تنسى تجارب وجودها في الأردن لمدة 10 سنوات والهدف السياسي من وراء ذلك، وانتهت بقرار إداري، فغادرت الى دمشق والتي استخدمتها، مع إيران، لهدف سياسي لم يعد مجهول، حتى أدارت حماس ظهرها الى من "احتضنها" بعد طرد، فكانت قطر الحضن الجديد مع تركيا.
هل تعتقد قادة حماس، أن حضورها التركي القطري يمكن أن يستمر لو قررت أمريكا غير ذلك، ما يجب أن يكون "حافزا" لها ان تقف وتفكر وعدم الذهاب بعيدا في غرور بأنها البديل، وأن سلاحها في القطاع كاف لذلك، والحقيقة أنه السلاح لن يخفي ثغرة علاقتها بأهل القطاع.
من يعتقد أن بديل فتح والمنظمة سيكون بديلا وطينا فهو إما واهم أو جهول أو متواطئ...ولذا قبل فوات ندم لا ينفع، توقفوا عن تعبئة سامة ضد الممثل الوطني وتوقفوا عن "وهمكم كبديل وطني"!
ملاحظة: فتح النار من قبل ساسة لبنانيين معروفين بعلاقتهم مع سوريا على خالد مشعل، واستخدامهم لغة لا أهلا ولا سهلا وعد الى حظيرة الجماعة الإخوانية، رسالة سياسية خاصة...مطلوب قراءتها صح..والكل عارف ليش!
تنويه خاص: هل تسمح قيادة حماس وحكومتها في قطاع غزة لحركة فتح حمل السلاح واقتناء الصواريخ والتظاهر بها...سؤال عرضي بمناسبة الاستعراض العسكري الأخير!