«مكان مؤقت»

رامي مهداوي.jpg
حجم الخط

بقلم: رامي مهداوي

كان من أكثر الشخصيات جدلاً في المجتمع الفلسطيني عند ظهوره على شاشة التلفاز، اجتمعت معه مصادفة وشربنا العديد من فناجين القهوة، استمعت له كما لو أنني أشاهده أول مرة، حدثني عن قضايا متنوعة شائكة وخطورة الإعلام في كيفية تناولها وما النتائج التي ستكون إذا اشتغل بها مواقع التواصل الاجتماعي.
 حدثني عن القرآن الكريم بنصه ومعجزاته اللغوية والفقهية، وتحدثنا عن الروايات والكتب التي قرأناها والتي نصحني أن أقرأها مثل: مذكرات ديفيد بن غوريون، داغستان بلدي لرسول حمزاتوف، وفي نهاية اللقاء أهداني سيرته الذاتية بعنوان "مكان مؤقت".
انتهيت من قراءة سيرته، استمتعت بما قرأت وتعلمت دروساً وعبراً من خلال ما عاشه هذا الإنسان ضمن تجاربه المختلفة من لحظة ولادته وحتى نهاية كتابه في الصفحة رقم 347. تحدث عن حاله بتجرد وحرص رجل الأمن، تحدث عن الصبر فهو الأسير، تحدث عن الأم فهو ابن رشيقة العرجة، تحدث عن الأرض فهو ابن مخيم طولكرم، تحدث عن العمل فهو الحلاق، المزارع، الصحافي، تحدث عن الحب فكانت خطوبته على شبك زيارة السجن، تحدث بلغة الحرص على المخيم فهو حارس الفريق ورئيس لمركز شبابه، تحدث عن الحركة الطلابية فقد كان رئيس مجلس اتحاد الطلبة في جامعة النجاح عام 1982، كتب بلغة شاعرية رومانسية فهو الشاعر والمُقرئ كما وصفه الشهيد ثابت ثابت.
وأنت تقرأ سيرته الذاتية تجد بأن النصوص التي كتبها متداخلة ومركبة كما هي شخصيته بناءً على تجاربه المختلفة، فهو يفيض بذكرياته ويضعها لنا كما هي دون احتساب التواريخ، فيقدم لنا الكلمات والجمل كأنها حكاية مروية بسيطة سلسة تعبر عن أي فلسطيني عاش الفترة الزمنية التي عاشها بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وهنا يجب أن أقول بأن كل فلسطيني عبارة عن حكاية وتاريخ، يجب أن يتم التعامل معه ضمن ظروفه التي عاشها والتي عملت على صقل شخصيته، لهذا نجد أن ابن رشيقة منذ لحظة ولادته صرخت أمه بالإعلان وغنّت "يا أهل البلد... رشيقة جابت ولد" وهذا الإعلان لهو تحدٍ عالٍ للمجتمع وفي كيفية بناء وتنشئة هذا الطفل الذي سيترعرع في زقاق المخيم ويتحمل مسؤولية أخواته في أبسط القضايا لقضاء حاجتهن واستخدام المرحاض عندما كانت المراحيض تقسم حسب التجمعات في داخل المخيم!!
في سيرته "مكان مؤقت"، تستطيع استنباط مكونات الكاتب، لكن أنا متأكد بأن ما لم يكتبه عدنان الضميري وبقي يحتفظ به لذاته ضمن عقلية رجل الأمن لهو أكثر حساسية ربما مقارنة بما نشره، وخصوصاً بأنه علمني درساً أثناء لقائنا بأن المتحدث باسم المؤسسة الأمنية ليس بالضرورة أن يتحدث بكل المعلومات التي لديه حفاظاً على السلم الأهلي، وقدم لي عدداً من النماذج التي تحملها هو شخصياً خوفاً من إشعال النار بين عائلتين أو قريتين وربما بينه وبين العديد من الشخصيات الاعتبارية!!
كما تعلمون، كتب السيرة تطعم من يلتهمها بخبرات الآخرين المتنوعة وتختصرها له. فكل من يكتب سيرته فهو يقدم بشكل مباشر أو غير مباشر زبدة تجربته وخلاصة نصائحه للقراء، أستطيع القول بعد قراءة سيرة عدنان الضميري أنه أراد أن يقول لنا ليس هناك مستقبل في أي وظيفة، وإنما المستقبل في الشخص الذي يشغل هذه الوظيفة.