” في سلاح الجو يشخصون فرصة للتهديد الذي يمكن أن يحول اسرائيل الى لاعبة مركزية بالنسبة للمزيد من الدول في المنطقة. وفي اسرائيل يبحثون عن نظام اقليمي جديد تشارك فيه الامارات والسعودية “.
تفاصيل قليلة تضمنها البيان الرسمي الذي نشر في نهاية الزيارة الاولى لرئيس الحكومة نفتالي بينيت في اتحاد الامارات. بينيت حصل على هدية من السماء: سلفه بنيامين نتنياهو هو الذي ضمن له الاختراقة في العلاقات مع دول الخليج، بفضل الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب. ولكن نتنياهو لم ينجح في قطف الثمار، على شكل زيارة مغطاة اعلاميا في الامارات بسبب تضافر الظروف في الاشهر الاخيرة من ولايته: التوتر الامني وتفشي الكورونا وفي النهاية ازمة مع الاردن، التي منعت طائرته من الطيران عبر اراضيها متوجهة الى الخليج. لذلك اضطر الى الاكتفاء بتسريب متعمد عن زيارة سرية للسعودية، التي لم تترك أي انطباع كبير على الناخبين الاسرائيليين.
نتنياهو بالتأكيد نظر لزيارة بينيت بحسد، وايضا مر عليه اسبوع صعب في الداخل وفي الخارج، بعد الغاء الحماية لابناء عائلته وما تم كشفه في كتاب الصحافي براك رفيد عن التغيير الكبير في نظرة ترامب تجاهه، منذ أن اضطر الى تهنئة جو بايدن بفوزه الشرعي في الانتخابات الرئاسية. من ناحية اخرى، يصعب القول بأن الجمهور الاسرائيلي تأثر بشكل خاص من الاستقبال المحترم الذي حظي به بينيت في الخليج. القلق من عودة الكورونا احتل عناوين اكثر. بينيت تحدث مع مضيفه ولي العهد الامير محمد بن زايد حول التطورات في المفاوضات النووية مع ايران، لكن اتحاد الامارات، التي يمر فيها مؤخرا قطار جوي من الزيارات لزعماء من العالم، كانت حذرة من اتخاذ موقف علني بخصوص الجارة التي تهددها من الشرق.
اضافة الى ذلك، هي تحرص على تحسين علاقاتها مع طهران. وحتى أن مستشار ابن زايد للامن القومي قام بزيارتها بصورة نادرة عشية قدوم بينيت. قبل سنتين تقريبا، بعد أن قدمت ايران نموذج على قدرتها الهجومية بواسطة الطائرات المسيرة، التي دمرت منشآت نفط في السعودية، فانهم في الامارات اهتموا بانفسهم والتنازل عن الحرب الدموية التي تشنها الرياض ضد المتمردين الحوثيين في اليمن المدعومين من ايران.
جزء من سياق زيارة بينيت تم الكشف عنه في الشهر الماضي بالاقوال التي لم تحصل حتى الآن على الاهتمام المطلوب. قائد سلاح الجو، الجنرال عميكام نوركين، تطرق في لقاء في جامعة رايخمان في هرتسليا لتهديد الطائرات المسيرة المتطور، القادم بالاساس من ايران. وقد قال انه “في اشتداد التهديد الجوي تكمن ايضا فرصة استراتيجية. عن طريق تطوير برامج دفاع اقليمية للردع، اكتشاف واعتراض الطائرات المسيرة، فان اسرائيل يمكنها أن تتحول الى لاعبة مركزية وهامة بالنسبة للدول التي تتعرض لتهديد المسيرات الايرانية، والى جانب ذلك أن تطور عمق استراتيجي مطلوب في المعركة المتواصلة امام ايران”.
يبدو أن نوركين قد اشار بذلك الى احتمالية أن وسائل الكشف (الحساسات) من منظومات اسرائيلية سيتم نشرها في المستقبل في الشرق، في دول الخليج، وستوفر لها ولاسرائيل انذار مبكر من هجمات الطائرات المسيرة، لكن نفس هذا الحل يمكن استخدامه ايضا ضد تهديد بعيد المدى واكثر خطورة، وهو الصواريخ البالستية. هذا توجه الامريكيون حتى يمكنهم الاندماج فيه، وقد تطرق اليه بينيت في السابق عندما تحدث عن اقامة منظومات دفاع جوية قبل بضعة اشهر. ورغم أن هجوم اسرائيلي ضد ايران لا يوجد على الاطلاق في الاجواء الآن، إلا أنه يبدو أن هناك من يحاولون اعادة بناء التهديد تقريبا بأي ثمن. هكذا، تستمر معركة الاتهامات بين بينيت ونتنياهو حول مسألة هل تم التنازل عن الاستعداد للخيار العسكري في السنوات الثلاثة الاخيرة من ولاية نتنياهو، رغم أنه ظاهريا كان ملتزم باستئنافها بعد أن قام باقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي في ايار 2018.
نتنياهو رد على انتقاد بينيت بصورة مترددة بدرجة ما هذا الاسبوع عندما قال في قائمة الليكود بأنه يأمل أن “هذه الاحاطات التي اسمعها مؤخرا لم تستهدف تهيئة الرأي العام لعجز الحكومة بالقيام بما يجب فعله”. رئيس المعارضة لم يوفر بعد التفسير المقنع لتصرفه. الى هذا الخلاف جر هذا الاسبوع ايضا رئيس الاركان افيف كوخافي. في “اخبار 13” نشر أن كوخافي، الذي قبل سنته الرابعة في منصبه بدأ يلتقي ايضا مع محللين سياسيين ومع منظومات اعلامية، طلب من نتنياهو عدة مرات اضافة خاصة لاستئناف الاستعدادات لمهاجمة المنشآت النووية، لكنه لم تتم الاستجابة له في اعقاب جمود الميزانية الذي فرضته اربع جولات انتخابية.
هذا ادعاء غريب الى حد ما. اذا كان من المهم جدا لرئيس الاركان الاستعداد ازاء ايران فانه كان يمكنه أن يضرب على الطاولة قبل وقت ابكر، أو أن يهتم بتحويل ميزانيات داخلية من موارد الجيش الاسرائيلي مثلما فعل بخصوص البنود العزيزة عليه من الخطة متعددة السنوات “تنوفاه”. رد الليكود الذي جاء من قبل نتنياهو كان اكثر غرابة. لقد كان حذر من مهاجمة كوخافي مباشرة، لكن حزبه اعلن بأن “الاحاطة التي جاءت في القناة 13 هي مضحكة وكاذبة. خلافا لما تم الادعاء به فان رئيس الحكومة نتنياهو هو الذي طلب ميزانية اضافية لمهاجمة ايران، وتم الرد عليه من قبل الجيش بالسلب”. هذا رد غريب يقول بأنه في اسرائيل هناك هرم مقلوب. رئيس الحكومة، المسكين جدا، اراد ذلك، لكن بما أن الجيش، المسؤول عنه كما هو معروف، منع ذلك. فقط تم اجباره مرة اخرى على أن ينام وهو جائع.
ملخص للقاريء المشوش: نتنياهو وكوخافي لم يهتما باستئناف الخيار العسكري ازاء ايران، لأن لا أحد منهما اعتبره سيناريو عملي في حينه. نتنياهو أمل أن يقوم ترامب من اجله بالعمل، بواسطة استراتيجية الضغط بالحد الاعلى والعقوبات التي تؤدي الى الشلل، يجعل ايران تركع وربما يؤدي الى انهيار النظام. كوخافي مثل سلفه، غادي آيزنكوت، لم يؤمن بأن امكانية الهجوم واقعية، وفضل وبحق توجيه موارد الجيش لاغراض اخرى. فقط في كانون الثاني الماضي، حيث كان ما زال يخضع لنتنياهو، تعرض رئيس الاركان للانتقاد لأنه لاءم موقفه مع المستوى السياسي وحذر ادارة بايدن، التي تسلمت للتو مسؤولياتها، من تداعيات استعدادها للخضوع في المفاوضات مع ايران. الآن يتم اطلاق اتهامات متبادلة من خلال تضليل الجمهور.
ليس لدينا الوقت
الكثير من الافكار الحالية للقيادة الاسرائيلية بشأن ايران تم الكشف عنها خلال زيارة وزير الدفاع، بني غانتس، في واشنطن في نهاية الاسبوع الماضي، خاصة في اللقاء الذي اجراه مع ممثلي معاهد الابحاث الكبيرة في العاصمة الامريكية. غانتس، مثل كثيرين ممن تحدث معهم هناك، قلق من التداعيات المحتملة لاستمرار الانسحاب الامريكي من الشرق الاوسط ووسط آسيا. ولكن في محادثات مع شخصيات رفيعة في الادارة الامريكية، سمع أنه من غير المتوقع في القريب اخلاء قوات اخرى، بعد الصدمة التي اثارها الانسحاب من افغانستان في الصيف الماضي. الوجود العسكري المحدود في سوريا وفي العراق سيبقى، ومثله ايضا القواعد الضخمة في الخليج.
توجد لمقاربة الادارة الجديدة، محاولة للعودة الى الاتفاق النووي مع ايران والتركيز على الصين وشرق آسيا، تداعيات كثيرة على المنطقة. في قطر يخافون من اخلاء قواعد سلاح الجو الامريكية ويغازلون ايران. في السعودية اوقفوا على هذه الخلفية تقدم خطوات التطبيع مع اسرائيل. غانتس عبر عن دعم كبير لخطوات التقارب بين السعودية والامارات وبين نظام الاسد في سوريا، رغم الاعمال الفظيعة التي ارتكبها في الحرب الاهلية، على أمل أن يساعد ذلك في تقييد تحركات ايران في الدولة. وقد قال إن الولايات المتحدة مجبرة على أن تبث الدعم لذلك من اجل تشجيع دول الخليج.
غانتس، بادعاء أنه لن يستقبل بحماسة في الادارة الديمقراطية، يعتقد أنه في الشرق الاوسط الاستقرار هو عامل حاسم اكثر من الحرص على حقوق الانسان. وقد دعا الامريكيين الى تعزيز الدول السنية المعتدلة حتى لو كان سجلها في هذا المجال متدني. تحسين حقوق الانسان، قال، سيتم تحقيقه فقط بعد أن يتم ضمان الاستقرار الداخلي. وحول النووي الايراني حذر من سباق تسلح اقليمي اذا تم السماح لايران بانتاج القنبلة، وذكر بامكانية أن الرئيس التركي اردوغان سيختار هو ايضا هذا المسار.
غانتس قال لكبار الشخصيات في الادارة الامريكية بأن الوضع الاقتصادي في ايران هو اسوأ مما تعرضه، وأن استئناف ضغط العقوبات الاقتصادية عليها يمكن أن يؤدي الى زيادة المرونة في مواقفها. وزير الدفاع سمع في واشنطن خيبة أمل معينة من التشدد الايراني، الذي بدون تقدم في المحادثات النووية يمكن أن ينزلق فيما بعد ايضا الى خطوات فعلية. اسرائيل بالطبع تريد ذلك، لكن مشكوك فيه اذا كانت ستحصل على ما تريده بالكامل. عندما شق غانتس طريقه عائدا من الولايات المتحدة سافر بينيت الى الخليج (الاثنان كانا بحاجة الى فحوصات كورونا كثيرة بسبب اعضاء الطاقم الذين اصيبوا بالكورونا). ومثلما في اللقاءات الاولى السابقة له مع حكام مصر والاردن، ايضا من أبو ظبي نشر عن خلق كيمياء متبادلة جيدة وتم التحدث عن الدفع قدما بالمصالح المشتركة. بالمقارنة مع ادارة ترامب، ادارة بايدن أقل تدخلا في العلاقة بين اسرائيل والامارات، وفي الواقع هي تبقي هذه الدول تعالج امورها لوحدها.
في اسرائيل يدركون الحساسية في الخليج حول الجيران الايرانيين، لذلك كانوا حذرين من رسائل علنية فظة. بينيت عمل اثناء زيارته على توسيع مجالات التعاون بين الدولتين. اضافة الى التوقيع على اتفاق تجاري تم الحديث عن مشاريع مشتركة والدفع بها قدما للطاقة المتجددة (اتحاد الامارات، كمنتجة نفط كبيرة، توجد لها مصلحة كبيرة في تحسين صورتها بواسطة عمليات تعتبر عمليات خضراء). في المحادثات طرحت ايضا امكانيات اخرى لاستثمارات من الخليج في اسرائيل، من الهايتيك وحتى صناعة المضامين والتلفزيون. بينيت سبق والصق بهذا شعار “تطبيع بواسطة الـ “نيتفليكس”.