ملاحظات على نتائج الانتخابات المحلية في المناطق المصنفة ج

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

بقلم: ريما كتانة نزال

نجاح 652 عضوة بنسبة 21.8% أحدث تقدماً طفيفاً على عضوية النساء في الهيئات المحلية في المناطق المصنفة ج، ولكن السمة العامة للتطور مازالت تتصف بالمراوحة. ما عدا ذلك من قراءة لنتائج الانتخابات فيندرج في إطار التوقعات، والأرقام أصدق أنباءً في إصدار الأحكام.
لا تتمتع الانتخابات في الواقع الفلسطيني بصفة الدورية، فقد كان من المفترض أن نكون أمام الانتخابات الخامسة وليس الرابعة بعد أول انتخابات جرت عام 2004، أما الأسباب فهي متنوعة، منها ما يُحال بأسبابه إلى الانقسام والخلاف السياسي، ومنها بسبب مصالح واعتبارات الحزب السياسي الحاكم، في جناحي الوطن.
وما بين الانتخابات الأولى التي جرت عام 2004 والانتخابات الرابعة 2021/2022، وما سبقها من مرحلة استمرت ست سنوات تقريبا اعتمدت على التعيين، يمكن استخلاص الملاحظات التالية من المنظور النسوي للمشاركة:
أولاً: لم تعد مسألة مشاركة المرأة في الحكم المحلي تشهد الجدل إلا فيما ندر والمحصور في بعض الهيئات المحلية، حيث سُجِّل امتناع 35 هيئة محلية في الانتخابات السابقة التقدم بقوائمها الانتخابية بسبب اعتراضها على مشاركة النساء.. لكن الجدل المُسجل على نسبة المشاركة النسوية وثباتها الخُمس فتتحمل الحكومة مسؤولية مراوحته بسبب امتناعها عن تطبيق قرار المجلسين المركزي والوطني (2015) كهيئة مرجعية قامت بتشكيل السلطة الفلسطينية. إن التردد الرسمي ومحاولات المساومة على القرار أو الالتفاف عليه، من نمط التمييز الجغرافي بين النساء على صعيد الكوتا أو محاولة تسويق القائمة المفتوحة التي تنتقص موضوعياً من مشاركة وكرامة المرأة وتشجع الأطراف المتشددة على الغلوّ في معارضة توسيع المشاركة وتعزيزها بما يوفر فرصة الاستغلال الأمثل للموارد البشرية المُعَطّلة.
ثانياً: إن مراوحة نسبة مشاركة العضوات قد أصبح علامة فارقة تميّز مشاركة المرأة في بُنى وهيئات صنع القرار في الحكم المحلي. فقد بلغت المشاركة في انتخابات 2004-2005 نسبة 14% في إطار نظامين انتخابيين رغم ترشح 19% من المرشحات لها، بينما ارتفعت نسبة المرشحات في انتخابات 2012-2013 إلى 25% بينما بلغت نسبة الفوز بالعضوية 21% من الأعضاء. أما في انتخابات 2017-2019 فقد بلغت 21.1% بالوقت الذي ترشح لها 26%. الارقام السابقة تؤكد التطور المحدود والبطيء في الوعي الاجتماعي، والمراوحة إن لم يوضع لها كوابح من طبيعة السياسات الرؤيوية، ستتحول إلى متوالية كمية وكيفية من التراجع نحو الخلف.
ثالثاً: تُشير النتائج إلى أن التزكية قد أنصفت المرشحات أكثر من الاقتراع، حيث نجحت في انتخابات كانون الأول2021 المصنفة ج حوالي 23% من المرشحات، بينما وصلت 20.5% من العضوات بواسطة الاقتراع وهو ما تكرر في جميع الانتخابات السابقة، ما يدفع إلى التأكد أن التنافس يقصي النساء، وأن مناطق التزكية تشهد زهداً مجتمعياً في الترشح وفي الاقتراع وحق الاختيار، ما يولد حالة يجدر الاقتراب منها للوقوف على طبيعتها ودوافعها وخلفياتها، وحسم الجدل فيما إذا كانت التزكية تُعَبِّر عن حالة توافقية أو بسبب القمع الآتي من مصادره المختلفة، أمنية أو عشائرية أو طبقية.
في ملاحظة أخرى ذات صلة بالتزكية، يُلاحظ نجاح 162 قائمة انتخابية بواسطة التزكية، منها 123 قائمة تعود لحركة فتح وبنسبة 80%، الأمر الذي يتم استيعاب مصالح دفاع الحركة المستميت ضد جميع المحاولات التي تربط التزكية بضرورات تشريعها بالمشاركة المجتمعية.
رابعاً: إن مشاركة المرأة قد تعدَّت نطاق العاملات في المنظمات النسوية، فقد ضمت إلى جانب عضوات المؤسسات النسوية والأحزاب السياسية مستقلات عاملات في سلك التعليم ومهندسات وطبيبات ومهنيات وربات بيوت وشابات جامعيات لم يكنّ في السابق منخرطات في العمل العام، وأشارت الإحصائيات الى ان نسبة الحاصلات على درجة البكالوريوس والماجستير من العضوات بلغت 77.5%، كما أن العنصر الشاب حتى سن 45 منهن قد بلغ 70% وهي نسب اعلى من تلك الخاصة بنظرائهن من الرجال.
خامساً: إن بيئة العمل غير المستقرة عموماً أو طريقة ترشيح العضوات أو البيئة المشحونة بالخلافات تشكل عاملاً دافعا للاستقالة، رغم أن النساء غير ضالعات بالخلافات بشكل عام. وفي سياق يتصل بالإطلالة على كيفية اختيار العضوات، تستمر العقلية والمنطق الذكوري في التحكم في عملية ترشح المرأة وترتيب مواقعها في القائمة الانتخابية دون استشارتها او اندماجها في التفاوض. وفيما بعد دورها في حال عدم تجاوز ممارسات سابقة تتعمد إقصاءهن عبر تحديد مواعيد الجلسات الملائمة لطبيعة ظروفها، أو تزويدها بجدول الأعمال قبل الجلسات واستثنائها من الكوْلسات والحوارات والتوافقات خارج الجلسات الرسمية.
سادساً: استمرار وتنامي النفوّذ العشائري والبعد العائلي ولاسيما في قبول او رفض ترشيح المرأة للانتخابات، وحتى في كيفية ممارسة دورها في حالة فوزها والتحكم في مسألة بقائها او استقالتها. فما زال قرار ترشح المرأة وخاصة في المناطق الريفية والمجالس القروية عائلياً وعشائرياً ولو بحده الأدنى؛ إلّا أن إلزامية الكوتا والتجربة ساعدت على التفهم الأسري لترشح وانتخاب المرأة، علاوة على أن العضوات استطعن تجيير الموافقة لصالحهن بفضل حضورهن وتميزهن العلمي والاجتماعي واثبات نجاحهن وتفوقهن، بما دفع مشكلي القوائم الى التوجه مباشرة اليهن ومطالبتهن بالترشح مجدداً، ما أعطى العضوات موقعاً أفضل للتفاوض على ترتيبهن في القوائم.
سابعاً: تكرار ظاهرة حجب صور المرشحات تؤكد على ضرورة علاجها بالقانون، فالقانون بإلزاميته أحد أهم آليات التغيير الاجتماعي، علاوة على أهمية التدخل من القيادات النسوية في التصويب المطلوب انطلاقاً من تفهم الواقع وعدم التعالي عليه.
ثامناً: أن الاعتراف بدور العضوات لا زال إقراراً فردياً ومشروطاً، يمر من خلال تقديم البرهان المسبق على أهليتهن. فالمرأة في العمل العام تنقصها الأهلية والكفاءة إلا إذا ثبت العكس، بينما الاعتراف بالأعضاء وصلاحيتهم يحوز على الإقرار الجمعي المسبق، إلا إذا ثبت العكس.  
بانتظار انتخابات المرحلة التالية في آذار 2022 المقبل، مبتدأ وخبر الانتخابات المحلية خطوة نسوية إلى الأمام، تقابلها خطوة مجتمعية إلى الخلف، تتقدم المرأة أكاديمياً ومعنوياً وذاتياً بينما يستمر المجتمع في جموده التقليدي؛ وتستمر الحكومة في تجاهل دورها ومسؤولياتها محجمة عن التدخل الإصلاحي الجوهري المباشر. ذات المقدمات تقود إلى ذات النتائج. المطالب نفسها بالبعدين الوطني والاجتماعي، في كل صباح ومساء يأتي على فلسطين.