إعمار غزة...الجدار الأمني الحاضر والسياسي الغائب!

1622458077-1144-3.jpg
حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 تعود حركة الكلام ثانية الى مسألة إعادة "إعمار قطاع غزة"، مع كل قدوم لوفد مصري هندسي – أمني، كمحاولة لترميم الممكن لدمار أنتجته حروب عدوانية لدولة الكيان، استهدفت الحاق أكبر خراب في البنية التحتية والبناء، في ظل حصار مركب في رسالة عقابية، خارج سياق إعادة احتلال القطاع، لتضمن دولة العدو القومي تنفيذ خطتها الانفصالية دون ثمن سياسي.

إعادة "إعمار قطاع غزة"، يمثل أولوية إنسانية لسكان القطاع، الذين يدفعون ثمنا متعدد المظاهر، بين حروب متلاحقة في متوالية غريبة، 4 حروب خلال14 عاما منذ انقلاب حماس يونيو 2007، عدا عمليات القصف الآني، التي لا تتوقف مع أي بالون ملون أو صاروخ أصابه "ملل الحصار".

للمرة الأولى تتحرك مصر للمزاوجة بين مسارين أمني وبنائي، بعد حرب مايو / أيار 2021، التي أربكت دولة الكيان عبر مسار عسكري اقترب من بعض خطوط "حمراء"، وحدث تعديل في المعادلة التي سادت طويلا برعاية قطرية "التهدئة مقابل المال"، لتصبح أقرب الى معادلة "الأمن مقابل الإعمار"، ليصبح بعدا أكثر شموليا في المشهد القائم بين قطاع غزة ودولة العدو القومي.

الانتقال من "المال" الى "الإعمار" ومن "التهدئة" الى "الأمن" يتطلب تدشينا لمرحلة تؤسس لحركة من "الهدوء الطويل"، ومنع الذهاب الى حرب شاملة، ما لم يحدث تطورا جوهريا فارضا لها، ولكن ضمن مسار الحياة السائدة لما بعد الانقلاب الحزيراني، سيصبح "الإعمار" بذاته جدارا أمنيا فاصلا، ما يمثل شرطا لتغيير مركبات الحصار وفك بعض قواعده الإسرائيلية، بعيدا عن قواعد المعادلة القديمة وحقائب المال التي كانت تدخل عبر معبر بيت حانون، وتذهب الى حيث يستفيد منها حاملها، وليس من دفع ثمن حروب التدمير.

تغيير المعادلة من "حقائب المال" الى "وسائل الإعمار"، فتح باب علاقة أمنية أكثر شمولية مما كانت، ولذا يلاحظ أن الالتزام الصارم من حكومة حماس وتحالفها العسكري، يكاد يكون خارقا ومدهشا الى حد اللامعقول، بعدم قيام أي طرف بالمس بحالة "الهدوء الأمني المطلق"، رغم كل الجعجعة التهديدية التي يطلقها البعض بين حين وآخر، تغطية على قوة "العلاقة الأمنية الجديدة" بين سلطة حماس وسلطة الكيان، عبر الأشقاء في مصر أساسا، وثانويا عبر الأشقاء في قطر.

تغيير جوهر المعادلة "من المال السائب" الى "المال الاقتصادي"، ليس بسبب أن "المال السائب" يستخدم لتطوير البنية العسكرية لحماس والفصائل المتحالفة معها، فتلك "مكذبة" تعرف تماما حكومة الإرهاب السياسي في تل أبيب، أنها ليست سببا حقيقيا، ولكنها "النقاب السياسي" الذي تريد من خلاله تثبيت معادلة البناء الاقتصادي كي يكون أحد "الجدر الواقية" المكبلة لأي تدهور أمني غير محسوب، وربط مصالح سكان قطاع غزة مباشرة بالبعد الأمني، بحيث يصبح كسر معادلة "الأمن مقابل الإعمار" أكثر تعقيدا وتكلفة من "المال مقابل التهدئة"، التي خدمت الحكم والفصائل على حساب السكان.

لم يكن منح ألاف من تصاريح العمل مباشرة لحكومة حماس سوى أحد مظاهر التغيير بربط مصالح الناس بالأمن الجديد، خاصة وأنها المرة الأولى التي يسمح لآلاف من عمال القطاع بالذهاب الى العمل في داخل الكيان، رغم محاولات أطراف اليمين الأكثر كراهية للفلسطيني برفض ذلك.

وكانت حركة تغيير قواعد الاستيراد والتصدير التجارية جزءا من معادلة "الأمن مقابل الإعمار"، كتقييد مضاف تراه حكومة "الثنائي ونصف" في تل أبيب، الى جانب دراسة قواعد عمل جديدة بين مصر وقطاع غزة، في علاقة التبادل التجاري وعمل المعبر الى جانب بناء مدينة اقتصادية – سياحية لخدمة القطاع وسكانه، لتتكامل مع تغيير العلاقة الاقتصادية بين حكومة حماس وحكومة تل أبيب.

المعادلة الجديدة، التي تخدم أهل قطاع غزة بشكل مباشر، تحمل في طياتها مظهر خطر سياسي، يكرس البعد الانفصالي، ما لم تتحرك السلطة المركزية في رام الله كي تفك حصرها وشراكتها في حصار قطاع غزة، وتلغي كل القرارات سيئة السمعة ضد موظفي القطاع، الذين دفعوا ثمنا مزدوجا لموقفهم الانتمائي للمشروع الوطني.

لو حقا السلطة المركزية الفلسطينية في رام الله ليس طرفا في دفع "الانفصالية الغزية"، عليها المسارعة لأن تكون فاعلا في المعادلة الجديدة وحصار بعدها السياسي، لتكون خدمة لأهل القطاع وليس ضررا لأهل فلسطين.

الانتقال من معادلة "التهدئة مقابل المال" الى معادلة "الأمن مقابل الإعمار" يمكن أن تكون سيفا بيد أهل قطاع غزة.. وأيضا يمكنها أن تصبح سيفا على رقاب "أهل فلسطين"...فذلك بيد حكومة الرئيس عباس دون غيره!

ملاحظة: ليال ملاح دولة الكيان بالوصول الى منفذي "عملية نابلس" ضد الإرهابيين المستوطنين تكشف قيمة العملية.. ليس بطولة اعتقال منفذ العملية بل البطولة تنفيذ العملية.. صراع مستمر بين قبضة فلسطينية وبندقية عدو محتل!

تنويه خاص: فرح مركب لنتائج انتخابات رئاسة تشيلي..فوز شاب عمره 35 عاما وأن يكون يساريا يعيد بعث روح فرضها الرئيس اليساري الأول في أمريكا الجنوبية.. جاء برويك لينتقم ديمقراطيا من مغتالي اليندي.. سلاما لروحه وأهلا بمن يواصل ما كان بناء ثوريا جديدا!