كتب القيادي في حركة حماس د. أحمد يوسف، مقالاً علَّق فيه على مؤتمر تيار الإصلاح الديمقراطي بحركة فتح، والذي تم عقده الأسبوع الماضي في مدينة غزّة، لانتخاب قيادة جديدة للتيار في محافظات القطاع الخمس.
وفيما يلي المقال كاملاً كما وصل وكالة "خبر":
كان ملتقى قيادات وكوادر تيار فتح الإصلاحي بتعداده الكبير في فندق المتحف الأسبوع الماضي لافتاً للنظر، من حيث التنظيم والإدارة، وما تمَّ طرحه وتداوله من أفكار واقتراحات.. ولعل الأبرز منها هو ما طرحه النائب محمد دحلان في كلمته، والتي تناولت استعراضاً للمشهد السياسي الفلسطيني، والحديث عن فكرة التيار، وأنها لم تأتِ كحركة تمرد أو انشقاق، بل كانت انعطافة تصحيحية، بعد أن استفحلت حالة التفرد والدكتاتورية بالتغييب المتعمد لدور المؤسسات الفتحاوية الحركية، والتهميش لأي فعالية حقيقية لصناعة القرار أو اتخاذه خارج حسابات الرئيس والملأ من حوله، مع انعدام لمشاعر الرحمة والأبوية التي كرَّسها الراحل ياسر عرفات (رحمه الله).. ومع ذلك، كانت فكرة التيار لِمن تمَّت معاقبتُهم وإقصاؤهم بظلمٍ من القيادات والكوادر هي البقاء داخل الحاضنة الفتحاوية التاريخية، وإجراء الإصلاحات إلى أن تأتي الفرصة باستعادة اللحُمْةِ التنظيمية واجتماع الشمل الفتحاوي بغياب الفرعون.
إن من الأشياء التي لم تغب عن السمع والبصر عند التملِّي في الخطاب، هي أيضاً ما أشار إليه دحلان من اعتناقه على المستوى الشخصي لفكرة "الدولة الواحدة"، كإطار لحل الصراع مع الاحتلال، وهي فكرة سبق أن تحدث بها الكثير من المفكرين الفلسطينيين، ولكنها لم تلقَ القبول لدى الإسرائيليين، وإن كانت تتعاظم اليوم المطالبة بها كخيار بديل لحل الدولتين، الذي أوشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وفي سياق الحديث عن العملية الديمقراطية داخل التيار كإطار لعملية التصحيح والإصلاح، جاء النداء بالتوجه للانتخابات التنظيمية، وفق ضوابط تمنح الفرصة للكوادر الشبابية والمرأة بأخذ دورهما في قيادة مؤسسات الحركة، وتقديم نموذجٍ يُصلحُ ما أفسده تسلط الزعيم الفرد، ويَصلحُ أن يكون "قدوة" للآخرين
قد نختلف مع دحلان في بعض المواقف والأفكار لتباين الانتماءات والرؤى، إلا أننا -ومن باب العدل والانصاف- نرى أنه يطرح الكثير من صيغ التوافق واللقاء مع "الكل الفلسطيني"، وخاصة مع حركة حماس في سياق الشراكة السياسة والتوافق الوطني.
قطاع غزة: الساحة ودلالة المكان
لا شك أن انعقاد المؤتمر التنظيمي الأول في ساحة غزة له الكثير من المعطيات والدلائل، أولها؛ المكانة التاريخية لقطاع غزة كخزانٍ للثورة والوطنية الفلسطينية، وموقع القرار وصاحبه في وضع أية تصورات لحلول أو مواجهات قادمة. ثانياً؛ إن الخلافات التي افتعلها البعض مع غزة لم يعد هناك اليوم ما يبررها، حيث إن غزة كانت وما تزال هي حاضنةٌ للوفاق والديمقراطية، وساحةٌ مفتوحة للجميع من أصحاب الأيدولوجيات والخصوم السياسيين. ثالثاً؛ إن هذا المؤتمر الكبير يدحض الادعاءات بأن "غزة مختطفة"، ولا أمل بالتحرك على ساحتها لغير حماس. رابعاً؛ اللقاء كان إطلالة للرد على كل من يحاول سرمدة الخلاف مع فتح وتأبيده، إذ إن شواهد الحال جاءت لتقول غير ذلك. خامساً؛ إن حجم المشاركة الواسعة في المؤتمر، من حيث التنوع والانتماءات المختلفة من الشخصيات الوطنية والأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني والمخاتير ورجال الإصلاح، هي حكمٌ قطعيُّ الدلالة بأن "فزّاعة" حماس ليست أكثر من ضجة مفتعلة.
انتخابات التيار: لفتة تستحق التقدير
إن من الأشياء التي أثارت انتباهي حقيقة هي العملية الانتخابية للتيار بما سجلته من نزاهة وشفافية، والابتعاد عن مظاهر "الكولسة"، التي تفسد كل عرس ديمقراطي، وتُضعف البناء التنظيمي، وتعمل على تقويض روح التآخي بالتناجي والوتوتات.
لقد كتب الصديق عدلي صادق، القيادي في التيار والسفير السابق، قائلاً: إن المؤتمر سيد نفسه... وأن كلَّ ما نعرفه أن المرشحين لعضوية المجلس والهيئة القيادية، وعددهم أكثر من مئة، من بينهم نسبة كبيرة من الحائزين على شهادات الدكتوراه والماجستير، وكل من ينجح سيكون قد حاز على ثقة أعضاء المؤتمر... وما سيخرج به المؤتمر سيُعتمد، وبعدها تجري مؤتمرات مشابهة في ساحات أخرى، وفق الصيغ المتاحة، لكي يجتمع المجلس العام للتيار، وستكون هناك هيئة استشارية غير تنفيذية من المتقاعدين الكبار والطيف المؤسس للتيار".
أتمنى أن يظل قطاع غزة ساحة مفتوحة للجميع، والوسادة العامرة بالراحة لكل متعبٍ فلسطيني، وأن تترسخ داخل فضائه كلُّ القيم النضالية والسياسية والإنسانية والوطنية، وأن يشعر كل فلسطيني في الوطن والشتات أنه واحةٌ للديمقراطية، وأن الاختلافَ على ساحته لا يُفسد للود قضية.
مع تمنياتنا لإخواننا في تيار فتح الإصلاحي بكل التوفيق في إجراءاتهم التصحيحية، واجتهاداتهم في الحفاظ على وحدة الحركة.