هارتس : اعتقال منفذي عملية "حومش": الضفة والقدس يغليان

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل




بعد اختطاف الفتيان الثلاثة في غوش عصيون في صيف 2014، وبشكل أكثر شدة بعد بدء موجة عمليات الاشخاص الأفراد في الضفة الغربية وفي القدس في خريف 2015، قام الجيش الإسرائيلي بملء شوارع الضفة بآلاف الكاميرات، وأُضيفت إلى ذلك وسائل جمع معلومات أخرى وقدرات سريعة لـ "صهر" المعلومات الواردة من مصادر مختلفة وتقديم مسح مكثف للشبكات الاجتماعية، التي يستخدمها الجمهور الفلسطيني. حسّن دمج كل هذه الوسائل كثيراً قدرة إسرائيل على حل لغز العمليات. وليس مصادفة أنه بعد كل عملية يتم نشر دعوات في الشبكات الفلسطينية لتدمير الكاميرات في المنطقة بهدف جعل مطاردة "المخربين" أكثر صعوبة.
في الحالات التي لا توفر فيها الرقابة الاستخبارية المبكرة والموارد البشرية أي تحذير مسبق ومفصل يتم اتخاذ جميع التدابير التكنولوجية بعد الحادثة. هذا ما حدث كما يبدو أيضا، فجر أول من أمس، عندما نجحت قوات الأمن في اعتقال اعضاء الخلية المشتبه فيها بقتل طالب المدرسة الدينية، يهودا ديمنتمن، يوم الخميس الماضي، قرب بؤرة حومش الاستيطانية جنوب جنين. وقد مرت 56 ساعة بين العملية واعتقال المشبوهين بتنفيذها. بصورة مشابهة تم "إغلاق الدائرة" بسرعة ايضا بعد قتل الطالب يهودا غواتا في مفترق تفوح في ايار الماضي، وتم اعتقال السجناء الستة الذين هربوا من سجن جلبوع في ايلول، واحداً بعد الآخر .
استخدم "المخربون" في هذه المرة نوعين من السلاح التقني، بندقية ام16 ووجد معهم ايضا رشاش بدائي من نوع "كارلو". فلسطينيون أربعة من سكان قرية سيلة الحارثية هم الآن معتقلون بتهمة المشاركة المباشرة في العملية. وهناك اثنان تم اعتقالهما يشتبه بأنهما مرتبطان بشكل مباشر بالعملية. حسب وسائل الاعلام الفلسطينية فان بعض أعضاء الخلية هم سجناء امنيون سابقون من "الجهاد الاسلامي". عدد منهم هم من ابناء عائلة جرادات التي عدد من ابنائها كانوا من قادة الانتفاضة الثانية في المنطقة، وشاركوا في عمليات قاسية نفذها "الجهاد الاسلامي" في تلك السنوات.
فور العملية تقرر في الجيش استدعاء ثلاث كتائب نظامية الى الضفة، اضافة الى الوحدات الخاصة. فقط عدد قليل منهم شاركوا في البحث عن "المخربين". استهدف تعزيز القوات تحسين الحماية على الشوارع ("المخربون" الذين قتلوا ديمنتمن كمنوا في الظلام على جانب الشارع)، لكن ايضا للمساعدة في استعادة الشعور بالأمان في أوساط المستوطنين. مؤخراً تظهر هناك زيادة معينة في عدد عمليات إطلاق النار إلى جانب أحداث كثيرة نسبياً لرشق الحجارة والقاء الزجاجات الحارقة على السيارات الإسرائيلية.
مثلما في قضية هرب السجناء أيضا فإن حل لغز العملية وعملية الاعتقال السريعة دون الحاجة الى إطلاق النار يعيد شيئا ما من ردع إسرائيل، ويقلل ولو بالقليل خطر استخدام هذه العملية كمصدر إلهام وتقليد من قبل "المخربين" القادمين. هذه المرة نضال الفلسطينيين لم يراكم شهداء جدداً، لكن الضفة الغربية وشرقي القدس ما زالت تغلي حتى بهذه الصورة. "المخربون" يأتون من خلفيات مختلفة، معظمهم من الشباب ويعملون على مسؤوليتهم. هم تقريبا لا يشركون أحداً في خططهم، ويذهبون لتنفيذ العملية وهم يحملون سكيناً أو بوساطة سيارة، على الأغلب على أمل الموت عند التقائهم مع الجنود.
الخطر الثاني يكمن في خلايا اكثر تنظيماً، على الاغلب تتلقى التوجيهات والتمويل من الخارج، من قيادة "حماس" و"الجهاد" في غزة وفي الخارج. احتمالية الضرر التي يمكن أن نتعرض لها من هذه الخلايا أكبر، لأنها مزودة على الاغلب بسلاح تقني أو مواد متفجرة، واجتازت تدريبا قصيرا قبل الخروج لتنفيذ العملية.
تصب "حماس" الزيت على النار في الوقت الذي تحرص فيه في هذه الاثناء على الحفاظ على وقف اطلاق النار مع إسرائيل في القطاع. ازدياد العمليات، مؤخراً، يعكس أيضا ضعف السلطة الفلسطينية. التنسيق الأمني بين الجيش الإسرائيلي و"الشاباك" وبين الأجهزة الامنية الفلسطينية تحسن في الواقع، وهو الآن مثلما كان في السابق، لكن سيطرتها على الأرض قليلة. في منطقة جنين بشكل خاص تسيطر مجموعات مسلحة، بعضها من أعضاء "فتح"، التي لا تمتثل لتعليمات السلطة.
في الخلفية هناك أيضا عنف من قبل مستوطنين متطرفين ضد الفلسطينيين. بعد قتل ديمنتمن تم ضرب فلسطيني بصورة شديدة في قرية قريوت، جنوب شرق نابلس، حيث اقتحم المستوطنون بيته. وحسب جهاز الأمن فإنه في السنة الأخيرة تم تشخيص ارتفاع في عدد الاعتداءات العنيفة ضد الفلسطينيين من قبل اليهود في الضفة. عندما ذكر ذلك وزير الامن الداخلي، عومر بارليف، في بداية الأسبوع الماضي في أعقاب محادثة مع دبلوماسية أميركية، تعرض لحملة اعلامية عدائية من قبل اليمين. هدف الحملة واضح، وهو أن يتم إخراج أي نقاش حول عنف الإسرائيليين من الخطاب الشرعي وردع وسائل الاعلام عن الانشغال فيه.
هكذا تم إقصاء أي نقاش حول وجود المدرسة الدينية في مستوطنة حومش التي تم اخلاؤها. قامت الدولة باخلاء حومش ضمن خطة الانفصال في العام 2005، وحسب القانون لا يوجد أي تصريح للاستيطان فيها. مع ذلك، منذ سنوات تعمل في المكان مدرسة دينية تشمل عشرات الطلاب، وتغض الحكومة والجيش النظر. الآن، رؤساء مجلس "يشع" يريدون استغلال عملية القتل في المكان من اجل أن ينظموا هناك استيطاناً جديداً دائماً في موازاة بناء سريع جداً لبؤرة استيطانية في منطقة الخليل. رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، الذي انتقد أقوال بارليف، قال إن المستوطنين بشكل عام هم السور الواقي لشعب إسرائيل في "المناطق". عملياً، الواقع عكس ذلك. فالجيش الإسرائيلي يستمر في نشر طبقة حماية واسعة بحيث تشمل فيها ايضا البؤر الاستيطانية غير القانونية.
الظروف في الضفة غير هادئة. وفي الحقيقة لم يعد إليها الهدوء النسبي منذ عملية "حارس الأسوار" في القطاع في ايار الماضي. هنا تعمل عوامل كثيرة يمكن أن تؤدي الى إعادة الاشتعال على نطاق واسع. ضعف السلطة والتحريض المتعمد من قبل "حماس" وخيبة أمل الجمهور الفلسطيني، الى جانب استمرار تعزيز الاحتلال من قبل إسرائيل، الذي هو مرتبط دائما بالمواجهات والاحتكاكات. في هذه الاثناء ما ينقص هو أساس آخر في هذه التركيبة من أجل أن تؤدي الى اشتعال أسوأ، ربما يظهر في حادثة عنيفة أخرى يمكن أن تحدث في الحرم، الذي ارتفع مستوى التوتر حوله مؤخراً.

عن "هآرتس"