هارتس : المقارنة بين الجولان والضفة الغربية تؤدي إلى ترسيخ الاحتلال

اوري زكي.jpg
حجم الخط

بقلم: أوري زكي*

 

 



هضبة الجولان أرض محتلة، لكن في هضبة الجولان لا يوجد احتلال. هذا التصنيف الدلالي جوهري بالنسبة إلى الذين يؤمنون بحقوق الإنسان. المقارنة التي أجرتها افتتاحية "هآرتس"، الأسبوع الماضي، بأن الوضع في هضبة الجولان هو مثل الوضع في الضفة الغربية، لا يمكنها تقويض شرعية الهضبة وسط أغلبية كبيرة من مواطني الدولة. لكنها، في المقابل، تسيء بصورة كبيرة إلى محاربة ظاهرة أكثر خطراً وتشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل كدولة قومية يهودية – ديمقراطية، ألا وهي استمرار السيطرة العسكرية على السكان المدنيين، نحو 2.5 مليون فلسطيني.
مع الأسف، إنكار الاحتلال في الضفة الغربية ليس حكراً على اليمين فقط. إذ رفض عدد غير قليل من زعيمات وزعماء اليسار في الأعوام الأخيرة التلفظ باسمه علناً، مدّعين أنه "لا يوجد شعب محتل في بلدنا". وبالطبع، هذا خطأ فادح. إن معارضتنا العميقة للاحتلال في "المناطق" ليست ناجمة عن طريقة السيطرة على هذه "المناطق"، بل عن الأسلوب القمعي العنيف في تعريف نظام عسكري رفيع المستوى يسيطر على عدد كبير من السكان المدنيين.
هذا هو سبب معارضة اليسار المشروع الاستيطاني أعواماً طويلة؛ لأن للمستوطنات تأثيراً حاسماً فيما يجري على الأرض. إنها مصدر التمييز الخطر وتقييد قدرة الفلسطينيين على التنقل ووصول تجمعاتهم السكنية إلى المياه وغيرها. وبالإضافة إلى ذلك، هي سبب نشوء نظامين قانونيين في المكان عينه، يعتمدان على فوارق عرقية – قومية - دينية. وبينما تتمتع مجموعة بكل الحقوق التي يتمتع بها المواطنون في دولة ديمقراطية متقدمة، فإن المجموعة الأُخرى، التي تشكل أكثرية في هذه الأرض، تعيش في ظل حكم عسكري (منح ممثلي السلطات المحلية جزءاً ضئيلاً من الصلاحيات المدنية في المدن الكبرى). هذا دون مناقشة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.
كل هذه الظواهر ليست موجودة في هضبة الجولان، على الرغم من أن الجولان، مثل الضفة الغربية، احتُلَّ في حرب "الأيام الستة". لكن بعكس "المناطق"، حيث بقيت هناك أغلبية سكانية مدنية كبيرة، لم تكن هضبة الجولان منطقة كثيرة السكان حتى في أيام الحكم السوري؛ وخلال الحرب، وبعدها طُرد عدد كبير من السكان الذين كانوا يعيشون هناك. ومن مجموع قرابة 130 ألف نسمة، بقي أقل من عشرات الآلاف في القرى الدرزية على سفوح جبل الشيخ. عندما أُقر قانون الجولان في سنة 1981 جرى إلغاء الحكم العسكري، وطُبِّق القانون الإسرائيلي والحقوق التي يمنحها على المنطقة وسكانها. وكل مواطن يرغب في ذلك بإمكانه الحصول على الهوية الإسرائيلية. لا يوجد في هضبة الجولان نظام احتلال مع كل تداعياته.
هذا لا يعني أن الجولان هو مثل سائر "المناطق" ذات السيادة في إسرائيل. وعندما كان يُطرَح إمكان سلام مع سورية، كان رؤساء الحكومة، رابين وبيريس ونتنياهو وباراك، يعربون عن استعدادهم للقيام بانسحاب إسرائيلي في مُقابله. مع ذلك، لا يمكن تجاهُل ما جرى في سورية في الأعوام العشرة الأخيرة. ولا يزال الرئيس الأسد في منصبه، ولا يبدو أن الوضع سيتغير في الأفق المنظور. لهذا السبب فإن برنامج عمل حركة "ميرتس" يتعامل مع الجولان بصورة مختلفة تماماً، فقد نص على أن "(ميرتس) تتعاطف مع معاناة الشعب السوري، ومع رغبته في حكم ديمقراطي حر. وهي تدين العنف الذي يمارسه نظام الأسد ضد مواطنيه. وإذا أُلِّفت في دمشق حكومة ذات تمثيل يعترف بها المجتمع الدولي، يجب العمل على استئناف العلاقات مع سورية، على أساس مبادرة السلام الصادرة عن الجامعة العربية".
في ضوء هذا الوضع، لا يوجد سبب سياسي أو أخلاقي يمنع تطوير هضبة الجولان حالياً. صحيح كما أشارت افتتاحية "هآرتس"، يجب الأخذ في الحسبان الاعتبارات البيئية في منطقة التطوير، ومنع إقامة مستوطنات جديدة كي لا تضر بالمستوطنات المدينية الموجودة في المنطقة، مثل "كتسرين" و"كريات شمونة".
كما جرى مع مصر، في حال تغيُّر النظام في سورية وتأليف حكومة شرعية ترغب في السلام، أيضاً، حتى لو تضاعف عدد السكان الإسرائيليين في المنطقة، أو بلغ ثلاثة أضعاف، فإن هذا لا يشكل عائقاً في وجه السلام. في المقابل، استمرار الاستيطان في مناطق الضفة الغربية في ظل نظام الاحتلال هو أمر خطِر يجرّ إسرائيل كلها إلى كارثة. يتعين على حركة "ميرتس" وكل مَن يدرك ذلك أن يعارض بكل قواه الاحتلال وظلمه، والدفع قدماً بحل سياسي يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. التعامل مع الوضع في الجولان كـ"احتلال"، ومع التجمعات السكانية هناك كـ"مستوطنات" هو أمر بعيد عن ذلك.

عن "هآرتس"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عضو في حزب "ميرتس" ومؤسس جبهة الدفاع عن الديمقراطية.