إرهاب المستوطنين: المواجهة الشاملة في الضفة

اشرف-العجرمي.jpeg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن اعتداءات المستوطنين المتكررة على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية المحتلة، وقد أثارت تصريحات وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بار ليف عن عنف المستوطنين الذي تجاوز كل الحدود عقب لقائه فكتوريا نولاند وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ضجة هائلة في إسرائيل، وأعادت إلى مركز الاهتمام المحلي والدولي جرائم المستوطنين وإرهابهم ضد الفلسطينيين على مدار العقود الماضية. وكون الإسرائيليين هم من يطرح الموضوع فهذا يمنحه أبعاداً أوسع وأكثر انتشاراً على المستوى الدولي. خصوصاً أن طرح هذه المسألة خلق خلافات كبيرة بين مكونات الحكومة من جهة وبين اليمين واليسار من جهة ثانية.
في الواقع، لم تكن تصريحات بار ليف هي الأولى في الساحة الإسرائيلية، فتقارير المنظمات الحقوقية مثل «بيتسيلم»، و»يش دين» (هناك قانون)، وحتى حركة «السلام الآن» التي تتابع موضوع الاستيطان وتمثل أهم مصدر يفضح البناء الاستيطاني، كلها تحدثت عن ارتفاع كبير في عنف المستوطنين. وتقرير «بيتسيلم» يذكر أن عمليات رشق الحجارة ارتفع في العام 2021  من 90 حالة في العام 2019 إلى 135 عملية هذا العام، وأعمال العنف والاعتداءات الأخرى ارتفعت إلى 250 عملية بزيادة 28% عن السنة الماضية و250% عن السنة قبل الماضية. وازدادت كذلك أعمال عنف المستوطنين ضد قوات الأمن الإسرائيلية ووصلت إلى 60 اعتداء هذه السنة. مع العلم أن هذه الإحصائيات جزئية لا تشمل كل الحالات وهي ليست مسجلة جميعها ولكن هي ما وصلت هذه المنظمات، عدا أن العام لم ينته بعد كما أنها لا تتضمن ما حصل في الأسبوع الأخير بعد عملية قتل المستوطن من مستوطنة «حوميش» قرب نابلس حيث تم الحديث عن مئات عمليات الاعتداء على المواطنين والممتلكات، وشملت عمليات رشق حجارة بصورة كبيرة في معظم مناطق الضفة المحتلة.
كما أن جهاز «الأمن العام» (الشاباك) قدم تقارير للمستوى السياسي عن تصاعد وخطورة عنف وإرهاب المستوطنين، ولم تفعل الحكومات الإسرائيلية شيئاً يذكر في التصدي لهذه الظاهرة، على الرغم من الحديث المتكرر عن زيادة أعداد قوات الجيش والشرطة. وفي الحقيقة، يوجد ممثلون أقوياء وكثر للمستوطنين في «الكنيست» (البرلمان) وفي الحكومة، وهذا يمنع التصدي لهم ومعاقبتهم على جرائمهم. بل إن الحكومة الحالية ممثلة برئيسها المستوطن اليميني، ووزيرة داخليتها التي تنتمي إلى نفس حزب رئيس الحكومة «يمينا» هاجما تصريحات بار ليف وانتقداه بشدة، كما انتقده المستوطنون ورجال اليمين في المعارضة على موقفه وعلى مجرد مناقشة موضوع عنف المستوطنين مع المسؤولة الأميركية.
الفلسطينيون كانوا في السابق يتقدمون بشكاوى لسلطات الاحتلال حول هذه الاعتداءات ولكن عندما لاحظوا أن سلطات الأمن لا تقوم بأي شيء لمنع إرهاب المستوطنين وأنها تقدم لهم الحماية خلال قيامهم بالعدوان على المواطنين والأراضي والممتلكات الفلسطينية توقفوا عن تقديم شكاوى. وحسب المنظمات الإسرائيلية لم تقدم لوائح اتهام ضد المعتدين اليهود إلا بشكل جزئي وبسيط، ولم تصدر أحكام رادعة ضد المستوطنين. وهذا جعل المواطنين الفلسطينيين في الغالب يحجمون عن تقديم الشكاوى. ويبدو أن توجه المواطنين هو باتجاه التصدي المباشر للمستوطنين كما حصل خلال المواجهات الأخيرة.
من غير المعقول أن يظل المواطنون والمسؤولون على السواء يشكون من عنف المستوطنين الذي يهدد بإشعال فتيل مواجهات قد تتحول إلى انتفاضة شعبية عارمة يتخللها الكثير من العنف والعنف المضاد. فمسؤولية السلطة هي الدفاع عن الناس وحمايتهم. حتى لو كان الحديث يدور عن مناطق (ج) التي هي تحت السيطرة الأمنية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، هناك من الوسائل والأساليب التي توفر حماية بحدود معقولة للمواطنين وممتلكاتهم. وهذه كذلك مسؤولية القوى السياسية واللجان والهيئات المحلية ابتداع أشكال من لجان الحماية الشعبية التي تجعل أي اعتداء للمستوطنين مكلفاً وله ثمن بالتصدي لهم وقمعهم.
وهناك دور للمجتمع الإسرائيلي في العمل ضد عنف وإرهاب المستوطنين الذي قد يجر إسرائيل إلى مواجهة شاملة مع الشعب الفلسطيني، يدفع الإسرائيليون ثمنها حتى لو لم يكونوا مستوطنين ولا يؤيدون الاستيطان. كما أن مسؤولية المجتمع الدولي هي توفير حماية للشعب الفلسطيني كآخر شعب على وجه الأرض يخضع لاحتلال. وإذا فقد الجميع دورهم سنعود جميعاً إلى مربع الفوضى وفقدان السيطرة التي يبدو أننا ذاهبون باتجاهها بسبب قلة الحيلة والعمل. وستكون الخسارة كبيرة لجميع الأطراف بصرف النظر عن ميزان القوة الذي يحكم الصراع.