هآرتس – يوسي بيلين يهتم فعليا بأخذ اسرار الى قبره

C3E32A4D-EEE7-469D-8C78-D1ECAB1A5292-e1618324287240.jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم ايتي ماك

“هآرتس” نشرت في الاسبوع الماضي (15/12) فصل من السيرة الذاتية الجديدة لامير اليسار الصهيوني يوسي بيلين. خلافا لعنوان الكتاب “اسرار لم آخذها معي”، إلا اذا كان من حرر الكتاب هي المستشارة الاسطورية لدونالد ترامب كليان بونويه، التي وضعت مفهوم “حقائق بديلة”، يبدو أن بيلين يهتم بالفعل بأخذ الاسرار الى قبره أو على الاقل دفنها عميقا.

بيلين كتب عن خدمته في وزارة الخارجية وقال: “الموضوع المهم الذي عملت عليه وواجهته هو العلاقات بين جنوب افريقيا واسرائيل”. وقد اشار الى أن هذا الموضوع كان قريبا من قلبه منذ كان مراسل في “معاريف للشباب” في 1963. وقد وصف عمله في الوزارة هو والون ليئال من اجل اتخاذ قرارات حكومية تتبنى العقوبات التي تم اتخاذها في تلك الاشهر في العالم، بما في ذلك وقف صفقات السلاح. ورقة جوكر بيلين وليئال في جهدهما لاقناع الحكومة بتغيير التوجه هي تقرير الكونغرس الامريكي الذي كان سينشر في 1 نيسان 1987. هذا التقرير كان يمكن أن يتسبب باضرار سياسية لاسرائيل وأن يكشف تفاصيل صفقاتها الامنية مع جنوب افريقيا. القانون الامريكي اجبر الرئيس في حينه، رونالد ريغان، على وقف المساعدات الامريكية للدول التي تقوم بخرق حظر السلاح على انظمة الابرتهايد.

وثائق في ملفات وزارة الخارجية في ارشيف الدولة، التي تم فتحها مؤخرا امام الجمهور، كشفت أن بيلين وليئال عملا بدافع قيمي من اجل تغيير العلاقات بين اسرائيل ونظام الابرتهايد. ولكن فعليا هما شاركا وبوعي في خدعة اسرائيل الثابتة التي استهدفت تقليص الضغط الدولي على اسرائيل وهي الاعلان عن وقف صفقات السلاح، الذي معناه الفعلي تقليل العلنية والامتناع عن التوقيع على صفقات سلاح جديدة الى حين مرور الغضب مع استمرار تنفيذ الصفقات القائمة.

حسب كتاب الباحث ساشا سورنسكي الذي يرتكز على وثائق كشفت في ارشيفات جنوب افريقيا، فان الحديث يدور عن صفقات قائمة مع نظام الابرتهايد بالمليارات، التي استمر تنفيذها الفعلي حتى الانتخابات التاريخية في نيسان 1994. ضمن امور اخرى، حسب سكرتير حكومة جنوب افريقيا في آب 1987، فان شخصيات اسرائيلية رفيعة وعدت بريتوريا بأن تكون العقوبات الجديدة مجرد تمثيلية فقط بسبب أن تعليق العلاقات بين الدولتين سيضر في المقام الاول اسرائيل. وزير الدفاع في حينه، اسحق رابين، وعد جنوب افريقيا بأن التغييرات ستكون بالاساس “رمزية”. الوثائق التي كشفت مؤخرا في ارشيف الدولة في اسرائيل تؤكد على ما هو مكتوب في الوثائق التي كشفت في جنوب افريقيا والتي نشرها سورنسكي. 

اسلوب الخدعة الاسرائيلية كان متبع طوال الوقت. مثلا، في موضوع الزمرة العسكرية في الارجنتين التي قامت باختطاف واخفاء نحو ألفي يهودي. حسب برقية في 9/4/1982 التي ارسلها مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلي الى سفير اسرائيل في بوينس آيريس، دوف شموريك، تقرر مواصلة تزويد السلاح للارجنتين اثناء الازمة في جزر فوكلاند، حسب الصفقات القائمة، “بوتيرة طبيعية”، دون الدخول في التزامات جديدة.

في برقية بتاريخ 15/3/1987، التي ارسلها بيلين لرئيس الحكومة اسحق شمير في حينه، كتب أن وزارة الخارجية ناقشت في جلستها في ذاك اليوم الموضوع وتوصلت الى استنتاج بأنه يجب على حكومة اسرائيل الاعلان عن تغيير سياستها تجاه جنوب افريقيا في اسرع وقت ممكن حتى قبل 1 نيسان 1987، اليوم الذي سينشر فيه تقرير وزارة الخارجية الامريكية بخصوص خرق حظر السلاح على جنوب افريقيا. وعلى اعلان الحكومة أن يعكس تغيير حقيقي في السياسة (بما في ذلك في مجال الامن) اذا كانت اسرائيل تنوي منع المس بالمساعدات الامنية الامريكية.

بيلين اقترح على شمير خيارين لاعلان الحكومة. الاول هو أن “اسرائيل لن تقوم بتجديد الصفقات طويلة المدى مع جنوب افريقيا في مجال الامن”. والثاني “اسرائيل ستقوم بتعليق علاقتها الامنية مع جنوب افريقيا عند انتهاء الصفقات القائمة”. أي أنه في جميع الاحوال الصفقات القائمة كانت ستنفذ حتى النهاية. التوصية تمت الموافقة عليها. وفي 18/3/1987 قرر الكابنت السياسي – الامني “عدم التوقيع على صفقات جديدة مع جنوب افريقيا في مجال الامن” .

ايضا كان هناك في الولايات المتحدة من عرفوا أن الامر يتعلق بخدعة. وفي برقية ارسلها السفير الاسرائيلي في واشنطن، موشيه اراد، لبيلين في 31/8/1987، كتب أن اعضاء لجنة الخارجية في الكونغرس الامريكي وعدد من السناتورات اليهود طالبوا بمعرفة موعد انتهاء الصفقات القائمة بين اسرائيل وجنوب افريقيا. وفي تعليمات من وزارة الخارجية لممثليها بتاريخ 1/4/1987 جاء أنه اذا تم سؤالهم عن الصفقات القائمة ، الى متى؟ كم؟ وبأي حجم؟ فيجب الاجابة: “مثل كل الدول الاخرى، اسرائيل غير معتادة على اعطاء أي معلومات عن علاقاتها الامنية مع الدول الاخرى”.

رغم اقوال بيلين في المقابلات التي اجراها مع المراسلين الاسرائيليين والاجانب في اعقاب قرار الكابنت هو عرف جيدا أن العلاقات الامنية متواصلة. مثلا، حسب برقية ارسلها بيلين الى نائب مدير عام وزارة الدفاع، حاييم كرمون، ونسخة لليئال، بعد 13 شهر على قرار الكابنت في 18/4/1988، كتب “عزيزي حاييم”، حسب تقدير وزارة الخارجية، “حكومة جنوب افريقيا لن تتخذ أي خطوات في المجالات المتعلقة بالعلاقة بين بريتوريا ووزارة الدفاع” نتيجة للزيارة المخططة في اسرائيل لشخص معتدل من اوساط القيادة السوداء في جنوب افريقيا. لأنه غير مرتبط بالمؤتمر الوطني الافريقي (الحركة السرية التي تحولت الى الحزب الحاكم بعد انتهاء نظام الابرتهايد)، والذي يعمل في منظمة مشروعة. 

بيلين يمكنه الادعاء بأن وزارة الدفاع كانت مثابة الشوكة في حلقه وحلق ليئال. ولكن لا شك أنه هو نفسه اصابته وصمة العلاقات بين اسرائيل ونظام الابرتهايد، ولو بسبب، حسب قوله، مشاركته في حملة اخفائها. وبشكل غريب يواصل ذلك ايضا الآن في كتابه الجديد.