بقلم: الكاتب والباحث الاقتصادي م. صلاح حمدان

وضع اقتصادي مريع واقتصاد هش

صلاح حمدان
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

أيام قليلة و يطوي عام 2021 آخر صفحاته، و يترك اقتصاد غزة مثقلاً بالأزمات التي ينقلها كل عام لآخر منذ نحو 15 عاماً عجاف، بسبب الحصار الذي يفرضه الاحتلال على القطاع، و توقف عجلة الحياة في معظم القطاعات الاقتصادية، كل تلك العوامل اوصلت الاقتصاد مع نهاية العام الحالي الى الهاوية , أن العام 2020 ترك خلفه اقتصاداً منهكاً في الاراضي الفلسطينية اكتملت حلقاته بنهاية العام الحالي 2021، مقارنة بالعام 2019، وسط تفاؤل حذر من تحسن على الوضع الاقتصادي في العام القادم 2022.

و لم تتوقف انهيارات الاقتصاد الفلسطيني على الاحتلال و الحصار، بل اضافت أزمة وباء "كورونا" التي ضربت العالم منذ اواخر العام 2019، عبئاً اضافياً على الوضع الاقتصادي المنهار اصلاً في قطاع غزة، لتزيد من معاناة المواطنين و ترفع معدلات الفقر و البطالة.

أن التنبؤات لعام 2022 تبقى عرضة لبعض الصدمات محتملة الحدوث، خاصة وأن الاقتصاد الفلسطيني يعمل في ظل بيئة يحيط بها قدر كبير من المخاطر وعدم اليقين، وما يرافقها من تداعيات وانعكاسات على مجمل النشاط الاقتصادي، لا سيما أنه في كل عام هناك أزمة جديدة أو استمرار لأزمة سابقة، سواء كانت على الصعيد السياسي، أو على الصعيد الاقتصادي.

فشهد الاقتصاد الفلسطيني في 2020 تدهورا بسبب جائحة كورونا، التي أدت إلى زيادة الإنفاق على القطاع الصحي وحدت من عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل".

إن "الاقتصاد الفلسطيني نما في الأشهر الـ6 الأولى من العام 2021 بنسبة 5.4%"، متوقعا أن "ترتفع هذه النسبة إلى 6% نهاية العام الجاري"، لكن وتيرة هذا النمو الاقتصادي ستتباطأ في العام المقبل إلى حوالي 3% بسبب استمرار محدودية المصادر".

إن الطريق فيما يتعلق بتنشيط الاقتصاد وتوفير فرص عمل للشباب لا يزال غير واضح، ويعتمد على تضافر جهود جميع الأطراف المانحين والسلطة الفلسطينية وإسرائيل وغيرهم...".

كما أن الآثار التراكمية لسنواتٍ من الحصار على اقتصاد غزة الذي انكمش في الوقت الحالي إلى نسبة ضئيلة من إمكاناته التقديرية. وتقلصت مساهمة قطاع غزة في الاقتصاد الفلسطيني الكلي بمقدار النصف خلال العقود الثلاثة الماضية، ووصلت في الوقت الحالي إلى 18% فقط. وشهد قطاع غزة تراجع أنشطة التصنيع وأصبح اقتصاد القطاع يعتمد بنسبة كبيرةً على التحويلات الخارجية. علاوةً على ذلك، أثَّر التدهور الاقتصادي في قطاع غزة تأثيراً شديداً على مستويات المعيشة، إذ بلغ معدل البطالة 45%، ووصل معدل الفقر إلى 59% من جراء جولة الصراع الأخيرة التي استمرت 11 يوماً في مايو/أيار من العام 20021،وتدهور الأوضاع من جراء تفشي جائحة كورونا. ويعاني المواطنون في غزة من نقص إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الصرف الصحي، والصدمات النفسية الناجمة عن الصراع، والقيود على الحركة والانتقال.

ناهيك علي أن معدل البطالة وصل نحو 17% في الضفة الغربية المحتلة.

وأبدى البنك الدولي في تقرير نشر  له عن قلقه من الأوضاع المالية للسلطة الفلسطينية التي "لم تعد قادرة على الاقتراض من البنوك المحلية"، الأمر الذي يؤدي إلى سحب المزيد من السيولة من السوق.

وحسب تقرير نشر للبنك الدولي فإن عجز السلطة الفلسطينية يبلغ 1.36 مليار دولار في نهاية عام 2021، مما يهدد بمزيد من الصعوبات في إيفائها بالتزاماتها المتعددة بحلول نهاية العام.

وبات الوضع الاقتصادي والمالي في الأراضي الفلسطينية "مريع وهش"، ويحتاج لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية المستمرة التي تواجهها السلطة الفلسطينية.

إن التسريبات المالية الطويلة الأمد الأخرى التي تساهم في الأزمة تتزامن مع مواصلة إسرائيل في اقتطاع جزء من عائدات الضرائب الفلسطينية والاحتفاظ بها، وهو ما يعادل المبلغ الذي يدفعه الفلسطينيون للأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم وعائلات الشهداء و الجرحى ..

ومن الصعب بشكل متزايد" على السلطة الفلسطينية  تغطية الحد الأدنى من نفقاتها، والقيام باستثمارات مهمة في الاقتصاد والشعب الفلسطيني.

لقد بدأت أنشطة الأعمال في الانتعاش تدريجياً بفضل انحسار حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا، واستمرار حملة التطعيم، وتخفيف تدابير الإغلاق. وكانت الضفة الغربية هي المُحرِّك الوحيد لتحسن الأداء الاقتصادي، أمَّا اقتصاد غزة فقد ظل في حالة شبه ركود بفعل جولة الصراع الأخيرة التي استمرت 11 يوماً في مايو/أيار. وبلغ معدل النمو 5.4% في النصف الأول من 2021، ويُتوقع له أن يصل إلى 6% نهاية هذا العام. لكن من المتوقع أن يتراجع النمو في عام 2022 إلى نحو 3% بسبب تضاؤل سرعة الانتعاش ما بعد كوفيد-19 وبقاء مصادر النمو محدودة.

وبالنسبة للإجراءات ذات الأولوية الواجب اتخاذها فتشمل زيادة إمدادات الكهرباء وتطوير البنية التحتية والشبكات لتعزيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تحسين الخدمات العامة. ويتضمَّن هذا توصيل الغاز الطبيعي إلى قطاع غزة من أجل إطلاق العنان لإمكانات الطاقة المتجددة. وتحصل نسبة لا تتجاوز 1% من السكان على إمدادات مياه الشرب المُحسَّنة وعلى قدرٍ محدودٍ من خدمات معالجة مياه الصرف، ولذلك فثمة ضرورة ملحة لتعميم إمكانية الحصول على إمدادات مياه شرب مُحسَّنة، ومعالجة 95% من مياه الصرف التي تُنتج في غزة. ومن الأمور بالغة الأهمية بذل جهود لإعادة ربط قطاع غزة باقتصاد الضفة الغربية والأسواق الخارجية، ومن ذلك إصدار تراخيص الأعمال لتجار غزة، وتخفيف القيود على مستلزمات الإنتاج ذات الاستخدام المزدوج. ومن الضروري أيضاً العمل على تعميم إمكانية الوصول إلى الربط الرقمي الذي سيساعد على ربط الناس والاقتصاد بالأسواق الإقليمية والعالمية تكنولوجيا. ويجب بعد ذلك توفير خدمات النطاق العريض لاتصالات الهاتف المحمول من الجيل الثالث على الأقل في إطار زمني واضح لمواكبة التطورات الحاصلة بالمنطقة، وتخفيف القيود على دخول معدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفقا لتقرير البنك الدولي.

اتخذت السلطة الفلسطينية قراراً بتخفيف الإغلاقات بدرجة كبيرة في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2021 في أعقاب تراجع العدد اليومي لحالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا. وأتاح تخفيف الإغلاقات وما اقترن به من إطلاق حملة التطعيم انتعاشاً تدريجياً لأنشطة منشآت الأعمال. وبلغ معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للاقتصاد الفلسطيني 1.9% في الربع الأول لعام 2021 بالمقارنة بمستواه في الربع السابق. ولكن المقارنة بين الأداء الاقتصادي في الربع الأول لعام 2021 ومستواه في الربع نفسه من عام 2020 تكشف عن انكماش نسبته 5.9%، وهو ما يشير إلى أن الاقتصاد لم ينتعش بعد إلى مستويات ما قبل تفشِّي الجائحة. وعلى الرغم من أن أرقام إجمالي الناتج المحلي للربع الثاني لعام 2021 لم تصبح متاحة بعد، فإن مؤشرات دورة الأعمال تُنبِئ بأن اقتصاد الضفة الغربية واصل مساره التصاعدي، أمَّا التعافي في قطاع غزة فلم يدُم طويلاً بسبب الصراع الذي استمر 11 يوماً في مايو/أيار 2021 وأدَّى إلى تدمير نحو 2% من رصيد رأس المال في غزة. 

إذا استمر بطء وتيرة أعمال إعادة الإعمار في قطاع غزة، فمن المتوقع أن يُسجِّل اقتصاد القطاع انكماشاً بنهاية عام 2021 وعام 2022 بسبب استمرار آثار الصراع فالوضع اقتصادي مريع والاقتصاد بات هشآ .

بيد أن أداء الاقتصاد في الضفة الغربية من المتوقع أن يكون أفضل، لاسيما إذا استمرت حملة التطعيم ضد كورونا واستمر تخفيف تدابير الإغلاق في معظم المدة المتبقية من العام. وإننا نتوقع أن يبلغ معدل النمو في الاقتصاد الفلسطيني 2.9% في نهاية عام 2021، وهو ما يشير إلى شبه ركود في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي وتدهور الظروف الاجتماعية، لاسيما في غزة. ومن المتوقع أن يحوم معدل النمو حول 3% في 2022 و2023 مع زوال آثار الصراع في غزة تدريجياً وأعاده الأعمار بشكل واقعي، واستمرار الضفة الغربية في استعادة ما فقدته في 2021/2020 بسبب الجائحة. ولكن إذا تحقَّقت بعض تدابير بناء الثقة التي نوقشت في الآونة الأخيرة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك تخفيف القيود على حركة البضائع والأفراد من غزة وإليها، وزيادة عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل، فإن معدل النمو قد يسجل مزيداً من التحسن، وكذلك الحال بالنسبة لمستويات المعيشة.  

ومع اتساع رقعة الخلافات واستفحال الانقسام، وتمسك القيادة السياسية بمناصبها، والبقاء في مراكزها لسنوات طويلة، وإجهاض أي محاولة لإجراء الانتخابات الفلسطينية ، يُبقي كل الحلول المطروحة مجرد أقوال .

إن الحل للخروج من المأزق الراهن يتمثّل في تنظيم الانتخابات العامة، بما يشمل كل المستويات القيادية الرئاسية والبرلمانية والمجلس الوطني، وليس فقط انتخابات نقابية ومحلية والمضي قدماً نحو وحدة وطنية حقيقية، تنهي كل أشكال الخلافات السياسية، وتفتح الباب أمام مساعي الحل السياسي والديمقراطي.

لذلك يجب علي الحكومة الفلسطينية توحيد الجهود للنهوض بالاقتصاد وإصلاح الوضع الداخلي الفلسطيني، من خلال إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جدية ليست كسابقتها من العام 2021 في كافة أنحاء الوطن وتبني خطط استراتيجية وطنية مشتركة. ويتوقع في حال الاتفاق على إجراء هذه الانتخابات أن تتسارع معدلات الإنفاق الحكومي، وتتراجع حالة عدم اليقين تجاه الأوضاع الاقتصادية. ويجب توجه الحكومة كذلك لخفض مستويات التبعية والانفكاك الاقتصادي التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي.

تشهد الساحة الفلسطينية حالة من الانقسام منذ يونيو/حزيران 2007وأجريت آخر انتخابات رئاسية في فلسطين عام 2005، وفاز فيها الرئيس الحالي محمود عباس، في حين أجريت آخر انتخابات تشريعية سنة 2006، وفازت فيها حركة "حماس".