الحرب الخفية في الضفة الغربية والمستفيد الأول منها

زياد ابو زياد.PNG
حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

تقوم جهات إسرائيلية معينة بترويج مقولة أن السلطة على وشك الانهيار وأن شعبيتها وصلت أدنى مستوى لا تستطيع العيش طويلا معه، وتتناقل أنباء وتقارير عن قصص فساد مالي واداري ومحسوبيات واقتناص فرص ومناصب للمقربين داخل السلطة، وصراعات داخل اللجنة المركزية لحركة فتح الحزب الحاكم، واستعدادات على حرب وراثة الرئيس عباس في حال اختفى فجأة عن المسرح لا سيما وأنه تجاوز السادسة والثمانين.
وبينما تقوم هذه الجهات بترويج وتسويق هذه الأنباء عن ضعف السلطة واستشراء الفساد في أحشائها والصراعات الداخلية وراء الكواليس بين قياداتها ورموزها، تقوم نفس هذه الجهات وبنفس الوقت بترويج أنباء أخرى عن استعدادات تقوم بها حركة حماس لتعزيز قوتها وقبضتها في الضفة الغربية والإيحاء بأن حماس تعمل بشكل مكثف في الضفة الغربية للانقضاض على الحكم والاستيلاء عليه بنفس الطريقة التي قامت بها في غزة في حزيران 2007.
ويبدو أن أحدا ً في حركة فتح او الأجهزة ذات العلاقة في الضفة لا يُعطي اهتماما ً للشق الأول من هذا الترويج أي الضعف والفساد والصراعات، فلا يبادر أحد الى فحص ما إذا كانت السلطة فعلا ضعيفة وتكاد تنهار ويبحث عن أسباب ذلك، ولا يبادر أحد الى التحقق من تهم الفساد والمحسوبيات، ولا يحاول أحد معالجة الصراعات الداخلية ورأب الصدع أو التصدع إن كان موجود بالفعل، نجد أنه يتم إعطاء الاهتمام، كل الاهتمام، للشق الثاني وهو الادعاء بأن حماس تستعد للانقضاض على الحكم في الضفة كما حدث في غزة. وعليه نسمع عن اعتقالات واسعة تتم في صفوف حركة حماس بالضفة الغربية من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية ونسمع ارتفاعا ً ملحوظا ً في وتيرة المهاترات الإعلامية بين فتح وحماس.
والاعتقالات التي تتم في صفوف حماس من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتزامن مع حملة اعتقالات واسعة النطاق تقوم بها الأجهزة الأمنية للاحتلال.
فما الذي يحدث.
لقد لاحظنا مؤخرا ارتفاعا ً في وتيرة العمليات التي تقوم بها عناصر تابعة لحركة حماس في الضفة الغربية ضد المستوطنين وعساكر الاحتلال، ومع أنه قد يقول قائل بأن هذه مقاومة ضد الاحتلال إلا أنه لا بد من ملاحظة أن هذه العمليات بالضفة تتم في حين تحافظ حماس بشكل تام على الهدوء على الحدود بين القطاع وإسرائيل الأمر الذي يؤكد بأن هناك خطة لتسخين الوضع بالضفة مقابل استمرار التهدئة في قطاع غزة.
ويبدو أن ما يحدث في الضفة هو محاولة من جانب حماس لإحراج القيادة السياسية في رام الله من جهة وللضغط على إسرائيل من جهة أخرى للتوصل الى قرار بشأن رفع الحصار عن القطاع من خلال الاستجابة لبعض شروط حماس فيما يتعلق بصفقة التبادل التي طال الحديث عنها منذ سنوات.
قد يكون هذا هو هدف حماس، ولكن في غياب المصالحة الوطنية والقرار الوطني الواحد فإن أية أنشطة تقوم بها حماس في الضفة يمكن أن تُفهم بالشكل الذي تروجه الجهات الإسرائيلية بأنها تندرج في إطار استعدادات حماس للقيام بانقلاب بالضفة للسيطرة عليها كما هو الحال في غزة، مما يستدعي الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الخاضعة لسيطرة فتح للقيام بخطوات استباقية تعتقد أنها ضرورية للدفاع عن النفس في مواجهة نوايا حماس.
وفي جميع الأحوال فإن محاولات حماس تسخين الضفة الغربية وما يسببه ذلك من ردود فعل من قبل أجهزة السلطة ضد قيادات وكوادر حماس يصب في خانة إسرائيل ويكون لصالحها بالرغم من أن هدف أجهزة السلطة هو الدفاع عن الشرعية المتمثلة بالنسبة لها في الرئيس والحكومة.
وأستطيع أن أقول بأن غياب المصالحة الوطنية وغياب القرار الوطني الواحد هو الذي أوصلنا الى هذا الحال بأن يصبح العمل الفلسطيني تلقائيا ً رافدا ً للعمل الأمني الإسرائيلي ويصب في خانته.
وعلى حماس أن تعترف بأن لا فراغ سياسي أو وطني بالضفة الغربية وأن فيها من يتولى الشأن الفلسطيني ويشكل عنوانا فلسطينيا ً لها شئنا أم أبينا وأن عليها أن تنسق عملها وخطواتها في الضفة مع العنوان الفلسطيني وهذا لا يتم بالتأكيد إلا اذا كان هناك قرار واحد وسلاح واحد، أي إلا اذا كانت هناك مصالحة. وطالما أن ليست هناك مصالحة وليس هناك تنسيق في العمل الفلسطيني فإن النتيجة البارزة للعيان بأن الطرفين المتصارعين على الساحة الفلسطينية وعملهما لإضعاف كل منهما الآخر إنما هما يعملان لصالح الاحتلال ولتكريس وجوده.
والى جانب المطالبة بأن تكف حماس عن جهود تسخين الضفة الغربية بعيدا ً عن أي برنامج أو رؤية وطنية استراتيجية شاملة ومشتركة مع فتح والقوى الأخرى فإن هناك حاجة وضرورة ملحة للوقف الفوري للتصعيد الإعلامي بين الطرفين والتوقف عن السباب والشتائم والمهاترات التي لا تليق بأخلاق شعبنا وقضيته الوطنية.
لقد استمعت قبل أيام الى مسؤول فلسطيني برام الله وبدرجة وزير يقول ” ان حذاء أصغر جندي في الأمن الوقائي أشرف من رأس أكبر مسؤول في قيادات حماس”. ولا شك بأن هذا القول مهما كانت مبرراته في نظر قائله فإنه لا يليق أن يصدر عن أي مسؤول فلسطيني ضد آخر لأن ايغار الصدور وتعميق الهوم وتأجيج الأحقاد لا يخدم سوى الطرف الآخر.
نحن بحاجة الى أن نسأل أنفسنا عند أي تصرف نقوم به: ماذا سيكون مردود هذا العمل على مجمل العمل الوطني وفي خانة من ستصب نتائجه ومن الذي سيستفيد منه. فإذا كان الجواب هو العدو فلنتوقف عن ذلك ولا نقدم عليه.
وتبقى المصالحة هي المفتاح للخلاص من كل الآثام التي نوغل فيها وبسرعة الضوء.