هآرتس – اسرائيل سلحت جيوش قادة ديكتاتوريين في اوغندا

حجم الخط

هآرتس – بقلم  ايتي ماك 

 

كان ذلك اعلان صارخ. ليس في كل يوم تحدد وزارة التجارة الامريكية بأن هناك شركات اسرائيلية، هي شركة ان.اس.أو وشركة كنديرو، سيتم ادخالها في قائمة الهيئات التي تعمل ضد المصالح القومية الامريكية. هذا القرار، غير العادي والذي تم اتخاذه قبل شهر، لم يأت من فراغ. في واشنطن اكتشفوا أن هذه الشركات التي تعمل في السايبر الهجومي باعت لحكومات اجنبية ادوات مراقبة استخدمت ضد رجال الحكومة ونشطاء سياسيين ومراسلين ورجال اعمال. لم يكن مطلوب اكثر من ذلك. 

وكالة “رويترز” القت القليل من الضوء على التفاصيل عندما نشرت بأن برنامج “بغاسوس” لشركة ان.اس.او استخدم لاختراق هواتف تسعة دبلوماسيين امريكيين، يعملون في الشؤون المتعلقة باوغندا. صحيح أنه في التقرير لم يذكر من اشترى من الشركة برنامج التجسس، لكن السهام موجهة للطاغية الاوغندي يفاري موسفاني. الى جانب حقيقة أن الدبلوماسيين عملوا في قضايا اوغندا فانه من المشكوك فيه أن يكون هناك الكثير من القادة اليائسين بما فيه الكفاية مثل موسفاني من اجل المخاطرة واقتحام اجهزة لمسؤولين في الادارة الامريكية. موسفاني الذي اعتقد أن الولايات المتحدة قد سئمت منه، وعملت في الانتخابات الاخيرة من اجل التغلب على التزوير المعتاد ومساعدة حركة المعارضة على اسقاطه، يبدو أنه لم ير مخرج آخر.

هذه القضية تضاف الى وثائق في ارشيف الدولة التي يتم كشفها الآن وتدل على المساعدة التي قدمتها اسرائيل على مدى سنين لقادة اوغندا الديكتاتوريين. هذا الدعم له نموذج ثابت: في البداية اسرائيل تقدم مساعدة للحاكم في محاولة لاجتثاث القوات المتمردة ضده. واذا نجح الانقلاب على الفور تغير التوجه وتبدأ بتأييد النظام الجديد دون أي تعاطف مع النظام الذي تعاونت معه قبل فترة قصيرة جدا. اسرائيل تقدم هذه المساعدة حتى عندما تكون هذه الانظمة معروفة بقسوة النظام فيها وقبضتها الحديدية في مواجهة معارضيها واستخدامها للاولاد في ساحات القتال.

هكذا ايضا تسلسلت الاحداث بشأن العلاقات مع موسفاني. الوثائق من ارشيف الدولة تكشف أنه في تموز 1985 توجه قائد الجيش في اوغندا، تيتو اوكلو، لاسرائيل، الذي حكم في حينه الدولة بقبضة حديدية وعنف، وطلب منها مساعدة عسكرية من اجل قمع المتمردين الذين عملوا ضده. على رأس جماعة المتمردين القوية والمنظمة جدا، ان.آر.إي، كان يقف موسفاني. وحسب تقارير طاقم وزارة الخارجية تقرر مساعدة اوكلو على تصفية التمرد الذي قام به موسفاني مقابل استئناف رسمي للعلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، للمرة الاولى منذ أن قطعت هذه العلاقات من قبل عيدي امين في 1972.

من اجل اخفاء العلاقات الدافئة استخدمت وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الدبلوماسي ومنسق اعمال الحكومة في لبنان السابق، اوري لوبراني، الذي اصبح فيما بعد رجل اعمال. الشركات المرتبطة بلوبراني هي التي نفذت الصفقات لصالح وزارة الدفاع، وهو نفسه قام بزيارة اوغندا عدة مرات من اجل التنسيق ونقل السلاح من اسرائيل. يمكن التعرف على هذه العلاقة بين اسرائيل واوكلو من عدة لقاءات جرت في تلك الفترة. في تشرين الثاني 1985 زار ابن الجنرال اوكلو اسرائيل. في كانون الاول من نفس السنة زار لوبراني ومندوب عن الموساد وقائد حرس حدود اوغندا. وفي 10 كانون الثاني 1986 زار اسرائيل وزير دفاع الجنرال اوكلو. 

في التقرير الذي اعده لوبراني شرح اهمية ارساليات السلاح. “لقد تم القيام بثلاث رحلات جوية لطائرات مستأجرة من اجل نقل ثلاث ارساليات من السلاح الى عنتيبة، التي كان يبدو أنها مهمة للنظام، سواء من ناحية نوعيتها أو من ناحية التوقيت، الامر الذي ساعد على تمهيد الطريق من اجل الدفع قدما بجهوده لاستئناف العلاقات”.

ليست صفقة كبيرة

لقد عرفت وزارة الخارجية ووزارة الدفاع في اسرائيل أن حكم اوكلو ضعيف وأنه يوجد لموسفاني فرصة جيدة لاسقاطه بواسطة الدعم الذي حصل عليه من ليبيا. ولكنهم قدروا بأنه في أي حال موسفاني سيجد صعوبة في اعادة التقدم الدبلوماسي الذي تم التوصل اليه بين الدولتين الى الخلف. في برقية بتاريخ 22/11/1985 كتب مدير قسم افريقيا في وزارة الخارجية: “منذ الانقلاب لا يوجد استقرار. والحكومة لا تسيطر على جميع الدولة. المتمردون يسيطرون على الباقي وقواتهم متبلورة اكثر… يوجهنا الرأي الذي يقول بأن اقامة علاقات ستلزم حتى حكومات اوغندا القادمة، لذلك نحن معنيون بعلاقات دبلوماسية رغم عدم الاستقرار الحالي السائد”. 

إن قراءة برقيات اخرى تدل على أنه منذ شهر كانون الاول 1985 وبداية كانون الثاني 1986 تمكنت اسرائيل من ارسال ثلاث طائرات سلاح، وفي المقابل وافق الجنرال اوكلو على أن تعين كل دولة ممثل دبلوماسي عنها لا يكون مقيم. في 19 كانون الاول وافق موسفاني على التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار. وحسب تقدير اوكلو هذا حدث بفضل الردع الذي وفره سلاح اسرائيل. ولكن الاتفاق انهار بسرعة والمعارك تجددت. اسرائيل من ناحيتها واصلت تدخلها في الاحداث. في 19 كانون الثاني وصل آريه عوديد، ممثل اسرائيل في اوغندا، في زيارة الى كامبالا. وفي 22 كانون الثاني اطلقت الطائرات المروحية التابعة لاوكلو على المتمردين، الصواريخ التي حصلت عليها من اسرائيل ونجحت في جعلهم يتراجعون من المواقع التي احتلوها. ولكن مساعدة اسرائيل لم تساعد. في 26 كانون الثاني نجح موسفاني في احتلال كامبالا. الزمرة العسكرية للجنرال اوكلو هربت الى شمال الدولة من اجل مواصلة القتال من هناك.

من 24 كانون الثاني، حيث ادركوا في وزارة الخارجية والدفاع في اسرائيل بأنه يوجد احتمالية جيدة لموسفاني للانتصار، قرروا وقف ارساليات السلاح ورفضوا أي طلب آخر لمساعدة الجنرال اوكلو، الذي تحول من الحاكم الى المتمرد الجديد. وحسب برقية ارسلها آريه عوديد في 26 كانون الثاني تم وقف، ضمن امور اخرى، ارسالية تتكون من ألفي صاروخ، التي تم تحويل ثمنها لاسرائيل. في برقية ارسلها عوديد في السابق، في 22 كانون الاول، قال إن “الامر يتعلق بصواريخ من النوع الذي اشتروه في الارسالية الثالثة التي اثبتت فعاليتها”. ووقف ارساليات السلاح من اسرائيل في اللحظة الحاسمة ليس فقط أدى الى الاضرار بالقدرة العسكرية لقوات الجنرال اوكلو، بل ايضا تسببت بضرر كبير في المعنويات.

حسب برقية ارسلها مدير قسم افريقيا في وزارة الخارجية بعد اربعة ايام على احتلال كامبالا توجه مندوب موسفاني الى السفارة الاسرائيلية في واشنطن. في اليوم التالي التقى مبعوثو اسرائيل مع مندوبيه في نيروبي وبدأت المحادثات بين الطرفين. مندوبو موسفاني اشتكوا من ان اسرائيل سلحت زمرة الجنرال اوكلو وتجاهلت طلباتها للمساعدة. ولكن المندوبين الاسرائيليين اوضحوا بأن اسرائيل تدعم الحكومات وليس المتمردين. من هنا فصاعدا بدأت وزارة الدفاع الاسرائيلية في دعم نظام موسفاني وتدريب وتسليح قواته. 

موسفاني لم يكن وبحق “لقطة كبيرة”، لكنه سرعان ما تحول الى أحد الديكتاتورات الذين تستخدمهم اسرائيل وامريكا. اذا كان هناك أحد في العالم يحق له مخصصات تقاعد من وزارة الدفاع الاسرائيلية فهو موسفاني، ضمن امور اخرى، لأنه ساعد امريكا واسرائيل في محاربتها للديكتاتور السوداني عمر البشير. وقد ساعد موسفاني ايضا في الدفع قدما بمصالح اسرائيل والولايات المتحدة في رواندا وكان ايضا هو الذي اوصل الى الحكم في الكونغو عائلة كابيلا، التي كانت لها علاقات امنية واقتصادية متشعبة مع اسرائيل ومع رجال اعمال اسرائيليين.