بقلم: سميح خلف

دولة غزة الغير معلنة

سميح خلف
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

ثمة ما هو مهم ان نفهمه ان هذا المقال لا يكتب بخلفية حزبية او ايديلوجية بل بخلفية وطنية مجردة تبحث في الكل ولا تبحث في الجزء بمتجه وحيد نحو صلب المشروع الوطني الفلسطيني ولا يهمني هنا الخلفية الايديلوجية لاداة متقدمة او محبطة للطموح الوطني الفلسطيني ولا اضع في حساباتي اقوال وتعليقات البعض المتشنج و المتعصب بخلفية فصائلية او حزبية بل ما يهمني فقط هؤلاء الذين لهم عمق وطني يتجاوز التناقضات او الاراء المبنية على تلك التناقضات والتناحرات التي تبتعد عن صلب التقييم .

لقد اخترت هذا العنوان لمقالي هذا رغبة مني في ايضاح بعض الامور والشواهد و البصمات على الارض بخلاف التقييم المرتبط بعلم السياسة الدولية او الدبلوماسية الدولية ومحدداتها .

اذا اردنا التوسع في مفهوم هذا العنوان فلن يكفيه عشرات الصفحات التي ستأخذ تفاصيل التفاصيل في داخل ايكونة حركة فتح و حركة التحرر الوطني و مخاضاتها و منعطفاتها وزلاتها و اخطاؤها التي قد تكون ليست تكتيكية ولكن استراتيجية ادت بشكل او بأخر الى ان اضع هذا الاعلان او العنونة لهذا المقال الصريح والواضح ولكن سأكتفي برؤوس اقلام و محطات دفعتني لان اكتب هذا العنوان .

1 - عندما انسحب شارون من غزة لم يكن هناك عامل واحد فقط جعل شارون ينسحب من غزة كما يدعي البعض بل كانت المقاومة احد العوامل المهمة في دفع شارون لاخلاء المستوطنات واعادة الانتشار بالرواية الاسرائيلية ولكن كان هناك عوامل اخرى دفعت للتعجيل في اتخاذ هذا القرار لرؤية ايديلوجية تخص المشروع الصهيوني على الارض الفلسطينية .

* النظرة التوراتية لغزة تصفها بالارض "الملعونة" و هي خارج الخريطة الجغرافية للدولة اليهودية التاريخية كما يدعون .

* تحييد غزة عن مخطط سياسي و ايديلوجي يخص الاسرائيليين بتهويد الضفة الغربية والتوسع في الاستيطان وحصر السلطة في الضفة الغربية لحالة وظيفية محددة بفهم صريح وواضح ودقيق لرغبات نخب فيها رغبات جهوية عشائرية تختلف نمطيا واسسا عن الحالة الثقافية في غزة والتي عجزت منظمة التحرير بنخبها عن توحيد الثقافة والرؤية الوطنية من الجزء الى الكل .

* تماشيا مع رؤية اسحاق رابين منح الفلسطينيين كيانية اقل من دولة اي سيطرة امنية كاملة مع مخططات وبرامج اقتصادية تنبع من الرؤية الامنية لنظرية الامن الاسرائيلي في الضفة الغربية و في غزة .

* ابطال اي تصور لتطوير اوسلو لدولة فلسطينية متحدة لو حتى فدرالية او كونفدرالية مع غزة .

2 – تم التخلص من ياسر عرفات الذي اعطى كل ما يستطيع لخدمة المشروع التسووي بتفهم واضح و دقيق لمصالح النخب في الضفة الغربية السياسية والعشارية وتوجهاتها .

3 – ابو مازن خدع الجميع عندما رفع لواء الاصلاح و كان في حد ذاته يقود مشروع انفصال نخبوي في الضفة الغربية ضد نخب غزة سواءا وطنية او اسلامية .

4 – اذكر في لقاء مع وزير الاتصالات السابق المهندس عماد الفالوجي عام 2013 قال لي لقد كلفت من حماس بعد الاحداث الاليمة في 2007 بحمل رسالة الى الرئيس محمود عباس تقول فيها حماس انهم على استعداد لاستقبال ابو مازن وعودة المؤسسات و استطرد قائلا فوجئ ابو مازن من الرسالة واصيب بثورة من الهياج لحمل تلك الرسالة متلفظا الفاظ سيئة بقوله ايضا "انت مجنون تحمل مثل تلك الرسالة .. انا لو بدي غزة بجيبها على كندرتي" .

5 – مشروع الرئيس الفلسطيني في الضفة و كما يتبين لمن تجاهل الحقيقة سابقا ان هذا المشروع دفع لخلق كيانية في غزة ومناطق فراغ ملءتها القوى الاسلامية واهمها حماس في حين كانت هناك رؤية وطنية لملمة الجرح الفلسطيني بوحدة وطنية اسلامية تواجه الاحتلال ولكن السلطة فضلت ان تلبي مصالحها مع الاحتلال حينما قال الرئيس الفلسطيني "التنسيق الامني مقدس سواءا اتفقنا سياسيا او اختلفنا " اي هناك تصور استراتيجي لعلاقة السلطة في الضفة الغربية بواقعها الجغرافي والديموغرافي الملاصق للاهداف الاسرائلية .

6 – عزل غزة دفع حماس لتقوم بدور السلطة عندما قرر عباس تهديد موظفين السلطة برواتبهم وفصلهم اذا داوموا في مؤسساتهم و ما تبعها من قرارات طالت حركة فتح بالذات من عمليات فصل وقطع راتب و تشويه لكل القوى المنتقدة لسلوك الرئيس والمجموعة المحيطة به وهروب الرئيس للامام في مؤتمرات حركية تعبر عن سلوكه وبرنامجه فقط .

7 – اصبحت حماس تؤسس لمؤسسات ايديلوجية تعبر عن منهجيتها الحزبية في ظل ضعف حركة فتح الذي استهدف من الرئيس الفلسطيني من مؤسسات سيادية واكادمية شركة و اجهزة امنية شاملة اثبتت جدارتها داخليا و على مستوى المواجهة مع العدو الاسرائيلي و ثلاث حروب عززت من كون حماس كقوة دخلت في الحسابات الاسراتيجية الاقليمية  كقوة مؤثرة .

8 – اصبح لحماس لقاءات وتمثيل دبلوماسي في عديد من دول العالم .

9 – اصبحت حماس قادرة على استصدار وثائق وبطاقات تعريف لكل سكان قطاع غزة وتفرض نظام ضريبي على كل مناحي الحياة في غزة وتتحكم في الاستيراد والتوريد .

10 – تقيم حماس علاقات استراتيجية مع المحيط لفلسطين و علاقات متميزة مع مصر وسياسة وسطية تحافظ على قوتها وسلطتها على اعتبار عامل الزمن مهم لديها للاعداد الداخلي مع محاولات جادة لفك الحصار بدون التأثير على بنيتها الداخلية و كذلك علاقات مهمة في لبنان وسوريا والعراق وايران و دول مهمة في العالم حتى لقاءات على القطب الروسي والصيني .

11 – في المدى الاستراتيجي اي قصة لانهاء الانقسام اصبحت ضرب من ضروب الخيال الذي يتعارض مع السياسات الاقليمية والدولية وهو يعطي انفراد للسلطة على لا تمتلك اي اوراق قوة لتكون اداة محلية في خدمة المشروع الاسرائيلي الامني في الضفة الغربية لبقاء هياكلها المؤسساتية القائدة التي تحاول ان يكون لها امتداد قبلي وعشائري .

12 – اما غزة فهي المحاصرة كأي دولة في العالم محاصرة مثل فنزويلا وكوبا وايران والتي تعارض النهج الامبريالي ونهج الخريطة اغلاسرائيلية في المنطقة وهنا لا اضع حسابات للمعبئين الذين يخدمون المشروع الامبريالي .

13 – غزة دولة غير معلنة تنتظر الافراج عنها بالتصدي للمشروع الاسرائيلي كقوة محسوب حسابها في الموازين الاقليمية وان كانت هناك محاولات لتطويعها واستيعابها . ولكن ما يؤخذ على هذه النظرة وهذا رالمشروع المحاك دوليا واقليميا وتتصدى له غزة عندما اعلنت في حربها الاخيرة عام 2014 مع الاحتلال انها الحرب والمواجهة من اجل القدس و حي الشيخ جراح واصابت صواريخها القدس وتل ابيب و منطاق اخرى على اعتبار ان الارض الفلسطينية وحدة جغرافية واحدة ولذلك دولة غزة اذا احسن التصرف وطنيا في تنمية قدراتها بصرف النظر عن الحالة الحزبية فستكون هي النواة لانهيار المشروع الصهيوني فاذا عززت قوة غزة يعني ان هناك عدم استقرار في الضفة الغربية وهو ما دفع نفتالي بينيت لان يصرح ويقول ان الاعمار في غزة مرتبط بتهدئة الفصائل في الضفة واخيرا عندما انجزت غزة المناورات هذه الايام تهديدا لاسرائيل المنشغلة بالملف الايران سمحت الان بتسهيلات اقتصادية تجاه غزة ومازالت غزة كما اكرر عدة مرات بصرف النظر عن الحالة الايديلوجية والحزبية مازالت غزة وكما حطمت سابقا مشروع التنازل عن كل فلسطين مازالت ايضا الان تؤسس لكيانية فلسطينية ذات طابع ثقافي فلسطيني وان كانت الهوية الايديلوجية هي الوجه المعلن لغزة .