نبيل عمرو قامت حركة الجهاد الإسلامي، وربما لا تزال، بجهود حثيثة لدى مصر لخفض حدة التوتر في العلاقة مع حماس.
جهود «الجهاد الإسلامي»، لها عنوانان؛ واحد لـ«الجهاد»، والآخر لحماس. عنوان «الجهاد» يتحدث عن مصلحة أهل غزة وتسهيل مرورهم على المعبر، أما وصف حماس فهو جهد يسعى إلى سحب قرار المحكمة المصرية، باعتبار حماس حركة إرهابية، وكانت مصادر كثيرة من حماس وصفت قرار المحكمة المصرية بأنه عار تاريخي لا بد من إصلاحه حرصًا على سمعة مصر وتاريخها.
المصريون من جانبهم ميّالون إلى تفسير «الجهاد»، فهم حريصون على تجنب أكبر قدر من الأذى يمكن أن يلحق بالغزيين جراء الأزمة المصرية الحمساوية.
أما تفسير حماس المتعلق بقرار المحكمة، فهو متحفظ عليه في مصر نظرًا لكونه يمس القضاء المصري، الذي تعتز الدولة باستقلاله ونزاهته، حتى لو صدرت عنه أحكام تثير جدلا واسعا داخل مصر وخارجها، ولا شك أن الجهود المبذولة مع مصر بشأن العلاقة مع حماس ليست مضمونة النجاح، ما دامت تسير في هذا الاتجاه ذي الطابع الإداري الخدماتي، بعيدًا عن البعد الأهم في العلاقة، وأعني به البعد السياسي، فمنذ انقلاب حماس في عام 2007، وحتى يومنا هذا، وحماس تستصرخ بكل النبرات واللغات من أجل فتح معبر رفح، ويرد المصريون على هذا الاستصراخ بجملة واضحة محددة، مفادها أن مصر تريد شريكا على المعبر وهو السلطة الشرعية المنقلب عليها، مع الأخذ في الاعتبار اتفاق المعبر الذي حدد وجودًا دوليًا عليه، حيث طُرد هذا الوجود بعد الانقلاب مباشرة، وعلى مدى السنوات الطويلة، ظل المعبر مغلقًا إلا أنه كان يفتح بين حين وآخر لأغراض محددة دون أن يتمكن الغزيون من الانتقال عبره بذات الكثافة والانتظام والسلاسة، التي كانت تتم قبل الانقلاب. وفي الجولات الأخيرة التي تمت تحت عنوان تفعيل المصالحة وترتيب العلاقة بين الحكم في غزة والحكم في رام الله تحت لافتة مليئة بالثقوب اسمها حكومة التوافق، لم يحدث أي تقدم في العلاقة بين رام الله وغزة، بل إن تدهورًا مروعًا حدث فيها، سواء على الصعيد الميداني، حيث التفجيرات، أو على الصعيد السياسي، حيث الحملات الإعلامية والاعتقالات المتبادلة، ما جعل من تنفيذ اتفاقات وتفاهمات المصالحة أمرا مستحيلا، فلا حماس جاهزة لمنح حكومة التوافق سلطة كافية ولو على معبر رفح والحدود مع إسرائيل، ولا السلطة في رام الله مستعدة بلعب دور الغطاء الشكلي لنفوذ حماس الفعلي في غزة جملة وتفصيلا، وهذا ما يجعل جهود الوسطاء مثل «الجهاد الإسلامي»، وغيرها، إن وجد، محدودة الفاعلية، بل لن تثمر أكثر من تسهيلات تزيد أو تنقص عما هو معمول به منذ الانقلاب وحتى إشعار آخر.
وهنا يبدو جليًا ذلك البعد البديهي والمتجاهل في أزمة العلاقة بين مصر وحماس، وهو الموقف من الشرعية، وأين هي وكيف تمارس العلاقة معها، فمصر لا يمكن أن تتعامل رسميا مع شرعيتين فلسطينيتين، كما أنها لا تستطيع عزل العلاقة مع حماس عن العلاقة مع «الإخوان المسلمين»، بما يحمله ذلك من تأثير تفاعلي على مجريات وأجواء الحرب المصرية المعقدة والواسعة ضد الإرهاب في سيناء، وألسنته الممتدة في الكثير من المناطق المصرية.
إذن، فإن معبر رام الله يبدو عمليا هو توأم معبر رفح، وهنا تقع المسؤولية في معالجة أمر المعبرين على حركة حماس، التي لا تزال منشغلة في معادلة قديمة، ثبت عدم منطقيتها وجدواها، وهي الإمساك بالكثير من التناقضات بقبضة واحدة؛ فهي تريد من رام الله التعامل معها كغطاء قد ينفع في مسألة إعادة الإعمار مثلا.
وتريد من مصر التعامل معها كطرف فلسطيني مقاوم وحاكم في نفس الوقت ومتحالف مع «العدو» المعلن في مصر «الإخوان المسلمين».
وتريد استئناف العلاقة مع إيران و«حزب الله» في وقت نعرف فيه انعكاسات هذه العلاقة على أطراف كثيرة عربية وغير عربية.
وفي هذا الوضع المتداخل والمتشابك، لا تزال حماس تراهن على إذعان شامل من قبل المختلفين معها على سلطة الأمر الواقع لها في غزة، فأين نجد عقلا عبقريا يوفق بين هذه التناقضات والتقاطعات، وينتج منها صيغة تؤمن علاقات طبيعية مع حكم حماس في غزة وتؤمن علاقات دولية تعيد إعمار هذا البلد المنكوب، وعلاقة وحدوية كاملة مع السلطة في رام الله.