معضلة الفصائل – أفول نجم التنظيم السياسي وافتقاد الرؤية

حجم الخط

بقلم بكر أبوبكر 

 

من المهم الإشارة لضرورة تحشيد الأشخاص حول فكرة ما، ثم تنظيم الطليعيين فيها. فالجماهير التي تسير سائبة بلا هدف موحّد هي جماهير قابلة للجذب والاستقطاب بين شتى الفِكَر المتناثرة وذات الدفق العالي حاليًا لسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتي كلّها مسيّسة ومهدّفة.

إن تُركت الجماهير دون هدفٍ سامٍ أو هدف قومي/وطني جامع (قضية) فإنها قد ترتاح في منطقة الابتعاد عن المشاكل وتتموضع حيث تلبي حاجاتها الحياتية والشخصية فقط دون الاضطلاع بدور ما في بناء أوتطوير الذات واكتساب المرجعية من جهة، وتفتقد بالابتعاد عن الهدف الجامع عوامل التماسك بل وعوامل البقاء للمجتمع أو القضية التي من المتوجب أن تبقى حيّة في القلب والعقل والروح.

وهنا يظهر دور الطليعة من المثقفين والمفكرين والدُعاة، والسياسيين الجادين والكادرات المخلصة.

حين تُمزّق المهابة

المشكلة الرئيسة هي حين يختلف الساسة أو”القادة” اختلافًا يمزّق النسيج الثقافي أوالفكري أوالاجتماعي أوالتنظيمي الداخلي في أطرهم… تلبية لمطامعهم الدنيئة، دون أن يدركوا -أو ربما بإرادة البعض- مدى تأثير ذلك على الناس –وقبلهم الأعضاء المنخرطين في منظماتهم- الذين رغم كل شيء يفترضون بهم قيادة الفكرة أو البلد أوالشعب.

إن افتقاد المهابة القيادية لسبب الانعزال عن الجماهير أو لسبب احتقارها أو لسبب التصارع والتزاحم على السلطة (فوق)، والنفوذ حتمًا سيؤدي بالجماهير لأن تستثمر بغيرهم، أو لأن تجد طريقًا آخر ولربما يكون سارًا أو سيئا لأننا لسنا وحدنا بالميدان أقصد أصحاب الفكرة الثورية أوالوطنية النضالية الجهادية فالكثير من الأعداء أوالخصوم الخارجيين-والطابور الخامس- قد يحلّون ويتموضعون بالضرورة في ظل الفراغ السياسي (نتيجة الصراع أوافتقاد الأولويات…) أوالفراغ الثقافي الذي أوجدناه باقتتالنا أوتصارعنا على “مزبلة” النفوذ والقوة، أو السلطة أوالمكاسب الذاتية أو الفصائلية.

إن الانعزال عن الجماهير، أوالاستقواء بالنظام السياسي التنفيذي عليها أو استغلالها وتوظيفها لمآرب ذاتية يُعدّ قتلًا مبرمجًا للنهج الديمقراطي أوالشوروي، وسبب رئيس لعملية الانفكاك بين القيادة وبين الجماهير التي إن افتقدت القدوة صنعت غيرها، أو لربما تاهت أوأوجدتها في سياقات أخرى.

طلّة المشاهير

العديد من الناس ممن ابتعدوا عن الهدف الجامع للشعب أو الأمة وجدوا مرتعًا خصبًا في مساحات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها سلبية من مثل الانكباب على اللعب قاتل الوقت والعقل، أو الاخبار الملوثة، أوالشهوات، أو الانجرار وراء الاشاعات والدعايات المغرضة، أوترقب طلّة المشاهير الفَسَقة منهم والناجحين…الخ.

ولن تستطيع أن تقيم الحُجّة على كل الجماهير ما دمت أنت في مركز القيادة السياسية أوالمجتمعية أوالدينية او الثقافية مقصرٌ بواجبك …لا تلتفت لاحتياجات هذه الجماهير أو لا تبذل جهدًا في فهم احتياجاتها وتطلعاتها وبالتالي جذبها. أو تنعزل بأفكارك وسلوكياتك عنها.

نجد المثال الحيّ دومًا بالكبار الكبار في حضارتنا وفي تاريخنا العربي الاسلامي المسيحي المشرقي الحي والمتسامح، والذي هو حقيقة أمسنا ويومنا وغدًا، بتميزنا (وليس انسحاقنا) الحضاري، المفترض أن يكون مبتعدًا عن العقلية الاستهلاكية الذليلة لكل منتجات الغرب الاستعماري العقلية، والاستئثاري حتى في مجاله الفكري-الثقافي النفسي.

لقد ضربت مختلف الشخصيات الريادية والقيادية في أمتنا المتفردة والمتميزة حضاريًا-والحضارات تتميز وتتقاطع وتتلاقح- النماذج والأمثلة بالوعي والسبق وفهم المتغيرات وامتلاك الرؤية المتقدمة ما جعل الجماهير تتلقى أفكارهم بالاحترام والمحبة والتقديس أحيانًا، الى أن زلّت قدم التابعين عن المسار فتخرج الجماهير لتعلن رفضها للانحراف والزلل.

ولربما تنجح عديد الدفقات المعلواتصالية بكسب هذه الجماهير حين تنحرف القيادة أوحين تنجرف باتجاه صراعاتها الداخلية ووحشية النزق المكون لشخصياتها الكئيبة أوالكالحة.

لابد من حُسن النظر والتأمل في أنفسنا أولًا (وفي أنفسكم ۚ أفلا تبصرون)، وهنا المقصود والخطاب للقيادات في المساحات المختلفة التي متى ما قصّرت أو أهملت أوتصارعت تصارع الأكباش فإن الناس تصبح في غنى عنها أو تترقب الكبش الفائز!؟ ما يُردي القضية، أويجعلها حبيسة الأدراج الخلفية في عقول الناس ولو مؤقتًا.