هارتس : النووي الإيراني: اقتراب «ساعة الصفر»

زلمان-شوفال.jpeg
حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال

 

 


كتبت في "معاريف" قبل حوالي تسعة اشهر حول الموضوع النووي الإيراني بأن "جعبة الخطوات الممكنة لدى إسرائيل تشمل عمليات وقائية عسكرية، وتعميق عمليات "المعركة بين حربين" المنسوبة لإسرائيل، وايضا ردع، أي تهديد واضح أو تهديد ضبابي، لبقاء الثورة الإسلامية عن طريق الوسائل المكشوفة والخفية التي توجد لدى إسرائيل... إسرائيل يجب عليها العمل بكل الطرق، الدبلوماسية وغيرها، من اجل منع تجديد الاتفاق، أو اذا بالإمكان تغييره... مع ذلك، ايضا فحص الإيجابيات والسلبيات لاحتواء الوضع اذا تم استئناف الاتفاق".
لقد مرت تسعة اشهر والعالم، بما في ذلك اسرائيل، يقف، الآن، امام عدة خيارات، لا يوجد من بينها أي خيار جذاب بشكل خاص. صحيح أنه في 29 تشرين الثاني تم استئناف المحادثات بين ايران والدول العظمى التي وقعت على الاتفاق الاصلي، باستثناء الولايات المتحدة التي انسحبت منه، ولكن التصريحات التي تسمع من طهران لا تدل على أن هناك أي احتمالية بأن ايران برئاسة ابراهيم رئيسي تنوي وقف أو ابطاء السعي نحو السلاح النووي والهيمنة الاقليمية.
العيوب الرئيسة في الاتفاق الاصلي هي أن ايران كان يمكنها بسهولة التملص من القيود التي توجد فيه ومن الرقابة الدولية (الامر الذي حدث بالفعل)، وايضا هذه القيود كان يمكن أن تنتهي خلال 10 – 15 سنة. حسب التقرير الربعي للوكالة الدولية للطاقة النووية فإن ايران خرقت حقا الكثير من التزاماتها في الاتفاق، منها تجاوز مستوى تخصيب اليورانيوم ومخزون اليورانيوم المخصب لديها. في هذه الاثناء، حسب دلائل واضحة، فإن ايران تحولت الى دولة حافة نووية وعلى مسافة سنة أو اقل من القدرة على انتاج عدد من القنابل النووية. بالتالي، فإن العالم، اسرائيل أكثر من الجميع، قريب جدا من النقطة التي تقتضي اتخاذ قرارات عملية.
اعطت الادارة الأميركية برئاسة جو بايدن اشارات منذ بداية عهدها الى أنها مستعدة للعودة الى الاتفاق الاصلي تقريبا دون أي شروط أو تغييرات. ولكن قيادة ايران كما يبدو لا تميل الى الموافقة حتى على اجراء تغييرات تجميلية. بالعكس، هي نفسها تطرح شروطا، منها الغاء العقوبات على الفور. زيارة وفد أميركي برئاسة روب مالي، مبعوث بايدن لشؤون ايران، في اسرائيل وفي دول اخرى في الشرق الاوسط، استهدفت توضيح، أو ربما زيادة الضبابية، النوايا الحقيقية للادارة الأميركية في هذا الشأن. ورفض رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، الالتقاء معه كان بحد ما خطوة سياسية محسوبة، لكن بدرجة أكبر كان خطوة صبيانية الى حد ما لابداء عدم الرضا عن خطوات الولايات المتحدة.
على أي حال، وكما كتب في "ايكونوميست" فإن اسرائيل دخلت الى "منطقة المعضلة" فيما يتعلق بردها، سواء تم استئناف الاتفاق أو تقدمت ايران في المسار النووي دون اتفاق، الآن، عليها أن تفحص بعناية عدة خيارات، وكل واحد منها يقتضي اتخاذ قرار مسؤول جدا بهذا الشأن. ولكن من هنا ينبع أن اسرائيل ايضا سيجب عليها أن تفحص هل من المجدي لها أن تواصل سياستها الضبابية النووية التقليدية.
سياسة الضبابية متفق عليها مع أميركا منذ العام 1969. وبفضلها تعطي الولايات المتحدة لاسرائيل الرعاية الدبلوماسية والسياسية من مبادرات دولية لنزع سلاحها، بما في ذلك ميثاق منع انتشار السلاح النووي من العام 1968. هذا الفهم يجد تعبيره في الجملة التي تقول "الولايات المتحدة تعترف بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها بنفسها"، وهو تصريح يتجدد في كل ادارة أميركية. لقد كانت لهذه السياسة الضبابية افضلية واضحة، حتى في منظور اجمالي العلاقات مع أميركا، وخاصة، الآن، امام النشاط المتطرف للجناح التقدمي، أي اليساري المتطرف والمناهض لاسرائيل في الحزب الديمقراطي، ضد العلاقات الامنية الوثيقة بين الدولتين. الغاء الضبابية سيسقط في ايديهم مثل ثمرة ناضجة.
السؤال ذو الصلة والمهم هو كيف تكون دولة اسرائيل قادرة على الجسر بين مصالحها ونقاط الضعف التي ينطوي عليها هذا الموضوع. الآن، هناك من يعتقدون بأنه لم يعد هناك خيار امام اسرائيل للقيام بهجوم عسكري في ايران. ولكن توجد ايضا آراء اخرى، رغم أنه يجب ألا نتجاهل الاخطار التي تكتنف ذلك. يعود الفضل بالحق التاريخي لبنيامين نتنياهو الذي طرح قضية المشروع النووي الايراني على جدول اعمال العالم بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص.
الغاء الاتفاق النووي من قبل ادارة ترامب وتشديد العقوبات ضد ايران بدعم منه، وهناك من يقولون بتشجيع من نتنياهو، يمكن أن تكون خطوات لها الامكانية الكامنة الاكبر الى جانب عملية عسكرية، من اجل وقف توصل ايران الى أن تكون دولة نووية. ولكن هذه الاحتمالية تم الغاؤها عند صعود بايدن. المقولة التي تسمع، الآن، بالاساس من المعارضين السياسيين لنتنياهو، هي أن "اتفاقا سيئا افضل من عدم الاتفاق". ولكن النتيجة الفعلية هي أن الاتفاق السيئ يشرعن كل نوايا طهران بخاتم اتفاق دولي، مثلما قلنا في حينه بأن اتفاق ميونيخ كان افضل من عدم الاتفاق، والنتيجة معروفة. المتحدثون باسم الادارة الأميركية، الآن، مثل وزير الدفاع لويد اوستن، يكررون تصريحاتهم التي تقول، إن الولايات المتحدة ملزمة بأن تمنع ايران من الحصول على السلاح النووي، لكنهم يقيدون ذلك بالقول، إن الولايات المتحدة ملتزمة بالنهج الدبلوماسي في هذا الشأن. كل هذه الاقوال هي نظرية، الآن، والاختبار الحقيقي للولايات المتحدة وايضا لاسرائيل آخذ في الاقتراب بسرعة.

عن "هآرتس"