هارتس : إسرائيل و"حماس": "تعادل" بنكهة الانتصار

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



احتفل الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، بمرور سبعة أشهر على الهدوء النسبي في قطاع غزة منذ انتهاء عملية "حارس الأسوار"، وهي العملية الأخيرة في سلسلة العمليات الإسرائيلية العسكرية الكبيرة في قطاع غزة. ومثل سابقتها، "الرصاص المصبوب" في العام 2008 و"عمود السحاب" في العام 2012 و"الجرف الصامد" في العام 2014 وأيضا سلسلة عمليات أصغر، لم تجلب هذه العملية معها أيضاً أي تغيير أساسي في صورة الوضع. في هذه المرة ايضاً تبادلت إسرائيل و"حماس" اللكمات، ودفع الفلسطينيون ثمناً أعلى من الخسائر والأضرار الاقتصادية. ووافق الطرفان في النهاية على العودة الى وقف إطلاق النار.
منذ انتهاء العملية تم إطلاق خمسة صواريخ فقط من القطاع نحو إسرائيل. وهو عدد قليل مقارنة مع الفترة الموازية بعد كل عملية من العمليات السابقة. تشوش هذا التوازن بشكل قليل قبل أيام عندما أصيب مواطن إسرائيلي كان يقوم باعمال الصيانة على الجدار الحدودي إصابة طفيفة بنار قناص في شمال القطاع.
كانت عملية "حارس الأسوار" الحادثة الأمنية البارزة في السنة الماضية. في الأشهر الماضية منذ انتهائها، يقوم كل طرف بتعداد نجاحاته. سوقت "حماس" نفسها للجمهور الفلسطيني حامية للقدس، عندما أطلقت صواريخ نحو المدينة بعد توتر حدث حول الحرم، ونجحت في إشعال موجة اضطرابات استثنائية من حيث حجمها وقوتها في المدن المختلطة داخل الخط الأخضر، ونجح جميع أعضاء قيادتها في الحفاظ على حياتهم. قلّصت إسرائيل أضرار الصواريخ بوساطة منظومة اعتراض "القبة الحديدية"، وأحبطت الجهود الهجومية الاخرى لـ "حماس" (طائرات مسيرة، أنفاق) واغتالت عدداً من رؤساء منظومة تطوير وإنتاج السلاح في "حماس".
في إسرائيل ما زال هناك حوار حول أهمية العملية الأساسية للجيش الإسرائيلي أثناء العملية، وهو تفجير "الميترو"، منظومة القيادة الموجودة تحت الأرض التي حفرتها "حماس" تحت مدينة غزة. خلافاً للخطة الأصلية التي لم يتم تطبيقها بالكامل فإن القصف الكثيف أدى فقط الى قتل عدد من النشطاء. في الجيش يصممون على أنه كان للقصف مع ذلك أهمية كبيرة، لأنه سيردع "حماس" عن استخدام الفضاءات التحت أرضية في الجولة القادمة.
في عدد من المقالات الأخيرة في الصحف، التي رددت ما جاء في إحاطات ضباط كبار، برز جهد مضنٍ إلى حد ما في ترسيخ فهم النصر المتأخر. فعلياً، سجل تعادل آخر كئيب تم فيه مجدداً توضيح ظاهرة تمت الإشارة إليها هنا بأنها خيار إسرائيل الواضح. القيادة السياسية، مثل الجيش، غير متحمسة لعملية برية واسعة النطاق في القطاع لسببين: الأول هو أن هذه العملية ستكلف إصابات كثيرة في الجيش الإسرائيلي. والثاني هو أنه لا يوجد لإسرائيل أي خطة فعالة حول ما ستفعله في القطاع في اليوم التالي لانهيار حكم "حماس". كل فكرة تم فحصها ستنتهي باحتلال لفترة غير محدودة لسكان معادين يبلغ عددهم مليوني نسمة. هذه المقاربة هي مقاربة مشتركة بين رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو (الذي جرت العملية الأخيرة في آخر فترة حكمه) وبين وريثه في هذا المنصب، نفتالي بينيت. تبادل الأماكن بينهما، مثل المنجنيق اللفظي الذي يطلقونه الواحد على الآخر، لم يغير أي شيء.
الحادثة التي قتل فيها في آب الماضي قناص حرس الحدود، بريئيل حداريا شموئيلي، بنار أُطلقت اثناء تظاهرة فلسطينية قرب الجدار في القطاع، زادت حدة هذا الفهم. بالنسبة لجزء من الجمهور الإسرائيلي، بالتحديد بصورة بارزة في الجانب اليميني في الخارطة السياسية، فان خسائر الجيش أثناء تأدية خدمته العسكرية أدت الى نتيجة غير مقبولة. قادة الجيش الإسرائيلي يسمعون مشاعر مشابهة بدءاً من السكان في بلدات غلاف غزة وانتهاء برؤساء المجالس: في المرة القادمة يجب عليكم مواصلة الانقضاض عليهم بكل قوة، لكن أن تفعلوا ذلك بوساطة القصف من بعيد. لن نوافق في أي حال من الأحوال على أن يجتاز جندي الجدار الى داخل أراضي غزة. يريد الجمهور أن يذهب مع وأن يشعر ضد.
يوم الاثنين الماضي عرض على عائلة شموئيلي التحقيق العسكري حول ظروف الحادثة. قائد فرقة غزة، العميد نمرود الوني، الذي قام بعد ذلك بتقديم إحاطة للمراسلين، اعترف علنا بالأخطاء التي ارتكبت بالصورة التي تم فيها نشر الجنود، الأمر الذي مكّن فلسطينياً مسلحاً من إطلاق النار على شموئيلي من مسافة صفر، من خلال شق منخفض في الجدار الحديدي.
لا تكتفي العائلة بهذا الاعتراف، بل تواصل المطالبة بإقالة من كان قائد اللواء أثناء الحادثة، العقيد يوآف برونر. في الجيش يعارضون ذلك، ويبدو أنهم على حق. عندما قتل شموئيلي كان برونر على بعد مسافة قصيرة منه. وفي سلوكه لم يتم العثور على إهمال أو خطأ قيمي أو محاولة للإخفاء. ليس كل خطأ لقائد يقتضي الإقالة. ربما يجب أن نذكّر في هذه الحالة بقائد سابق لفرقة غزة وهو أفيف كوخافي. ففي العام 2006 عندما اختطف تحت إمرة كوخافي الجندي جلعاد شاليت، هل كان من المبرر إقالة وقطع الحياة المهنية العسكرية لمن سيصبح في المستقبل رئيسا للأركان؟
القرارات في "حماس" تُتخذ بوساطة آلية معقدة من الموافقات، التي تشمل رؤساء "حماس" في القطاع، وفي الضفة، وفي الخارج. ولكن الشخص الذي حسب تعليماته يتم إعطاء الأمر الآن في القطاع هو يحيى السنوار، رئيس "حماس" هناك. تقدر شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي بأن السنوار ما زال يركز على إعادة البناء للذراع العسكرية بعد الضربات التي تلقتها في أيار الماضي، وهو غير متحمس الآن لجولة قتال اخرى، حيث الشتاء في ذروته ووضع البنى التحتية في غزة متدن. في المقابل، التصريحات العلنية لقادة "حماس"، مؤخراً، هي عسكرية جداً. تركز إسرائيل الآن على الأمل بتسوية طويلة المدى، في اطارها يكون المزيد من التسهيلات (اضافة الى تصاريح العمل في إسرائيل لعشرة آلاف عامل من القطاع)، حيث ستضمن الهدوء فترة طويلة. إن لهجة "حماس" مختلفة كلياً، وخطاباتها جميعها تظهر عدم الرضى عن وتيرة التسهيلات، ومليئة بالتهديدات بإشعال القطاع من جديد.
يتركز قسم كبير من طموحات "حماس" على ما يحدث في الضفة الغربية. "حماس" ناشطة في إشعال الضفة وتشجيع موجة من عمليات الأفراد والخلايا المحلية، على أمل أن استمرار "الإرهاب" هناك سيزيد التوتر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وسيضعضع مكانة السلطة. هذا جزئيا هو الخلفية وراء الزيارة الفريدة لرئيس السلطة، محمود عباس، الى منزل وزير الدفاع، بني غانتس، هذا الأسبوع. في اللقاء في رأس العين صادق غانتس على سلسلة بادرات حسن نية اقتصادية في الضفة كجزء من محاولة تعزيز مكانة السلطة والحفاظ على التنسيق الأمني معها. الفلسطينيون يحتاجون الى إسرائيل أيضاً على خلفية الصعوبة في مواصلة دفع رواتب كاملة لرجال الجهاز الأمني. في الحكومة الحالية، غانتس هو الوزير الرئيسي الوحيد الذي يحافظ على علاقة وثيقة مع أبو مازن ولا يخاف من الالتقاء علنا معه (بينيت تجنب ذلك). في جهاز الأمن يقدرون أهمية اعلان عباس عن تهدئة النضال الفلسطيني في المؤسسات القانونية الدولية. في هذا اللقاء عاد عباس وأكد معارضته للعنف، لكنه أرفق ايضاً تحذيراً: إذا استمر الوضع القائم في الضفة فإن إسرائيل تخاطر بانفجار وشيك.

بين المناورة والتنفيذ
في الوقت الذي طلبت فيه عائلة شموئيلي رأسه فإن العقيد برونر كان في تدريب في هضبة الجولان مع جنوده من لواء المظليين النظامي. تعيينه قائداً للواء المظليين كان محدداً مسبقاً، حتى قبل الحادثة التي حدثت في غزة ولم يتم إلغاؤه بعدها. قبل بضعة أيام من التدريب ألقى رئيس الأركان خطابا أمام سرب طيارين في احتفال إنهاء دورة طيران. في هذا الخطاب الذي أثار الصدى دعا كوخافي الى اعطاء اولوية للجنود بدلاً من رجال السايبر، وقال إن المجتمع الإسرائيلي تشوش بشأن سلم أولوياته.
المظليون، خلافاً للوحدات الميدانية الاكثر رمادية، لا توجد لهم مشكلة حقيقية في جذب متطوعين ذوي نوعية عالية. تبدأ الصعوبة حول منصب قائد الفصيل، وبدرجة أشد بعده، عندما ينجح القادة في الحصول على تواقيع لخدمة دائمة اضافية فقط من جزء من الضباط المتميزين. مشكلة مشابهة يتم الشعور بها أيضا في الألوية الاخرى. بقيت الخدمة القتالية نفسها شبيهة جداً بالطريقة التي يتذكرها القراء من الأجيال السابقة: صعبة ومتطلبة ومختلفة في جوهرها عن الحياة اليومية لرجال وحدات السايبر والتكنولوجيا.
في إطار مناورة الكتيبة سار قائد الكتيبة 101، المقدم دبير ديموند، وجنوده 90 كم في أربعة أيام. حاكت المناورة القتال ضد "حزب الله" قرب الحدود مع لبنان، ودمجت بين القتال والحركة في منطقة معقدة وفي منطقة حضرية مبنية باكتظاظ. مناظر هضبة الجولان في هذا الصيف زاهية، لكن البرد يتسبب بالتجمد ويخرّ في العظام. أحد الجنود قال لقائد اللواء بأنه يفضل السير في الليل على النوم على الأرض بدون كيس للنوم، هكذا يكون الوضع أقل برودة.
من بين الـ 500 جندي تُرك جنديان، أحدهما بعد أن لدغه عقرب والآخر بعد إصابته بالحمى. يعكس مسار المناورة الكثير من الأفكار التي يطرحها رئيس الأركان في خطته متعددة السنوات التي بلورها، "تنوفاه". ولكن كالعادة هناك فجوة معينة بين الحلم والواقع. بمحاذاة المظليين كان يتحرك فصيل دبابات، وفي احتلال المنطقة المأهولة استعانوا بطائرات مروحية حربية، شخصت لهم أهدافاً معادية. استخدام الطائرات المروحية للعثور على الأهداف، الذي هو عامل رئيسي في خطط رئيس الأركان، ما زال بحاجة الى صقل اكثر. ومن غير المؤكد أن كل ما يتم التدرب عليه في المناورة بنجاح في هضبة الجولان يمكن تطبيقه بالسهولة ذاتها أمام "حزب الله" في جنوب لبنان.
جيل الجنود الجديد، يقول قادته، غير مدلل، بل أكثر انتقادا تجاه المنظومة ويطرح الكثير من الأسئلة، بالأساس ليس لديه صبر على هدر الوقت، الذي ينبع من عدم التخطيط وغياب النجاعة. صعوبة اخرى تنبع من الفجوة بين توقعات الجنود، الذين معظمهم على قناعة بأنهم سيواجهون عدوا اثناء خدمتهم، والطبيعة المتكررة والمستنزفة للخدمة نفسها. في المناورة يأكل الجنود في هضبة الجولان فقط الطعام الذي يحمله الفصيل على ظهره، مثلما هو الأمر أثناء القتال. ذات ليلة، في ظروف برد أقسى من المعتاد، صودق على إضافة الشاي الساخن والشوربة. تحول موضوع الطعام الآن الى موضوع اكثر حساسية في الجيش على خلفية الشكاوى الكثيرة للجنود وعائلاتهم. الكثير من الشكاوى تتعلق بقواعد التدريب التي توجد في الجبهة الداخلية، لكن أيضا يشتكي الجنود في المواقع المتقدمة دائما من نوعية الطعام.
في الجيش يقلقون من الموجة التي تنعكس ايضا في استطلاعات غير مشجعة للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية. الانتقاد في جزء كبير منه له علاقة ويمس بالهدف. ولكن الجيش الإسرائيلي عالق في الوسط، في مجتمع إسرائيلي منقسم وغاضب وأصبح أقل استعدادا للتساهل معه. المقال المشهور جدا للكاتبة والصحافية الأميركية، جوان ديديون، التي توفيت، الأسبوع الماضي، يبدأ بكلمات "المركز غير صامد" (الاقتباس أخذ من أغنية لـ ييتس)، وهذه في جوهرها هي أيضاً مشكلة الجيش في هذه الأجواء العامة الحالية.

عن "هآرتس"