ثقة الجمهور الإسرائيلي بالجيش تواصل النزيف رغم الهدوء النسبي

طال ليف رام.png
حجم الخط

بقلم: تل ليف رام

 

 




في سنة مستقرة نسبياً من ناحية أمنية، ومع عدد متدنٍ من المواطنين والجنود القتلى مقارنة بالسنوات السابقة، يجد الجيش الإسرائيلي صعوبة في تلقي ثقة الجمهور. عندما يتم القسم المركزي من نشاط الجيش بعيداً عن حدود إسرائيل من قبل سلاح الجو، في معركة تُسمى المعركة بين الحروب، في إجمال العام 2021 يعطي الجيش الإسرائيلي لنفسه علامات عالية. سواء على أدائه العملياتي ضد التموضع الإيراني في سورية، ام في الحرب ضد "الإرهاب" في "يهودا" و"السامرة" أم في حملة "حارس الأسوار" في غزة.
اما مزاج الجمهور الإسرائيلي فأصعب على القياس، لكن الاستطلاعات المختلفة، كاستطلاع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وكذا النقد المتزايد في وسائل الإعلام في الشبكات الاجتماعية، بما في ذلك من جانب الجنود والمقاتلين، تطرح فجوة بين الشكل الذي يرى فيه مسؤولو الجيش أداءه والعلامات التي يعطيها لنفسه وبين العلامة التي يتلقاها من الجمهور.
مثلما في الماضي، ففي الفترات الهادئة نسبياً من ناحية أمنية تكون المسائل العادية هي التي تحتل معظم جدول الأعمال: شروط خدمة الجنود والمقاتلين، أجر الجنود، الجدال حول تقاعد رجال الخدمة الدائمة، أحداث شاذة، أزمات إعلامية، ومسائل ترتبط بإدارة الجيش وأهليته.
في الماضي أيضاً سجل نمط مشابه، ولكن ليس بهذه الشدة. يبدو أنه يصعب في السنوات الاخيرة اكثر على الجيش الإسرائيلي نيل ثقة الجمهور. تناقض الأمن: بالذات في الفترة التي تصمت فيها المدافع وتقل الأحداث الأمنية تحتدم مشاكل الجيش الإسرائيلي كجيش للشعب.
بعد نشر الاستطلاع الأخير للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، شددت أوساط الجيش على انه في المجال العملياتي نال الجيش علامات عالية من الجمهور، وذلك مقابل علامات متدنية جدا تلقاها الجيش في الاستطلاع عن سلوكه المالي والطريقة التي يُعنى بها بجنوده. استطلاع آخر للمعهد، سيُنشر قريباً، سيشير الى استمرار تآكل ثقة الجمهور بالجيش. اما الجيش، فاكثر من أي مؤسسة جماهيرية اخرى، لا يزال يحظى بمستوى الثقة الاعلى، ولكن ميل التآكل متواصل ومقلق.
في بؤرة الحديث توجد الشروط الأساس للجنود – الغذاء، المبيت، جودة العلاج الطبي والمواصلات. بتأخير كبير تفهم قيادة الجيش بأن الجيش لا يعد جسما مهنيا في الأيام العادية، ولن يعد هكذا في لحظة المعركة ايضا. من يسعى ليغرس دافعية عالية في مقاتليه ويحاول خلق صورة جيش منتصر وبث عزة الوحدة العسكرية، ملزم بان يعالج قبل ذلك الوضع الحياتي الاعتيادي والشروط الأساسية والمناسبة التي يوفرها لجنوده. وبقدر كبير فإن هذا أهم من رفع المعاشات الذي تم مؤخراً.
وقال رئيس الأركان، افيف كوخافي، في بداية ولايته جملة شدد فيها على سلم أولويات الجيش ولا سيما في الأيام التي لم تكن فيها ميزانية مرتبة: "المدافع قبل الجرابات". جملة من المشكوك أن يكررها مرة أخرى، بل لعلها أدت الى ترجمة غير صحيحة في المستويات التنفيذية، في جيش وجد صعوبة في السنوات الاخيرة في إطعام جنوده وتوفير الخدمة الطبية لهم بشكل مناسب.
النهج الذي بموجبه تكون قبل كل شيء الاحتياجات العملياتية والحاجة لاداء المهام وبعد ذلك كل ما تبقى، ببساطة لا يثبت نفسه. والآن يبدو ان قيادة الجيش، وان كان متأخرا، تفهم انه في السنة المقبلة ستكون الفجوة بين القدرات التكنولوجية الهائلة للجيش وبين مستوى الصيانة في القواعد وشروط المعيشة السيئة للجنود والمقاتلين على نحو خاص فجوة غير معقولة. ما كان جائزاً ذات مرة لم يعد كذلك اليوم. فالجيل والعهد مختلفان، وشبيبتنا لا تزال مستعدة لتساهم وتخدم، لكنها تطالب أيضا وعن حق بما تستحق. وهذا ليس اكثر من الشروط الأساسية والنزيهة.
بعض الفجوات الواسعة التي نشأت في السنوات الأخيرة ترتبط مباشرة بالقرارات الداخلية للجيش، وبإعطاء اولوية مبالغ فيها لشعبة الاستخبارات في اختيار الأشخاص بحيث إن من تبقى في مرات عديدة من سياقات التصنيف الطويلة سقط بين الكراسي ولم ينل فرزا مناسبا.
في صالح رئيس الأركان كوخافي ورئيس شعبة القوى البشرية، اللواء ينيف عاشور، يقال إن الجيش يوجد في السنة الأخيرة في عملية عميقة يفترض أن تخلق تغييراً وانعطافة: ان توفر الفرص الأفضل للشبيبة من بلدات المحيط لينخرطوا في المنظومات التكنولوجية، لتحسين منظومات الفرز والتصنيف للوظائف القتالية أيضاً، الى جانب تطبيق إصلاحات عديدة اخرى يفترض ان توفر جواباً شخصياً واستنفاداً أفضل للمتجندين الجدد قبل وفي أثناء القتال.

إنجازات عملياتية
لم تكن هذه سنة بسيطة للجيش الإسرائيلي، الذي تعرض لانتقاد جماهيري. وهنا يكمن ايضا تناقض الأمن. على المستوى الأمني كانت هذه سنة معتدلة وهادئة بالنسبة للسنوات المنصرمة، سنة وجدت فيها تعبيرها الفجوات بين تعريف إسرائيل كدولة مزدهرة بالقوى وبالاقتصاد والأزمات العميقة في دول المنطقة.
ان العلاقات المتوثقة مع دول الخليج ومع دول إسلامية أُخرى تعزز فقط هذا الميل، وتضع إسرائيل في موقف متميز كدولة ذات أهمية استراتيجية عالية بالنسبة لدول عديدة في المنطقة. الجيش وجهاز الأمن تعلما في السنة الأخيرة كيف يستغلان ذلك على المستوى الأمني – الاستراتيجي أيضاً، بأوجه تعاون عديدة توجد في بداية طريقها.
الواقع ليس أسود أبيض، فإلى جانب المشاكل كانت في السنة الأخيرة إنجازات عملياتية كثيرة جدا. فأسلحة الجو والاستخبارات تواصل إبداء مستوى مهني عالٍ في كل ما يتعلق بالمعركة تجاه التموضع الإيراني في سورية. عشرات عمليات المعارك ما بين الحروب التي تمر بلا أخطاء يمكنها ان تورط بسهولة إسرائيل في مغامرات زائدة أو في أزمة دبلوماسية مع الروس، ليست أمراً مسلماً به. حقيقة أن هذه العمليات تتم دون أن ينجح الطرف الآخر في جباية أثمان من إسرائيل ليست أمراً لا يؤبه له.
لنا كإسرائيليين يوجد أحيانا ميل لنطبع بألوان سوداء ما نسميه تآكلاً في مدى الردع الإسرائيلي. وذلك بخاصة بعد أن تبدي إسرائيل ضبطاً للنفس في أعقاب إطلاق "حزب الله" للصواريخ في آب إثر هجمات لسلاح الجو في لبنان.
ولكن بالمقابل يجدر بالذكر انه بعد العمليات العديدة المنسوبة لإسرائيل ضد أهداف لـ "حزب الله" وإيران، لم ينفذ كرد على ذلك عمل معادٍ ذو مغزى من جانبهم. هذه ليست بوليصة تأمين، وفي جهاز الأمن يقدرون باحتمالية عالية أن يحاول الحرس الثوري ان ينفذ في السنة القادمة عملية ضد إسرائيل، فيما صدت حتى اليوم عمليات كهذه جيدا.
عندنا ايضا يفهمون بأن المعركة تجاه تعاظم القوى محدودة في إنجازاتها. فإيران رغم الضربات التي تعرضت لها في سورية لا تتخلى، والهجمات الأخيرة المنسوبة لسلاح الجو تشهد هي أيضا على استمرار الجهود الإيرانية للتموضع في المنطقة ولتسليح شركائها.
اكثر من أي شيء آخر يقلق جهاز الأمن استمرار تسليح "حزب الله" بالصواريخ الدقيقة. فرغم أزمة التنظيم الشيعي المتطرف، يمكن لنصرالله ان يسجل في السنة الأخيرة تقدماً آخر في مشروع الصواريخ الدقيقة، وذلك الى جانب التسلح الكبير بمنظومات الدفاع الجوي المتطورة التي تؤثر على طريقة عمل سلاح الجو في المنطقة.
ولكن الى جانب التهديدات الأهم من إيران و"حزب الله" تجسد نهاية السنة الأخيرة جيداً لماذا لا تزال الساحة الفلسطينية هي الاكثر تفجرا من ناحية امنية. فشهر كانون الاول والارتفاع في مستويات "الارهاب" يرفعان مرة أخرى مستوى التوتر، ويدلان على التعقيد الذي ينطوي على كون الجيش هو صاحب السيادة في الضفة، والمسؤول الى جانب الامن والقتال ضد "الارهاب" عن حفظ القانون والنظام ايضا تجاه اليهود والفلسطينيين على حد سواء.
أحبط الجيش والمخابرات الإسرائيلية في السنة الأخيرة عمليات عديدة. العملية الأخيرة في حومش، والتي قتل فيها يهودا ديمنتمن، تجسد فقط مستوى التهديد، و"حماس" في غزة وفي الخارج ستواصل بذل الجهود لإشعال المنطقة وهكذا تمس بإسرائيل وبالسلطة الفلسطينية معاً.

عن "معاريف"