عام 2022... والواقع الفلسطيني

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

يطل علينا العام الجديد، عام 2022، في ظل واقع فلسطيني، أقل ما يمكن وصفه بالوضع الصعب، في ظل جمود متواصل وفي مختلف الأصعدة، وغياب بوادر للتغيير، وفي ظل انسداد الآفاق في مجالات متعددة، وتصاعد اليأس والإحباط عند فئات كثيرة في مجتمعنا وبالأخص عند فئات الشباب، ورغم هذا الجو السوداوي، وغياب الأُفق بالتغيير في المدى القريب، إلا أن تمسك الناس بالأرض وبالحقوق وبآمال التغيير والتقدم والأهم عند الأجيال الشابة، هو ما يعوّل عليه في عام 2022 والأعوام التي تليه.
وفي ظل هذا الواقع الحالي الصعب، ومحدودية الخيارات والإمكانيات والقيود، فإن السلطة الفلسطينية، السلطة التنفيذية المسؤولة عن الناس وعن شؤونهم، هي في وضع لا تُحسد عليه، ونحن نعرف أن السلطة هي نتاج او إفراز طبيعي لاتفاقيات أوسلو، التي تآكلت مع الزمن، وتلاشت مخرجاتها بما نشاهده ونلمسه على الأرض وبشكل يومي، وفي ظل ذلك فإن واقعنا الصعب المرير، الحالي والذي نأمل بأن يتغير خلال عام 2022، يتمحور بالجوانب التالية:
الجانب السياسي: سواء على صعيدنا الداخلي أو بما يحيط بنا ويؤثر علينا، فالانقسام الداخلي لم يعمل على تمزيق الجسد الفلسطيني وحسب، ولكن أفرز تداعيات عميقة لن يكون من السهل التخلص منها سريعاً، حتى لو أنهت معجزةٌ ما هذا الانقسام، والوضع السياسي المرير ما زال يتمحور بعدم المضي قدماً نحو التغيير السياسي من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية، والتي لا يبدو لها أفقٌ حالياً، ورغم بادرة الأمل من خلال إجراء الانتخابات المحلية، إلا أننا ما زلنا نشهد جموداً سياسياً عاماً، وبغض النظر عن الأسباب، وهذا وضع محبط ولا يبشر بفتح آفاق جديدة، ودعنا نأمل بأن يتغير ذلك خلال عام 2022.
الجانب الاقتصادي: حيث إن الجمود والإحباط السياسي ينعكس بشكل أو بآخر على الاقتصاد، سواء على صعيد السلطة أو على صعيد الناس، وحسب التقارير الحديثة، فإن السلطة تعيش أسوأ أزمة مالية واقتصادية حالياً، في ظل عجز ومديونية للخارج والداخل غير مسبوقة، وفي ظل عدم القدرة على تغطية كافة الرواتب والالتزامات، وهذا ينعكس على الناس وعلى عجلة الاقتصاد كاملة، ولا داعي للذكر أن غالبية الناس في بلادنا، يكاد لا يبقى الراتب عندها حتى آخر الشهر، مع طحن عجلة قروض البنوك وارتفاع الأسعار وتذبذب العملات، والالتزامات بأنواعها، ودعنا نأمل أن يتغير ذلك في عام 2022، رغم أن هذا الأمل في ظل الواقع الحالي هو أمل ضئيل.
الجانب الاجتماعي والتربوي: الإحباط والمرارة في المجالات السياسية والاقتصادية، انعكست على علاقاتنا الاجتماعية والتربوية والثقافية وفي مجالات الوعي والتفكير والتعامل بيننا، فغاب ما كنا نفتخر به من مفهوم رأس المال الاجتماعي، ذلك الوضع الذي يتكاتف فيه الجميع من أجل الجميع أو من اجل الصالح العام، واضمحلت العلاقات الاجتماعية والتربوية، لكي فقط نتمترس خلف ما بات يُعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، بسرعتها وسهولتها، بحيث أصبح الإقبال عليها من مظاهر الإدمان الحديثة، حتى بات الباحثون يستكشفون وسائل لعلاج هذا الإدمان وتداعياته.
الجانب الصحي: يحل علينا عام 2022، ونحن والعالم نشهد موجات عاتية من انتشار لمتحوّر كورونا الجديد، «أوميكرون»، حيث ولأول مرة منذ بدء الجائحة، تعدت الإصابات اليومية في العالم حاجز المليون إصابة، ومن الواضح انه وفي ظل هذا التخبط والتقصي وبناء على نتائج دراسات أو أبحاث جديدة، يتضح تدريجياً أن هذا الفيروس سوف يبقى بيننا ولفتره طويلة، وبأن الحديث عن لقاح سليم وفعال، سواء من خلال الجرعة الثالثة أو الرابعة، أو عن إجراءات أو قيود، لن تقضي على هذا الفيروس، وفي احسن الأحوال سوف تخفف منه ولفترة معينة،  وسوف تكون هناك موجات أخرى من التحوّرات الأشد فتكاً والأكثر انتشاراً، وبأن الواقع سوف يفرض علينا وعلى العالم البحث عن أفضل الأوضاع والأحوال للتعايش معه، وبأن ذلك سوف يكون الاستراتيجية الواقعية خلال عام 2022.
الجانب البيئي والمناخي: ورغم صعوبة أو ضعف الإحساس بالتغيرات البيئية المناخية حالياً عندنا، في هذه الأيام، ومع الحرائق والفيضانات وفقدان التربة الزراعية أي التصحر وارتفاع حرارة الارض وشح المياه والتلوث بأنواعه، سواء تلوث الهواء أو المياه أو التربة أو الطعام، والتصاعد الكبير في نسبة الأمراض غير السارية أو المزمنة وحتى ظهور آفات جديدة وبالتالي أمراض أو أوبئة جديدة، وتصاعدت حدة مقاومة البكتيريا للأدوية وخاصة المضادات الحيوية، وفي ظل كل ذلك، لا يجادل الكثير وكما كان يحدث في السابق، بحدوث التغيرات البيئية والمناخية والإخلال بالتوازن الطبيعي البيئي والتنوع الحيوي، وما إلى ذلك من تداعيات، وبدون شك أن واقعنا الفلسطيني خلال عام 2022 والأعوام التي تليه سوف يشعر أكثر بذلك.
ومع قتامة الوضع الحالي، ومواصلة تعثر أو جمود المسار السياسي، ومع تواصل أو تعمق حدة الانقسام والتفتت، ومع مواصلة كساد وضعف الاقتصاد، ومع تعمق التشرذم الاجتماعي، ومع التعوّد على انتظار آخر أو أول أسبوع من الشهر لمعرفة هل سوف يتم الحصول على الراتب أو على جزء منه، ومع محدودية الخيارات، وإعادة ترتيب الأولويات نتيجة الأحداث في المنطقة، فسيشعر الناس بنوع من انسداد الأفق، او بشكل من ضعف او محدودية الخيارات والإمكانيات.
وفي ظل هذه الصورة، فمن المتوقع أن يتواصل الواقع الفلسطيني في شكله الحالي، على الأقل في عام 2022 وفي المدى المنظور، القريب والمتوسط، وبالأخص، في ظل وجود خيارات فلسطينية عملية محدودة، وفي ظل منطقة تزخر بالأولويات وبالأحداث التي ليست في صالحنا أو في صالح عملية التغيير في واقعنا، وفي ظل تجاهل أو لامبالاة وإصرار على المواقف من كل الأطراف التي لها علاقة بواقعنا، وبالطبع فإن من يدفع ثمن ذلك هو المواطن والناس والاقتصاد والمجتمع، بكافة العلاقات وفي كافة الأصعدة.