ما بين نهج المايكرو والماكرو: مبعوث أمريكي جديد وحاجات بدل الحقوق!

d982a2b34f22b4d0cdf1829bbc828c9b.jpg
حجم الخط

بقلم: دلال صائب عريقات

 

كلما انقضت سنة، زادت تفاصيل القضية الفلسطينية، لدرجة أننا أصبحنا مشتتين بين ملفات كثيرة لا حصر لها، وبات من الصعب ترتيب الأولويات فيها. ومن هنا نود اليوم توجيه دعوة لتبني نهج ماكرو شمولي بدلاً من الضياع في التفاصيل التي تأتي مع نهج المايكرو.
نعلم تماماً أن المجتمع الدولي دون استثناء يستسهل أن يتعامل مع التفاصيل اي مع نهج الميكرو، لمَ لا وهو الوضع الأمثل والأكثر استقراراً لاسرائيل ولهذه الدول حيث لا يضع اي طرف عند التزاماته الاخلاقية او القانونية؟

منذ دخول بايدن البيت الابيض لم تتغير سياسة امريكا الخارجية تجاه الفلسطينيين، عاد الدعم المادي واختلف الخطاب واصبح مرناً ناعماً وفيه الكثير من القيم الانسانية ولكن من حيث الواقع، ها هي تماطل ادارة بايدن ويدور الحديث الان عن تعيين مبعوث امريكي لعملية السلام! هناك من ينظرون للموضوع بطريقة إيجابية وبتفاؤل، ولكن باعتقادي ان إقدام الادارة الامريكية على خطوة كهذه ما هو الا بمثابة ادخال تفصيل جديد وتشتيتنا بالمزيد من ملفات المايكرو، قد يرى البعض ان تعيين المبعوث قد يعكس احتراماً دبلوماسياً من قبل الامريكان تجاه الفلسطينيين، ولكن سرعان ما سيكتشف هؤلاء ان تعيين مبعوث جديد سيضيع مزيداً من الوقت وسيرهقنا في جولات دبلوماسية جديدة لا حاجة لها، حيث انه من المفروض ان تقف الادارة الامريكية أمام مسؤولياتها ووعودها بتصحيح سياسة ترامب انطلاقاً من اعادة فتح القنصلية وترتيب باقي الملفات الأخرى.

اليوم، نحن كفلسطينيين يجب ألا نستغرب من مواقف الدول، فلكل حكومة مصالح. مواقف الغرب واضحة، وعليه يتوجب علينا استيعاب أن هناك احساسا بالذنب لما نتج عن الهولوكوست، مما يجعل حكومات هذه الدول مستمرة حتى اليوم في التكفير عن ذنب تاريخي لا علاقة لنا به. نجد صانعي القرار في أوروبا يكررون الاعتذار ويرسمون ما أمكن مِن سياسات خارجية لخدمة إسرائيل التي ينظرون لها من منطلق أنها الوطن القومي الذي احتضن اليَهُود بعد كل المعاناة التي تسبب بها صانعو القرار في ذلك الوقت من الديكتاتوريين، إضافة للعلاقات والمصالح التي تربط هذه الدول وغيرها من دول المنطقة مع اسرائيل من خلال الشركات العابرة للقارات والطيران والتكنولوجيا والسلاح وغيرها من تجارة.

يتوجب علينا اليوم بدلاً من توجيه اللوم والعتاب لدول العالم، أن نركز فعلاً على ما يمكننا تحقيقه داخلياً، أن نثبت للعالم ولأنفسنا أن بيتنا الداخلي متماسك وأن المصالحة حقيقية وأن نبدأ بتطبيق الخطوات العملية التي تعكس الوحدة الوطنية، علينا ترتيب أولوياتنا من الأسرى والقدس واللاجئين والحدود والمياه وحقوق الانسان وعدم الانسياق وراء تفاصيل الاحتياجات اليومية للمواطن التي تحيدنا عن المصلحة الوطنية في التحرر والتخلص من الاحتلال. يتحتم علينا تحسين الصورة النمطية عن الفلسطيني في الخارج، وهذا يكمن في اصلاح التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني لعكس الصورة الايجابية عن هذا الشعب المليء بالبطولات والانجازات والكفاءات. يتحتم على قيادة منظمة التحرير التواجد في قطاع غزة، وإثبات الوحدة على المستوى الحكومي والشعبي، نريد المزيد من العمل على المستوى الوطني من عقد المجلس الوطني والانتخابات على كل المستويات للسماح لحلقة تداول السلطة أن تتدحرج بسلاسة وبوضوح مما سينعكس على مهنية المؤسسات والاصلاح والديمقراطية.

التركيز على الماكرو يعني النظر للقضية بصورتها الكبيرة والبدء بضرورة التحرر وبانهاء الاحتلال وترسيم الحدود وغيرها من الملفات الحساسة، أما المايكرو فهو قضاء الحاجات اليومية من تصاريح ومعاملات يومية وغيرها…. هنا تكمن المعضلة ما بين اتباع نهج الماكرو الذي يركز على الحقوق من جهة، وما بين اتباع نهج المايكرو والذي يركز على الاحتياجات من جهة أخرى. على قيادات منظمة التحرير وصانعي القرار التنبه لحقيقة ان إنجاز الحقوق الوطنية والسياسية والانسانية سيضفي أوتوماتيكياً لتوفير الاحتياجات اليومية ولكن العكس غير صحيح! أي ان الماكرو يشمل المايكرو ولكن العكس غير صحيح!!

– دلال عريقات: استاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.