هآرتس – الارشيف يجسد كيف شق بيرس طريق المستوطنات

حجم الخط

هآرتس – بقلم  عوفر اديرت

 

قبيل عيد الانوار في العام 1975، قبل 46 سنة، جمع رئيس الحكومة في حينه اسحق رابين وزراء الحكومة لجلسة عادية. “الموضوع الاخير” لخص رابين قبل انتهاء الجلسة وقال للحضور بأنه “حسب الاخبار التي توجد لدينا” فانه في الاسبوع القادم “هناك استعدادات للاستيطان”. وأضاف بأن “هذا سيتم بحجم كبير” ايضا في يهودا والسامرة. 

بعد مرور ثماني سنوات على احتلال الضفة الغربية في حرب الايام الستة كان يعيش هناك في حينه حفنة من المستوطنين، الذين استوطنوا في غوش عصيون وكريات اربع. منطقة السامرة، التي يعيش فيها الآن عشرات آلاف المستوطنين في عشرات المستوطنات، كانت فارغة من اليهود. هدف النقاش كان اتخاذ قرار حول كيفية مواجهة محاولة اعضاء حركة الاحتجاج، “غوش ايمونيم”، الاستيطان في السامرة حتى قبل أن تقرر الحكومة ماذا ستكون سياستها الرسمية.

محضر الجلسة الذي لم يكن متاح حتى الآن للجمهور، تم نشره مؤخرا في موقع ارشيف الدولة في ملف باسم “اختزالات، رسائل حول موضوع الاستيطان في سباسطيا خلافا لقرار الحكومة”. الى جانب ملخصات النقاشات يوجد هناك ايضا عدد من البطاقات والتسجيلات اليدوية، وهي تمكن من القاء نظرة على ما وراء الكواليس للقضية التي شقت الطريق نحو مشروع المستوطنات. ابطالها اضافة الى رابين كانوا وزير الدفاع شمعون بيرس والشاعر حاييم غوري، الذي سيكمل في هذا الشهر مرور اربع سنوات على وفاته. 

الاطلاع على هذه المادة يجسد ما اصبح معروف: بيرس، الذي اعتبر في اوساط الجمهور بعد ذلك أحد مهندسي اتفاق اوسلو والذي هدفه اقامة دولة فلسطينية، هو الشخص الذي شق ايضا الطريق نحو مشروع المستوطنات. “يجب علينا دعوة السادة المحترمين الذين يترأسون الحركة الى أن يتولوا هم أنفسهم الالتزام بادارة سليمة. وهذه هي الطريقة الافضل لعلاج هذا الامر”، قال في النقاشات عندما كان وزير الدفاع.

“السادة المحترمون” الذين تحدث عنهم بيرس هم رؤساء المستوطنين لاحقا، وعلى رأسهم الحاخام موشيه لفنغر وحنان بورات. بيرس قام باقناع الحكومة بأن تجري معهم مفاوضات وأن تمكنهم من الذهاب الى الميدان في اطارها. رؤساء المستوطنين حاولوا اقامة على الارض في السامرة مستوطنات سبع مرات قبل ذلك ولكن بدون نجاح. بعد ذلك، في المرة الثامنة، نفذوا ذلك في حوار مع الحكومة.

“التصرف بهدوء اعصاب”

“نحن سنجعلهم هم المسؤولون بحيث يضعوا خطة ويتعهدوا بالحفاظ على المواعيد ويكونوا مسؤولين عن انزال الاشخاص. واذا فعلوا ذلك فأنا مع اعطائهم الترخيص”، قال بيرس في الجلسة. “أنا مع اعطائهم يوم أو يومين وحتى اسبوع، ولن نلعب اللعبة بصورة عصبية”، شرح لماذا يجب الالتقاء معهم في منتصف الطريق. “أنت تذهب مع عشرة آلاف شخص الى لعبة القط والفأر هذا سيكون أمر مضحك. واذا كان الموضوع جماهيري فيجب السماح لهم بـ “انهاء الهواء”، وبعد ذلك القيام بالاخلاء”، أوصى.

رئيس الاركان في حينه موتي غور حذر من أن الجمهور “سيقوم بحصار الجيش”. رئيس الحكومة في حينه رابين حذر من أنهم سيعملون بطريقة “السور والبرج” من اجل بناء المستوطنات، بالضبط مثلما فعل الطلائعيون من اجل مراوغة البريطانيين في الثلاثينيات. بيرس قال ردا على ذلك: “يجب علينا لعب ذلك “بهدوء”. أنا مع أن نتصرف هنا بهدوء. يجب علينا أن نتصرف بشكل عقلاني”.

في 7 كانون الاول ابلغ بيرس اعضاء الحكومة عن اتصالاته مع المستوطنين الذين حددوا مكانهم في سباسطيا. “أنا قلت لهم بأنني ضد النقاش حول حقنا في الاستيطان في يهودا والسامرة. نحن لسنا حكومة الكتاب الابيض. أنا اعرف بأنه لا يوجد قرار يحظر على اليهود الاستيطان في يهودا والسامرة. وهذه ايضا الحكومة التي عملت من اجل الاستيطان وليس ضده”.

بيرس اضاف وحذر من أنه لا توجد جدوى من استخدام القوة ضد المستوطنين. “المشكلة ليست هل توجد للحكومة صلاحية في اخلاء المستوطنين أم لا. بالطبع اذا تلقى الجيش الأمر فان المستوطنين سيتم اخلاءهم”، قال بتحفظ “أنا كنت سأقول، بسهولة اكبر، حتى لو قمنا باخلاء المستوطنين فنحن سنعود الى هذا المشهد بعد فترة قصيرة. الامر لن ينتهي بذلك”. واضاف: “حسب رأيي، الحكومة تتصرف بحكمة عندما تحاول، قبل وبعد واحيانا بدلا من استخدام القوة، ايجاد حلول تمنع استخدام العنف بقدر الامكان”.

في الملف المحفوظ في ارشيف الدولة تم فحص ورقة بخط يد اريك شارون، المستشار الامني لرابين في حينه. فقد كتب في 8 كانون الاول “اسحق، لقد اتصل الآن الحاخام لفنغر وقال لي بأنهم قد وافقوا على الاقتراح، وأنهم ينتظرون انتهاء الترتيبات مع وزير الدفاع. التوقيع اريك”.

من اجل منع الحرب الاهلية

شارون كان يقصد في الورقة اقتراح الوساطة الذي قدمه الشاعر حاييم غوري، الذي اعتقد بأنه من اجل منع الحرب الاهلية فانه يجب على الحكومة ايجاد حل وسط مع المستوطنين. “حاييم غوري اتصل معي مستنجدا كي افعل كل ما في استطاعتي لمنع المواجهة التي ستكون فيها مظاهر عنف”، كتب في احدى وثائق الملف وهي لم يتم التوقيع عليها.

في وثيقة اخرى هناك حتلنة من بيرس عن الامور التي قالها غوري للمستوطنين امامه، اثناء زيارته لهم. “خلال المحادثة طلب الشاعر غوري الدخول الى المحادثة. وقد سمع القليل من النقاش وتوجه بكلمات انفعالية ايضا للمستوطنين ولي ايضا. وقد قال بأنه يرى في ذلك شرخ كبير وفظيع داخل الشعب. هو يعتبر هذا مأساة. وهو يريد بكل ما اوتي من قوة أن يمنع تصادم كبير يخلف جرح عميق في قلب كل شاب. وهو يتوجه لكل الاطراف من اجل التصرف بحكمة وأن لا تجري فيما بينها حوار الطرشان”، قال بيرس. 

بيرس تبنى هذا الاقتراح واقنع رابين ايضا بالاخذ به. حسب الاقتراح فان المستوطنين قاموا باخلاء سباسطيا طوعا وانتقلوا الى موقع عسكري في السامرة. التفاصيل توجد في وثيقة اخرى بعنوان “الموضوع: انهاء قضية سباسطيا”. وفي وثيقة بتاريخ 8 كانون الاول 1975 كتب رئيس الحكومة في حينه اسحق رابين: “أنا أرى أنه من الصحيح ابلاغكم بالمعلومات الدقيقة مع انتهاء قضية سباسطيا”. وحسب اقتراح الحل الوسط الذي عرضه فان المستوطنين سيغادرون المكان، ونواة تتكون من ثلاثين عائلة ستنتقل الى موقع للجيش يوجد في المنطقة. “هذه النواة ستحصل على حرية الحركة، والجيش سيهتم بالتشغيل، بدون التعهد بأن يتحول الموقع العسكري الى مستوطنة”. وورد في الاقتراح ايضا بأنه “خلال شهرين أو ثلاثة اشهر” ستجري الحكومة نقاش حول سياسة التمسك بيهودا والسامرة.

النهاية معروفة وهي أن ما بدأ كنزهة في عيد الانوار وصل الى اقامة بؤرة استيطانية داخل موقع عسكري للجيش الاسرائيلي وانتهى بمستوطنة ثابتة. وهذه اقيمت في عهد حكومة مناحيم بيغن، “كدوميم”، التي تتفاخر بشعارها الرسمي بأنها طليعة الاستيطان في يهودا والسامرة. 

الملف الذي وثق هذه القضية يتم كشفه الآن بالكامل امام الجمهور من قبل ارشيف الدولة، بناء على طلب مشروع مركز تاوب للدراسات الاسرائيلية في جامعة نيويورك. في 2015 نشرت اجزاء منه في مقال لحاجي سيغل في “ميكور ريشون”. الدكتور يعقوب ليزوفيك، المسؤول السابق عن ارشيف الدولة والذي يترأس المشروع، اوضح بأن الهدف هو “التمكين من الوصول بحثيا لكل المادة الارشيفية الاسرائيلية حول موضوع المستوطنات”.