الأسير أبو هواش يختطف المشهد الفلسطیني

thumb (16).jpg
حجم الخط

بقلم د. سفيان ابو زايدة

 

 

أسير فلسطيني معتقل إداريا من قبل الاحتلال الإسرائيلي قرر ان ینتزع حريته من خلال الاضراب عن الطعام وھو السلاح الأكثر فعالیة الذي یستخدمه الاسرى من اجل انتزاع حريتهم وحقوقهم.

لم يكن الأسير أبو ھواش اول انسان یتم اعتقاله إداريا وفقا لقانون الطوارئ الذي فرضھ الانتداب البریطاني عام 1945 و تمسك به الاحتلال حتى یومنا ھذا بعد اجراء التكييفات اللازمة التي تعزز من قمعھ و ظلمه، حيث منذ العام 67 اعتقل عشرات الالاف من أبناء شعب الفلسطيني وفقا لهذا القانون و منھم من تم التمديد له لسنوات.

ولم یكن الأسیر أبو ھواش اول اسیر یتمرد على هذا القانون ویعلن اضرابھ عن الطعام ولا یوقفھ الا بعد تعھد سلطات الاحتلال بعدم تمدید اعتقاله الإداري بعد انتھاء المدة التي ستكون بعد شھرین. لقد وقف الاحتلال حائرا وعاجزا امام إرادة ھذا الانسان الذي صمد ١٤١ یوما لم یتبق خلالھا من جسده سوى جلده الذي التصق بعظمه وكان اقرب الى الموت اكثر من قربه الى الحياة قبل ان یخضع الاحتلال الى ارادته الحديدية و يستسلم لمطلبه العادل بعدم تجديد اعتقاله.

على الرغم من ذلك، ولكي نكون واقعيين ، لو بقي الأسیر أبو ھواش لوحده ربما لاستشهد على سریره في المستشفى دون ان يشعر به سوى عائلته و بعض المؤسسات العاملة في مجال الاسرى. أبو ھواش انتصر بعد ان تجند الشعب الفلسطيني بكل مكوناته السياسية و التنظيمية و الشعبية و الإعلامية و الحقوقية و العسكرية.

الجميع عمل خاصة في الأسبوعين الأخرين عندما اصبح وضعه الصحي في خطر و شبح الموت اصبح يحوم من حوله لقد تحولت قضيته الى قضية اجماع وطني عابر للتنظيمات و عابر للجغرافيا و عابر للمناكفات السياسية باستثناء بعض الأفق .

الأسیر الذي اوشك جسده على الانھیار و اوشكت روحه الاستسلام الى بارئھا استطاع من على سریره في المستشفى ان یسیطر على المشھد الفلسطيني بأكمله. مسيرات في الضفة و غزة و الداخل الفلسطیني تطالب بالافراج عنھ، كل المسؤولين الفلسطيين من قیادات سلطة الى قیادات تنظیمات تجندوا لاسناده بما في ذلك القيادات الفلسطینیة من الداخل خاصة أعضاء الكنیست الفلسطینیین . التنظیمات الفلسطينية المسلحة في غزة ھددت باستخدام ما لدیھا من إمكانیات اذا ما فقد الأسیر أبو ھواش حیاتھ، و الوضع في الضفة لا ينقصه مزيدا من المحفزات لكي ینفجر. الاحتلال الإسرائیلي الذي فشل رھانھ على كسر إرادة الأسير كان يدرك ان استشھاده سیحدث انفجار سواء كان في الضفة او في غزة و سینعكس بالتأكيد على الوضع في الداخل الفلسطیني كمان حدث في العدوان الأخیر على غزة . لكي لا یحدث هذا يجب ان لا یستشھد الأسیر أبو هواش.

لذلك لم یكن لدى الاحتلال أي خیارات أخرى من اجل منع الانفجار سوى نزع الفتیل من خلال الاستسلام لمطلب الأسیر العادل. ردود الفعل من بعض القیادات الإسرائیلیة ، خاصة الیمینیة منھا تعكس حجم الانتصار الذي حققه أبو هواش بمساندة و دعم كل مكونات الشعب الفلسطیني . وھناك من أشار الى خطورة هذا الوضع على قوة الردع الإسرائيلية وان كان بعض ھذه التصریحات لھ علاقة بالمناكفات الداخلیة لدیھم. إسرائیل الدولة النوویة الوحيدة في المنطقة و التي تملك قوة عسكرية تقول انھا جاھزة للقتال على اكثر من جبھة في نفس الوقت وقفت عاجزة امام إرادة اسیر قرر ان يقهر هذا الجبروت باستعداده للموت البطیئ من خلال استخدامھ ھذا السلاح النووي الذي یسمى الاضراب عن الطعام.

الماكینة الإعلامیة الإسرائیلیة أصیبت بالشلل و أصیبت بالخرس امام إرادة ھذا الأسیر و ارداة شعب مقھور لانھا لا تستطیع ان تبرر اعتقال انسان عشرات المرات وفقا لقانون طوارئ فرضھ الانتداب البریطاني عام 1945 وھي تدعي امام العالم انھا الدولة الدیموقراطیة الوحیدة في المنطقة. و لم تستطع ان تبرر كیف تمكن انسان ان یصمد ١٤١ یوما مضربا عن الطعام دون ان تنكسر روحھ المعنویة. المؤسسة الأمنیة الإسرائیلیة من جیش و جھاز مخابرات حیث الأسیر أبو ھواش معتقل على ذمتھ كان علیھم ان یتخذوا القرار بعد تقدیرھم القاطع ان استشھاد أبو ھواش سیجرھم الى عدوان جدید في غزة و سیفجر الوضع في كافة الأراضي الفلسطینیة. لذلك كان علیھم ان یقدموا توصیھ بالاستجابة لمطلب الأسیر كأقل الخیارات سوء.

انتصار الأسير أبو ھواش لا یتمثل فقط في انتزاعھ حریتھ من براثن الاحتلال بل ھو ابعد من ذلك بكثیر. أبو ھواش استطاع ان ینتزع محبة و تعاطف كل الشعب الفلسطيني المتعطش الى نموذج جدید من القيادات التي تضحي بنفسھا من اجل شعبھا وقضیتھ العادلة بعد ان سئم النموذج الذي يديد ان یضحي الشعب من اجله. انتصار أبو ھواش تجسد من خلال توحید كل مكونات الشعب الفلسطیني حتى لو كان لأیام معدودات بعد ان اثخنتھ جروح الانقسام و التشرذم و الضياع السياسي و الوطني.

انطوت صفحة الأسیر ھشام أبو ھواش و بدأت صفحة جدیدة لا تقل أهمية وهي قضية الأسير ناصر أبو حمید الذي یعاني من وضع صحي خطیر تم نقله على اثرها من سجن عسقلان الى مستشفى برزیلاي ھناك. و كما احتلت قضیة أبو ھواش المشھد ستحتل قضية الأسير ناصر أبو حميد المشهد خلال الأيام و ربما الأسابيع المقبلة تحت شعار انقذوا حياة الأسير ناصر أبو حميد.