السؤال الذي يردده المحللون هو، هل تملك الصين القوة والقدرة على إعادة بناء النظام الدولي الذي ما زالت تتربع على قمته الولايات المتحدة؟
إن عملية إعادة بناء النظام الدولي ليست مجرد رغبة؛ بل ترتبط بالقدرات ومحددات القوة على المستوى العالمي، فالحديث عن القوة هنا يكون بمعايير العالمية وليس المحلية. ومقارنة بين الولايات المتحدة والصين ما زالت الفروق كبيرة بين الدولتين، ويكفي أن نشير إلى أن موازنة الدفاع الأمريكية لهذا العالم هي أضعاف أضعاف الموازنة الصينية، وأن عدد الرؤوس النووية التي تملكها الولايات المتحدة أيضاً أضعاف ما تملكه الصين.
ومع ذلك يوجد طموح صيني بالعمل على إعادة بناء النظام الدولي، لتتقاسمه مع الولايات المتحدة، والعمل على التحول من نظام الآحادية إلى نظام الثنائية بإطار تعددي، مدعوماً بتحالفات دولية جديدة. وفي خطاب له أمام المؤتمر الشعبي الصيني في مارس/ آذار 2021، قال الرئيس الصيني: إن بلاده هي الأولى في مكافحة «كورونا»، والأولى في عودة العمل، والأولى في معدلات النمو الاقتصادي. وبالنسبة للزعيم الصيني تؤهل هذه الإنجازات إعادة بناء النظام العالمي، لتأخذ الصين مكانتها ودورها الذي تستحق. لكن ما هدف الصين من إعادة بناء النظام الدولي؟ هل هو العودة للثنائية القطبية ومقاسمة أمريكا النظام الدولي؟
يعتقد الكثيرون أن هدف الصين دفاعي؛ يتمثل في الدفاع عن نظامها من النقد الموجه إليها، وتحقيق بعض المصالح السيادية في بحر الصين وفي آسيا. بعبارة أخرى الصين تهدف إلى نزع اعتراف بدورها المركزي في هذه المنطقة التي باتت منطقة تنافس وصراع مع الولايات المتحدة.
لكن النظرة الواقعية للصين ورئيسها تتعدى حدود التأثير والنفوذ، فهي تسعى للمحافظة على الصين واحدة، والاعتماد على القوة الاقتصادية، وتنامي قوتها البحرية، وبسط سيطرتها على المناطق المتنازع عليها، وعودتها للسيادة الصينية، وأهمها جزيرة تايوان التي تشكل بؤرة الاختبار الأولى. ثم الاستفادة من القوة الناعمة الصينية في إفريقيا، وبناء تحالفات اقتصادية، وتنويع الشراكات الاستراتيجية مع العديد من القوى الأخرى، مثل: روسيا وإيران والهند، والاستفادة من تراجع القوة الأمريكية في الشرق الأوسط، والعمل على ملء هذا التراجع من خلال العلاقات الاقتصادية.
الصين تحاول اليوم أن تقدم نموذجاً على أنها نموذج لحل كل المشاكل الاقتصادية التي تواجه العديد من دول العالم. وعلى الرغم من ذلك ما زال الطريق شائكاً أمام نجاح الصين لإعادة بناء النظام الدولي لأسباب كثيرة، أولها المقارنة بين قوتها وقوة الولايات المتحدة عسكرياً واقتصادياً؛ حيث ما زالت الفروق واضحة وخصوصاً في عدد الرؤوس النووية وحجم الموازنة العسكرية والقوة الاقتصادية، إضافة إلى المشاكل الداخلية التي تواجهها الصين في بناء دولة قوية واحدة. وكما قال الرئيس الصيني: إن «الأمة الواحدة هو هدف له الأولوية وينبغي أن ينجز ويتحقق أولاً».
ويبقى الهدف الصيني أقرب للطموح السياسي الأيديولوجي الذي يحتاج إلى وقت طويل للتحقق، ويعتمد على مقدار التراجع في الدور الأمريكي عالمياً، وفي التحديات الداخلية التي قد تواجهها الولايات المتحدة.
ومع ذلك، نجحت الصين في أن تكون قوة منافسة للولايات المتحدة، هي من ستقرر شكل النظام الدولي في السنوات القادمة، وبالتالي لا بد من الاعتراف بالدور الكوني للصين والتكيف والتعايش معه.