في إطار التمنع الذي تبديه إسرائيل تجاه تركيا، التقى المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد مع نظيريه اليوناني والقبرصي، للبحث في المسائل التي ستتناولها القمة المقررة في نيقوسيا الشهر المقبل لزعماء الدول الثلاث.
وكان واضحاً أن القضايا موضع البحث هي حقول وإمدادات الغاز البحرية والشأن السوري والإرهاب الدولي، فيما تحاول قبرص توسيع نطاق المؤتمر ومنحه قيمة سياسية أعلى، عبر الدعوة لأن يلقي كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس(أبو مازن)خطابات تتعلق برؤيتهم للسلام إيذاناً باستئناف المفاوضات.
ومنذ تدهور العلاقات التركية ـ الإسرائيلية وهبوطها من مستوى الحليف الاستراتيجي الثاني في أهميته بعد الولايات المتحدة، تحاول تل أبيب تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الخصم التقليدي لتركيا، وهي اليونان. وبعد اكتشاف حقول الغاز الكبيرة في عرض البحر سواء ما وضعت إسرائيل يدها عليه، أو ذلك الذي في الجانب القبرصي، تعززت مصالح التعاون على أمل إيجاد تحالف سياسي اقتصادي يستند إلى قطاع الطاقة. والواقع أن هناك في إسرائيل وتركيا من يرون أن بالوسع إعادة التحالف بين الدولتين بكلفة أقل من كلفة تعزيز التحالف مع كل من اليونان وقبرص.
على أي حال، يأتي اجتماع التمهيد للقمة الثلاثية بعد يومين فقط من إطلاق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحه حول أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا سوف يحمل الخير لكل المنطقة. واستعداداً للقمة، وصل أمس إلى القدس المحتلة المديران العامان لوزارتي الخارجية اليونانية والقبرصية، واجتمعا إلى غولد للبحث في مواضيع القمة.
وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن هذه هي المرة الأولى التي يُعقد فيها اجتماع على هذا المستوى الكبير بين الدول الثلاث للبحث في مسائل إقليمية. ومعلوم أن هذه المسائل تتضمن التعاون المحتمل بين هذه الدول في مجال استخراج وتصدير الغاز الطبيعي، والأمن الإقليمي في ضوء الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، ودور قبرص واليونان في إحياء عملية السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني كعضوين في الاتحاد الأوروبي. وتبحث قضايا مشتركة أخرى بينها سبل حماية الحقول البحرية وحماية البيئة والسياحة والزراعة ومواجهة حالات الطوارئ والتكنولوجيا. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة اليونانية ألكسيس تشيفارس زار إسرائيل فقط قبل ثلاثة أسابيع، فيما زار نتنياهو قبرص قبل بضعة شهور واستضاف أيضاً في القدس المحتلة الرئيس القبرصي.
ومعروف أن الدول الثلاث معنية بالتعاون في مجال الغاز الطبيعي من أجل تعزيز مصالحها الاقتصادية، لكن ليس هناك حتى الآن أي اتفاق حول الوجهة والمعطيات. وسبق أن أثير أمر إنشاء أنبوب تحت الماء يمتد من حقول الغاز الإسرائيلية مروراً بقبرص وينتهي في اليونان. كما سبق وأثيرت مسألة إنشاء محطة لتسييل الغاز الطبيعي الإسرائيلي في قبرص لينقل من هناك بطريق البحر إلى اليونان ومنها إلى أوروبا. كما بُحثت مسألة ربط شبكة الكهرباء الإسرائيلية بشبكة الكهرباء الأوروبية عن طريق اليونان مروراً بقبرص. وفي كل الأحوال، جرت مباحثات حول حماية الحقول البحرية في مواجهة احتمالات تعرضها لهجمات.
وبحسب معلومات إسرائيلية، فإن قبرص حاولت في العام الحالي حث مبادرة ديبلوماسية جديدة عن طريق الاتحاد الأوروبي تقضي بدعوة كل من عباس ونتنياهو لإلقاء خطابين في مسألة مستقبل السلام أمام مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ومحاولة استخدام الخطابين ورؤية الرجلين كمنطلق لاستئناف المفاوضات بين الطرفين. ومعروف أن اليونان وقبرص تجريان حوارات استراتيجية أيضاً مع مصر، خصوصاً بعد تدهور علاقاتها مع تركيا.
وفي كل حال، من الواضح أن اللقاء الإسرائيلي مع كل من اليونان وقبرص يعتبر نوعاً من الإشارة أو الرد على الإشارات التركية الأخيرة.
وتعمد الدول الثلاث لإظهار أنها تقف في جبهة واحدة في مواجهة التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط. وترى وزارة الخارجية الإسرائيلية أهمية العلاقات بين الدول الثلاث كنوع من قاعدةٍ للاستقرار الإقليمي عن طريق تعزيز شراكات مصالح تستند إلى بنى تحتية مشتركة.
ووقع المدراء العامون للدول الثلاث في نهاية لقائهم على إعلان مشترك يشكل برنامجاً للقمة الثلاثية التي ستعقد في نهاية الشهر المقبل.