هآرتس – تغريدة بينيت: 27 كلمة من الانغلاق على القيم الانسانية

حجم الخط

هآرتس – بقلم  عودة بشارات

 

باستثناء رئيس الحكومة نفتالي بينيت، لا يوجد أي رئيس حكومة في العالم يعلم الحقوق على شواهد القبور. نائب الوزير، يئير غولان، سمى المستوطنين من حومش “دون بشر”. وردا على ذلك غرد بينيت بأن اقواله صادمة و”تعميمية”. هذا جيد. يا رئيس الحكومة، هل أنت مستعد على الاقل لادانة المستوطنين الذين قاموا بتدنيس المقابر في برقا؟.

من اجل التخفيف عليك، أنا اقترح نطاق من المقولات التي بواسطتها يمكن أن تدين بلطف من حطموا شواهد القبور. يمكن القول “من غير اللطيف تحطيم الشواهد” أو “من غير اللائق تحطيم شواهد القبور” (أنا لا اقترح، لا سمح الله، القول إن “من القبيح تحطيم شواهد القبور” لأن هذا يمكن أن يمس بالنفوس اللطيفة لـ “الطلائعيين”). 

بعد تصريح غولان اعتقدت أن بينيت قد وجد أمامه فرصة ذهبية سيدينها ويشيد بـ “طلائعية المستوطنين”، وفي المقابل سيرمي كلمة انتقادية على من قاموا بالتحطيم. هكذا، سيخرج طاهر من اليمين – لتحيا المقارنة الهشة بين من يحطمون شواهد القبور وبين من يدافعون عنه – وعلى الطريق سيكسب ربح جانبي لا بأس به. فهو سيحتل مكان في نادي المتنورين مثل الرئيس الفرنسي، عمانويل ميكرون، الذي كان اول من أدان كل عملية تدنيس المواقع اليهودية. ولكن ما خيبة الامل هذه؟. بينيت، الذي في ائتلافه يوجد حزب عربي، كان يتوقع أن يأخذوا في الحسبان مشاعر اعضائه، يشيد بـ “الاستيطان في يهودا والسامرة” على اعتبار أنه “طلائعية ايامنا الحالية” ويكتفي بذلك. ما الذي استفدناه من كل هذه الفوضى؟ أن غولان مذنب؛ رجاء، حطموا صورته. بهذه المناسبة أجد من الصحيح تعزية نائب الوزير وأن اقول له: “نحن العرب ايضا مررنا ونمر بتجارب مشابهة: يصادرون اراضينا ويدمرون بيوتنا، وعندما يطلق احد الشباب من شدة الاحباط شعار متطرف يسارعون الى عرضنا كمن قررنا تصفية دولة اليهود. نار التحريض تحرق حتى القريبين وليس فقط البعيدين. 

في هذه الاثناء أنا ارغب بالتهدئة. بينيت لن يقوم بالادانة، ووزراء الحكومة لن يقوموا بالادانة ايضا، واعضاء المعارضة، باستثناء اعضاء الكنيست من القائمة المشتركة، لن يقوموا بالادانة. صحيح أن لكل منهم اسبابه، لكن في نهاية المطاف النتيجة واحدة، وهي الصمت الخانق، والخجل يقف بقبحه اللامع: تقريبا اجماع يهودي من الحائط الى الحائط مع تدنيس المقابر الفلسطينية، صحيح أنكم لم تسمعوا وزير الخارجية يئير لبيد، مثلا، يعلن أنه مع تحطيم شواهد القبور، لكن اذا حافظ على الصمت فان هذا الامر يعتبر موافقة صامتة.

رئيس الحكومة وجد أنه من الصحيح انهاء التغريدة بشعار اصبح لونه باهت من كثرة استخدامه، وهو “نحن لم نأخذ ارض غريبة”. هذا غريب. ولكني لم اسمع في أي يوم زعيم بريطاني يذكرنا بأن مانشستر ليست ارض غريبة. الاستخدام المتكرر لهذه الجملة يطرح علامة استفهام حول صحتها. أليس الحديث يدور عن الدفاع عن النفس، الذي يشير الى أنه في اعماق من يحفظونه يعتمل معنى معاكس وهو أن المناطق المحتلة هي ارض غريبة. 

نهاية الجملة في التغريدة، “بل هي ارث آباءنا”، تثير المزيد من التساؤلات. هل الحديث هنا يدور عن تشوش منطقي؟ أو حقا تشوش داخلي، الذي يحاول بينيت تعتيمه؟. يقولون “تحطيم شواهد القبور” وبينيت يرد “ارث آباؤنا”. ما الذي يقصده بـ “ارث الآباء” بالتحديد في سياق تحطيم شواهد القبور؟ في السياق العام وفي ظل غياب الادانة فان نهاية الجملة تعطي شرعية للعملية. لأنه في هذه الحالة يمكن الفهم بأنه اذا كان الامر يتعلق بـ “ارث آباءنا” فعندها مسموح تدنيس قبور الفلسطينيين لأنه ليس لهم آباء أو جذور، بل هم اصلا خرجوا من الحائط.

27 كلمة كانت في تغريدة بينيت، لكنها تعكس انغلاق غريب ازاء القيم الانسانية. حيث أننا جميعا، ليس فقط اليهود، خلقنا على هيئة الخالق. فهل عندها الله سيفضل طفل يهودي على طفل فلسطيني؟ ويقوم بتوريث الارض لليهودي ويرمي الفلسطيني الى مخيم لاجئين في الغربة؟ أنا لا اصدق أن هذه هي رغبة الله. لذلك، في هذا الظلام الكثيف الذي يلفنا منذ سنوات كثيرة ليس امامي سوى الصراخ: “يا الله، لماذا تركتني؟”.