كل يوم “قصة” جديدة في مسلسل يبدو للانهاية

زياد ابو زياد.PNG
حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

لا يكاد يمر أسبوع، بل عدة أيام إلا ويجد الرأي العام موضوعا ينشغل به، وكلها مواضيع ‏تتعلق بأداء السلطة الفلسطينية فيما يمكن تسميته بالمسلسل الذي لا ينتهي. والمقصود بأداء ‏السلطة الفلسطينية لا يقتصر فقط على أداء الحكومة، بل وعلى كل مستويات الحكم.‏

فبالأمس فوجئنا بتساؤلات عن مصير مستشفى خالد الحسن للسرطان الذي تم وضع حجر ‏أساسه في حدث احتفالي، وطالعتنا التقارير بأن شيئا ً لم يحدث على الأرض منذ ذلك الحين ‏وأن المشروع ما زال حبرا ً على ورق وأن ما تم جمعه من أموال مكدس في البنوك في ‏أحسن الأحوال ما لم تكون قد تمت استدانته لتغطية أمور أخرى.‏

وقبل مستشفى خالد الحسن كانت هناك فضيحة التعيينات الوراثية في السلك الدبلوماسي ‏وقبلها تعيينات أبناء وأقرباء مسؤولين كبار وقادة فتحاويين في مناصب رفيعة دون مسابقات ‏تقوم على أساس الشفافية وتكافؤ الفرص. ولجان تحقيق أخفقت في الكشف عن نتائج ‏تحقيقاتها وفساد مالي وسوء أداء إداري وتجاوزات قانونية كلها دون حسيب أو رقيب.‏

ولا أريد هنا أن أستعرض كل الأمور التي تداولتها وتتداولها وسائل التواصل بين الحين ‏والآخر. فالقائمة طويلة وتُضاف اليها بنودا ً جديدة كل يوم وهي بالتأكيد لا تشمل كل شيء ‏لأن من الممكن أن يكون هناك ما يحدث وراء الكواليس والناس إما لا تعرفه وإما لا تجرؤ ‏على الحديث عنه رغبة في عدم تجنيد الخصوم أو الأعداء في زمن لا يكفي أن تكون على ‏حق لتضمن لنفسك السلامة. ‏

الانطباع العام هو أن لدينا حكومة تعمل في فراغ دستوري لا تتوفر فيه الحياة البرلمانية ولا ‏تتوفر فيه المراقبة والمساءلة وهذا الأمر رغم أنه يترك مساحة العمل والخطأ والصواب ‏مفتوحة أمام الحكومة دون حدود ودون حساب إلا أنه وبدون شك يجعل عمل الحكومة شاقا ً ‏ومحفوفا ً بالمخاطر لأن من المؤكد أن وجود رقابة ومساءلة برلمانية يُحسّن من أداء ‏الحكومة ويقلل من احتمالات وقوعها في الخطأ. وسيأتي يوم توضع فيه الموازيين والحساب ‏ولن يكون أحد فوق القانون، وعندها ستظهر قيمة وأهمية العمل في إطار حياة برلمانية ‏ومعارضة برلمانية فعالة تصوب أداء الحكومة وتنير أمامها الأضواء الحمراء وتساعدها ‏على عدم الوقوع في المحذور.‏

وإذا كان هناك من يعتقد بأن العمل دون مراقبة أو مساءلة برلمانية هو امتياز له فإنه يخطئ ‏كل الخطأ. فالتاريخ لا يرحم. والمشكلة الأساسية والرئيسية التي تهدد كامل المشروع ‏الوطني – إن كان قد ظل هناك مشروع وطني- هي تغييب الحياة الديمقراطية وتفكيك ‏المؤسسات بدل بنائها وتمكينها وتبني أسلوب العمل الفهلوي الذي يستهين بعقول الناس ‏وبذكائهم وبذاكرتهم وبقدرتهم على الرؤية المتفحصة لما يدور من حولهم.‏

وإذ أقول هذا فإنني أعتقد بأن قول كلمة الحق هو أمانة ومن يتحفظ أو يمتنع عن قولها فهو ‏شيطان أخرس وشريك فيما يحدث. ‏
لا يوجد شخص يملك المعرفة ولا يوجد شخص معصوم من الخطأ ولا يوجد شيء أفضل من ‏العمل الجماعي ومن أجل ذلك استطاعت المجتمعات الانسانية وعلى مدى العصور تطوير ‏مفاهيم التشاور والمشاركة في اتخاذ القرار الذي يخص الشأن العام وصولا الى بلورة أسس ‏الديمقراطية والحكم الرشيد التي أصبحت صمام الأمان للحكم في العصر الحديث. ‏

والمؤسف والمحزن أننا نسير باتجاه معاكس للتطور التاريخي فبدلا ً من بناء المؤسسات ‏قمنا بهدم ما بنيناه منها وما زلنا نمارس الهدم، وبدلا ً من الفصل بين السلطات قمنا بدمجها ‏واستحواذ واحدة منها على الأخريات، وطمسنا الحدود بينها وقمنا بفهلوية واستغباء ببناء ‏بدائل جوفاء لها جعلناها أداة طيعة كدمى الأراجوز لشرعنه غير المشروع. ‏

لا أشكك في حسن نوايا أحد ولا في وطنية أحد، ولكني أجزم بأن إغراءات القوة والتفرد في ‏استخدام المال العام دون مساءلة هي من أهم مسببات الفساد. ويقول سبحانه وتعالى في ‏الآية 11-12 من سورة البقرة: ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن ‏مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون”. ‏

نحن أمام عملية انهيار وتهاوي لكل مقومات الحكم انعكست على مقومات قيمنا الاجتماعية ‏فانتشر الفساد الخلقي والاجتماعي وعمت الفوضى وتدهور الأمن المجتمعي وسادت شريعة ‏الغاب كل ذلك تحت قبة تغول الاحتلال ومستوطنيه وعساكره علينا مستهدفين الانسان ‏والأرض. وإذا لم نبادر الى وقف حالة الانزلاق الجليدي التي نعيشها فسيكتب التاريخ أن من ‏أمسكوا بمقود المركبة لم يحسنوا الأداء ” وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون” آل عمران ‏‏24.‏

اللهم فاشهد لقد بلغت. ‏