تقدّم إيران نحو «القنبلة النووية» يعني نهاية «عقيدة بيغن»: المطلوب إسرائيلياً (2-2)

بن عامي.jpeg
حجم الخط

بقلم: شلومو بن عامي



لن يجوع زعماء النظام في طهران، لكن الغليان الشعبي ضد العزلة الدولية والضائقة الاقتصادية تجبر النظام على تعميق القمع في الداخل. أيضا في ظل الأزمة الشديدة في هذه الأثناء فإن إيران، كما نشر، مؤخرا، موقع "ديفينس نيوز"، زادت ميزانية الحرس الثوري وأجهزة الأمن الداخلي الأخرى أكثر من ضعفين. الصين يمكنها أن تشكل نموذجا لها. رغم القوة العسكرية المثيرة للانطباع فإن ميزانية الأمن الداخلي ما زالت هناك أعلى من ميزانية الدفاع. ولكن أن تكون راديكالياً لا يعني أن تكون غير منطقي. والتهديد النووي المباشر على إسرائيل هو عملية انتحارية لن تتجرأ إيران على اتخاذها. من تصرفت بصورة غير منطقية في السنوات الأخيرة هي الولايات المتحدة، وليس إيران. ما هو المنطقي جدا في غزو أميركا للعراق؟ حطّم الغزو ميزان الردع بين العراق وإيران، وقدم لإيران على طبق من فضة النفوذ المتزايد الموجود لها، الآن، في العراق، الذي ضمن أمور أخرى، اصبح الدولة العربية الأولى التي يسيطر عليها الشيعة.
لم يكن هناك عقلانية كبيرة أيضا في حرب السنوات العشرين للولايات المتحدة في أفغانستان والتي انتهت بانسحاب مذعور وتسليم السلطة لـ"طالبان". في العام 2003، بعد الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، خاف الإيرانيون، بصورة عقلانية، من أن يأتي عليهم الدور. لذلك عرضوا على الولايات المتحدة "الصفقة الكبرى"، وهي صفقة القرن الحقيقية، شفافية كاملة بخصوص المشروع النووي الإيراني ووقف دعم "حزب الله" و"حماس" مقابل ضمانات أمنية للولايات المتحدة واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. جاء الرد "المنطقي" من فم نائب الرئيس الأميركي في حينه، ديك تشيني: لن نتفاوض مع الشيطان. من نافلة القول أن نشير الى أنه، اليوم، تحلم أميركا بشروط دخول كهذه الى المفاوضات.
مع ذلك، تفاوضت الولايات المتحدة مع "الأشرار"، وفي 2015 وقعت إدارة اوباما على اتفاق نووي مع إيران، بموجبه اضطرت تحت ضغط العقوبات الدولية الى أن توقف لفترة معينة سعيها نحو مكانة دولة عتبة نووية، في حين أنها واصلت التقدم في برنامج الصواريخ واستراتيجية التوسع الإقليمي.
صمدت إيران أمام القيود التي فرضها عليها الاتفاق. أيضا عندما انسحب دونالد ترامب من الاتفاق بصورة أحادية الجانب في 2018 بدعم حماسي من نتنياهو امتنعت خلال سنة كاملة عن خرقه الى أن تبين لها أن الأوروبيين لم يقوموا بالوفاء بوعودهم لمساعدتها في تجاوز العقوبات الأميركية. أيضا، الآن، تحت رئاسة إبراهيم رئيسي الراديكالي، فإن إيران ستتصرف بمنطق، وستصل عن طريق المفاوضات الجارية في فيينا الى اتفاق حيث نصف طموحاتها في يدها. ولكن أيضا الولايات المتحدة (وإسرائيل) لن تخرج من هناك ومعها كل ما أملت به.
تبدو مقاربة إسرائيل للوهلة الأولى مثل لعبة محصلتها صفر، وبحسبها قد تقلص إيران البنية التحتية النووية ومشروع الصواريخ المتقدمة وتواجدها في سورية وجهودها لتطوير صواريخ "حزب الله". هذا هدف جدير، لكن معناه هو استسلام مطلق للمشروع الإيراني دون شروط. إسرائيل، التي منظومة دفاعها سلمت بالاتفاق النووي من العام 2015 على اعتبار أنه الشر بحده الأدنى، توجد، الآن، في وضع فيه أي اتفاق تتوصل إليه الدول العظمى في فيينا لن يكون مقبولا عليها. والتمسك بطموح مثاليّ سيجبر إسرائيل أن تقود نفسها الى وضع إما أن تهاجم فيه المنشآت النووية الإيرانية وتنزلق الى مواجهة مباشرة مع إيران، أو أن تكشف للمرة الثانية في العقد الماضي بأنه في الحقيقة لا يمكنها تنفيذ تهديداتها.
عقيدة بيغن تم تطبيقها بنجاح كبير عند تدمير المفاعل النووي في العراق في العام 1981 والمفاعل النووي في سورية في العام 2007. ولكن كانت هذه عمليات جراحية ضد منشآت محددة في دول امتنعت عن الاعتراف علنا بأنه كانت لديها برامج نووية خاصة بها. وبالتالي، حتى المخاطرة بأن تقود مهاجمتها الى حرب شاملة كانت صغيرة وحتى معدومة. الإيرانيون في المقابل لا يمكنهم عدم الرد بهجوم مباشر على أهداف إسرائيلية واستخدام امتدادهم في لبنان، "حزب الله".
مع ذلك، سيضع أي هجوم إسرائيلي أمام إيران معضلة صعبة. ومثل إسرائيل، التي سهولة إصابة جبهتها الداخلية هي نقطة ضعفها الأكبر، فإن إيران تفضل ردا محسوبا على حرب شاملة. ولكن الحروب تميل دائما للتشوش، وتدهور المواجهة الى حرب شاملةـ فيها أيضا ستضطر الولايات المتحدة الى العمل إذا أصيبت قواتها في المنطقة، يمكن أن يمس بالقيمة العليا من ناحية القيادة الإيرانية مهما كانت راديكالية وهي الحفاظ على النظام وعلى إنجازاته في المنطقة.
معضلة "حزب الله" لن تكون أقل صعوبة. لم تمول إيران هذا الوحش، الذي يوجد على الحدود الشمالية لإسرائيل بمبالغ ضخمة كي يحارب من اجل إعادة مزارع شبعا للبنان. لقد فعلت ذلك بالضبط من اجل لحظة الحسم التي ستكون فيها ملزمة بفتح جبهة أخرى أمام إسرائيل. ولكن هنا بالضبط يكمن الضعف الهيكلي للامبراطورية الإيرانية. فهي تعتمد على مليشيات حماية محلية، التي في ظروف حرب شاملة يمكن أن تتماشى مع المصلحة الوطنية وليس مع مصلحة إيران. في العراق مثلا، الزعيم الشيعي الأقوى، مقتدى الصدر، يقف، مؤخراً، على رأس المعارضين للتخريب الإيراني في بلاده. أيضا "حزب الله" هو منظمة وطنية لبنانية، ضبطه لنفسه منذ حرب لبنان الثانية مرتبط بخوفه من تدمير لبنان في حرب شاملة مع إسرائيل. مع ذلك، الوقوف جانبا في مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران هو ترف لا يمكن لـ"حزب الله" أن يسمح به لنفسه.
إذاً، الاستراتيجية المفضلة على إيران هي تجنب حروب حاسمة ومواصلة تطوير قوات محلية، من اليمن وحتى لبنان، مع التقدم نحو عتبة القدرة على إنتاج القنبلة دون تجاوز ذلك. دون اتفاق في فيينا، حتى لو كان هذا الاتفاق غير كامل، فإن النظام في طهران سيواصل السعي الى وضع سيكون فيه الانطلاق نحو القنبلة أمرا يتعلق بقرار سياسي، وليس مسألة قدرة تكنولوجية. بالإجمال، وصلت إيران الى مكانة دولة عظمى إقليمية حتى دون أن تكون لديها قنبلة.
على الرغم من أن أصدقاء إيران، الصين وروسيا، غير معنيين بأن تمتلك قوة نووية – عسكرية، إلا أنها لن تضغط عليها للموافقة على شروط أميركا في المفاوضات التي تجري في فيينا. ولكنها ستستخدم إيران كورقة مساومة في مسائل حيوية بالنسبة لها في ساحات المواجهة الأوسع لها مع الولايات المتحدة. اتفاق نووي جديد يضع حدا للعقوبات المفروضة على التجارة مع إيران، التي تمس أيضا بها، هي أيضا مصلحة لمحور روسيا – الصين. إيران هي شريكة في الصراع الأوسع لها مع الولايات المتحدة، لكنها ليست حليفا عسكريا. يسمح بوتين لإسرائيل بحرية العمل ضد انتشار إيران في سورية، في حين أن الاتفاق الاستراتيجي الذي وقع قبل سنة بين الصين وإيران ورغم أنه يشمل تعاونا في مجال المخابرات والتكنولوجيا العسكرية، إلا أنه بالأساس اتفاق اقتصادي يرسخ الحضور الصيني في المنطقة، ويضمن لها التزود بالنفط على المدى البعيد. الأحلاف العسكرية ليست الطريق المفضل للصين في منافستها العالمية مع الولايات المتحدة.
في السابق، كان في إسرائيل من اعتقد أن المسألة هي ما الذي يأتي أولا، التغيير السياسي الداخلي في إيران والذي سيغير أيضا سلوكها الإقليمي أم القنبلة؟ يمكن أن التمدد الزائد الإمبريالي لإيران وفقدان واضح للدعم الشعبي للنظام الإسلامي سيؤثر آجلا أم عاجلا على بقاء النظام. حتى في حالة الديكتاتورية الصينية، حسب أقوال فانغ بونينغ، وهو الأيديولوجي الذي له التأثير الأكبر، الآن، على الرئيس شي جي بينغ، فإن الاستقرار السياسي يقتضي "بنية شاملة من القيم". هذه البنية تستند، الآن، في إيران إلى أقلية في الشعب وعلى البنية الفوقية السائدة فيها.
سؤال آخر هو أي نظام سيحل محل نظام آيات الله؟ هذا النظام لن يكون بالضرورة نظاما ديمقراطيا ليبراليا. وبالإجمال، تغيير النظام ليس بالضرورة سيغير أيضا رؤية الدولة الاستراتيجية. المشروع النووي الإيراني سبق أن بدأ في عهد الشاه، وهو بشكل عام يعتبر أمرا عليه إجماع في أوساط المتطرفين والمعتدلين. لم يعد ستالين موجودا في الكرملن، لكن بوتين قيصر جديد أعاد بعث سيطرة موسكو على فضاء الاتحاد السوفييتي سابقا، وأعاد لروسيا غطرستها الإمبريالية. أيضا إذا تحولت الصين الى دولة ديمقراطية ليبرالية فإن القليل جدا سيتغير في رؤيتها لمكانتها في ميزان القوة العالمي وفي طلباتها التاريخية في منطقة بحر الصين الجنوبي.
لا يوجد حل عسكري لكل مشكلة. ولا يوجد لإسرائيل حل مثل هذا للمشروع النووي الإيراني. هجوم إسرائيلي على إيران يمكن فقط أن يعطي المبرر لطموحها النووي. من المحظور أن تسيطر مسألة استعداد إسرائيل لهجوم كهذا على فضاء النقاش. ولا يقل عن ذلك أهمية الحاجة الى تغيير التفكير وتبني استراتيجية إقليمية تستغل وتوسع "اتفاقات إبراهيم" لصالح ترتيبات أمنية إقليمية، وتسعى الى عدم تحويل المنطقة الى منطقة نووية. سيقتضي سباق التسلح النووي لعبة مختلفة كليا عن التي تعودنا عليها في العصر الذي كانت فيه عقيدة بيغن هي اللعبة الوحيدة في المدينة. بيريس، الذي على اسمه تسمى القرية النووية في ديمونة، عبر في حينه عن دعم فكرة ترتيبات سلام في المنطقة مقابل إخلاء الشرق الأوسط من سلاح الدمار الشامل. هل هذا أمر مدحوض؟ هذا ليس اكثر من افتراض أن عقيدة بيغن ستبقى حية الى الأبد.

عن "هآرتس"