إسرائيل تحصد في النقب ما زرعته يداها

ايلي زيسر.jpeg
حجم الخط

بقلم: ايال زيسر



في بداية الخمسينيات كان عدد السكان البدو في النقب يربو على الـ10 آلاف. أما اليوم، بعد 70 سنة، فيبلغ عدد البدو في النقب نحو 300 ألف نسمة.
إلى جانب التسلل إلى أراضي الدولة، ولا سيما سنوات ما بعد قيامها، فإن هذا النمو غير المفهوم هو نتيجة زيادة طبيعية استثنائية وغير مسبوقة، حتى بتعابير شرق أوسطية لسكان يضاعفون أنفسهم كل 15 سنة.
في العام 1951 بلغ عدد البدو 12.700، وبعد 20 سنة في العام 1970، بلغ عددهم 25  ألفا تقريبا. في العام 1980 بلغ عددهم 37 ألفا وفي 2000 أصبح عددهم 120 ألفا. أما اليوم فهو يبلغ كما اسلفنا نحو 300 ألف نسمة.
أتاحت حكومات إسرائيل، بل شجعت التكاثر الطبيعي، وهو بالتالي من فعل أيديها للتفاخر به.
فقد سمحت بتعدد الزوجات، والذي في إطاره يمكن للرجل أن يتزوج عدة نساء، كما سمحت بزواج البدو الإسرائيليين بنساء، وفي واقع الأمر بفتيات، من غزة ومن جبال الخليل، يبلغ فيها المهر مبالغ زهيدة جدا.
وأخيراً منحت مخصصات أطفال سخية شجعت الخلايا الأسرية التي تضم رجلاً، بضع نساء، وعشرات الأطفال ممن يعتمدون على المخصصات من الحكومة.
لا غرو أن تقليص مخصصات الأولاد في نهاية العام 2002 أدى إلى انخفاض كاسح في الولادة في أوساط البدو: من عشرة أولاد للمرأة إلى خمسة.
إسرائيل ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتصدى للتحدي الذي هو في جوهره ديمغرافي، وإن كان يتداخل فيه التوتر الذي بين السكان الرحل، الذين يميلون إلى التمرد وتنفيس الحمل، وبين الدولة الحديثة، التي تصارع لأن تبسط عليهم إمرتها وتدمجهم في نسيج الحياة فيها.
هكذا في سورية، حيث شاركت القبائل البدوية مشاركة نشطة في الاحتجاج الذي نشب في الدولة في العام 2011 ضد النظام السوري، وهكذا أيضا في الأردن، وإن كان البدو هم العمود الفقري للنظام الهاشمي، إلا أنهم أثاروا في العقود الأخيرة المرة تلو الأخرى الاضطرابات احتجاجاً على وضعهم الاقتصادي.
مثل دول أخرى في المجال، فشلت حكومات إسرائيل في التصدي للمجتمع البدوي في النقب، فهي لم تنجح، ولعلها مهمة كاسرة منذ البداية، في أن توفر حلولاً سكنية، وأماكن عمل، وقبل ذلك أن تقيم جهاز تعليم يدفع بأبناء البدو إلى الأمام، ويخرجهم من دائرة الفقر والجهل، وذلك قبل أن نذكر انعدام الحوكمة وانعدام تواجد محافل إنفاذ القانون.
يخيل أن موشيه آرنس فقط، في مناصبه المختلفة، ومنها وزير الدفاع، أنصت إلى الأصوات من الميدان ومنذ الثمانينيات والتسعينيات روج  لدمج البدو في المجتمع، ودعا أيضاً إلى تجنيدهم في الجيش الإسرائيلي.
غير أن هذا كان نداء في الصحراء، إذ لم يحصل شيء. وفي هذه الأثناء ترك البدو لمصيرهم تحت تأثير الحركة الإسلامية، ولا سيما الجناح الشمالي الراديكالي، كما تبنوا هوية فلسطينية كانت غريبة عليهم عندما أُقيمت الدولة.
وهكذا من لم يفتح رياض أطفال وصفوف تعليم، ومن لم يحرص على أماكن عمل وسكن، ومن لم يكبد نفسه عناء إقامة حوكمة وتواجد لمؤسسات الدولة في النقب، يحصد اليوم العاصفة.
ولكن لا حاجة لرفع الأيدي. فسياسة تدمج إنفاذ القانون وإقامة الحوكمة، إلى جانب إعطاء جواب حقيقي للضائقة الاقتصادية والاجتماعية للسكان البدو، هي الحل.
غير أنه انقضى زمن التصريحات العالية والحازمة وخطط الاحتياط التي لا تخرج إلى حيز التنفيذ. حان وقت الأفعال قبل أن يفوت الأوان.

عن "إسرائيل اليوم"