هآرتس – ايران والولايات المتحدة تبثان اشارات بأن صبرهما نفد

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل 

 

” الدول العظمى عادت الى طاولة المفاوضات مع ايران ومطلوب منها الاتفاق على مسألة كيف سيتم قياس التقدم. اساس الخلاف الآن هو حول مسألة رفع العقوبات ومطالبة ايران بضمانات كي لا تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق اذا تم التوصل اليه “.

“أنا اقترح على وزير الخارجية الامريكي أن لا يوفر أي جهد من اجل أن تعمل الخطة أ، لأن الخطة ب غير ساحرة لأي طرف من الطرفين”، هذا ما قاله أمس المتحدث بلسان وزارة الخارجية الايرانية، سعيد خطيب زادة. واضاف المتحدث بأن أنطوني بلينكن “يعرف افضل من أي شخص آخر بأنه توجد لكل دولة خطة ب، وأن خطتنا يمكن أن لا تعجبهم”.

خطيب زادة اسمع ما يمكن وصفه كتهديد أو تحذير في مؤتمر صحفي عقده بمناسبة بدء جولة اخرى من المحادثات النووية بين ايران والدول العظمى في فيينا. في اقواله تطرق الى الاستعجال الذي اظهرته الادارة الامريكية في واشنطن في الاسابيع الاخيرة بشكل عام وخاصة في الايام الاخيرة. الولايات المتحدة تبث أنه بقيت فقط بضعة اسابيع الى أن تقرر بأنه لا توجد جدوى من مواصلة المحادثات. وأنه اذا تبين بأنها تمتد بدون جدوى فانها ستفحص خيارات اخرى. 

لكن ليس الولايات المتحدة وليس ايران حددتا بالضبط عدد الاسابيع التي يدور الحديث عنها، وبالاساس ما هي الخيارات الاخرى أو “الخطة ب” التي تحلق فوق المفاوضات. الافتراض هو أن واشنطن لن تتبنى خيار عسكري ضد طهران، طالما أن الاخيرة تحذر من تخصيب اليورانيوم بمستوى يتجاوز 60 في المئة وأن لا تقوم بتطوير أو شراء وسائل لاطلاق السلاح النووي. ايران اعلنت من جانبها بأنها ستتوقف عن تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز هذا المستوى، سواء اذا تم التوقيع على الاتفاق أم لا. 

يبدو أن عملية تشديد العقوبات ايضا قد استنفدت بعد أن اظهرت طهران القدرة على الصمود الاقتصادي والسياسي حتى في ظل سياسة “الضغط بالحد الاعلى” للرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب. افتراض آخر هو أن الطرفين بحاجة الى اتفاق وهما يريدانه. وأن الوضع الراهن الذي ترسخ منذ 2018 – 2019 يهدد استقرار النظام في ايران لاسباب اقتصادية. 

هذا التهديد هو الذي يكبح تطلعات ايران لكي تصبح قوة اقليمية، وهو مصدر دائم للتوتر الاقليمي الذي قد يدفع الولايات المتحدة للتدخل، الامر الذي سيؤدي الى تحطيم استراتيجية فك ارتباطها بالشرق الاوسط. يبدو أن الدافعية المتبادلة، وليس روافع الضغط، هي التي ربما تحدث الاختراقة.

رؤساء البعثات للدول المشاركة في المفاوضات عادوا الى فيينا بعد بضعة ايام من “المشاورات”. ولكن النقاشات على المستوى المهني والتقني لم تتوقف حتى في نهاية الاسبوع. حول مسألة التقدم في المفاوضات يصعب الحصول على تقدير متفق عليه. رئيس البعثة الروسية، ميخائيل اوليانوف، هو المؤشر المتفائل، وقبل اسبوع اعلن في تويتر بأنه يعتقد أنه يمكن بلورة اتفاق حتى بداية شهر شباط. في المقابل، وزير الخارجية الفرنسي، جان ايف لا دريان، قال إن “المحادثات تتقدم بصورة بطيئة جدا”. اضافة الى ذلك، في الادارة الامريكية يتحدثون عن “تقدم ضئيل”، في حين أنهم في ايران ينشرون أن “جهود كل الاطراف حققت تقدم جيد”. 

التسريبات الخفيفة التي وصلت من دبلوماسيين “مقربين من المحادثات” تشير الى أنه تم التوصل الى مسودات لتفاهمات فيما يتعلق بالجوانب التقنية للاتفاق، من بينها كمية اليورانيوم المخصب ومستواه ووسائل الرقابة على المنشآت النووية وتجميد استمرار التخصيب وابعاد مخزون اليورانيوم المخصب الزائد الذي انتجته ايران منذ 2019، منذ بدأت بخرق الاتفاق النووي الاصلي. نقاط الخلاف الثلاثة التي بقيت هي قائمة العقوبات التي يجب رفعها عن ايران وآلية الرقابة على رفع العقوبات وطرح ضمانات للولايات المتحدة بأن لا تنسحب من الاتفاق حتى بعد انتهاء ولاية الرئيس بايدن. هذه الخلافات هي السور الذي يمنع التقدم، لكن هذا السور ليس غير قابل للاجتياز.

الطواقم القانونية للولايات المتحدة وايران تفحص بشكل منفصل العقوبات التي فرضتها الادارة من اجل تقسيمها الى قسمين اساسيين: المرتبطة مباشرة بالبرنامج النووي الايراني والتي فرضت بمبررات مختلفة مثل المس بحقوق الانسان أو دعم الارهاب أو تطوير برنامج الصواريخ البالستية. المشكلة هي أنه في عهد ترامب وبعد انسحابه من الاتفاق فرضت على ايران عقوبات كثيرة، وهذه لم تعتبر عقوبات مرتبطة بالمشروع النووي، رغم أن هدفها كان منع الادارات القادمة من ازالتها اذا قررت العودة الى الاتفاق.

هذا حقا ما حدث عند دخول بايدن الى البيت الابيض قبل سنة. رفع العقوبات “غير النووية” التي فرضت في اطار تشريع في الكونغرس وليس بأمر رئاسي، يقتضي تشريع جديد. ايضا حتى لو كان هذا التشريع يحصل على الدعم، إلا أنه بحاجة الى وقت وسيمارس ضغط سياسي شديد على بايدن ومن شأنه ايضا أن يعيق تنفيذ الاتفاق الجديد اذا تم التوقيع عليه. 

لكن حتى اذا وافق الطرفين على قائمة معينة من العقوبات فان بايدن لا يمكنه الالتزام بأن أي ادارة ستأتي بعده ستتمسك بالاتفاق ولن تنسحب منه. “ليس هناك شيء يسمى ضمانات في العلاقات الدولية”، اوضح المتحدث بلسان وزارة الخارجية الامريكية، نيد برايس. “نحن يمكننا التحدث باسم هذه الادارة، وهذه الادارة اوضحت بشكل قاطع بأنها مستعدة للعودة الى التطبيق الكامل للاتفاق النووي والتمسك بالاتفاق طالما أن ايران تنفذ شروطه”. يبدو أن ايران تفهم هذه الصعوبة لأنها الآن تطلب من الدول الاوروبية بطرح ضمانات في وضع انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق بصورة احادية الجانب، أن تواصل هذه الدول تطبيقه بالكامل، خلافا لسلوكها بعد انسحاب الولايات المتحدة. صحيح أن هذه الدول لم تنضم الى انسحاب واشنطن في 2018، لكنها ايضا لم تنجح في وضع آلية تتجاوز العقوبات في ظل تهديد الولايات المتحدة بأن تلحق الضرر بنشاط الشركات الدولية التي ستخرق التعليمات.

ايران التي لا تثق بتعهد اوروبي كهذا، تطلب ايضا من الصين وروسيا أن تضمن بأنه حتى في حالة عجز اوروبي، ستواصل اقامة علاقات كاملة معها وكأن العقوبات قد رفعت. حول هذا الامر يتوقع أن يتناقش الرئيس الايراني، ابراهيم رئيسي، مع نظيره الروسي فلادمير بوتين في اللقاء الذي سيعقد في هذا الاسبوع أو في الاسبوع القادم. ايضا هذا كان هدف احتفال التدشين للاتفاق الاستراتيجي الذي تم توقيعه بين الصين وايران في الاسبوع الماضي في طهران بحضور وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان.

يبدو أن مسألة الرقابة على رفع العقوبات هي المسألة الاسهل في الحل، حيث أنهم في الادارة الامريكية صرحوا بأنه فور التوقيع على الاتفاق سيكون بالامكان رؤية الغاء العقوبات على الارض. ولكن ايران تخاف من أن الادارة يمكن أن تستخدم عقوبات غير مباشرة وتهديدات غير صريحة ضد شركات أو دول ستعود الى العمل في اراضيها. لذلك، هي تطالب بانشاء آلية محايدة متفق عليها تفحص رفع العقوبات.

مستقبل المحادثات في فيينا متعلق الآن بحجم التقدم الذي سيتحقق في الايام القريبة القادمة، فعليا، سيكون من الاصح القول بأنه متعلق بتفسيرات مفهوم “التقدم”. وأي طرف لا يريد أن يكون متهم بافشال المفاوضات واحباط احتمالية التوصل الى اتفاق. لذلك. المهم هو اذا كانت ايران والولايات المتحدة ستوافقان على مسألة ما هو التقدم، بصورة تمنع نية الانسحاب من المفاوضات، حتى لو كان تفسير الامر هو أنه يجب تمديد الفترة الزمنية التي تم تحديدها للمفاوضات.