الخطاب التحريضي الإسرائيلي يدمّر الديمقراطية

251
حجم الخط

أنا مؤمن شديد الايمان بحرية التعبير. مؤمن ايضا بأن الحوار السياسي لا ينبغي أن يكون نقيا. ففي مجتمع حر فيه خلافات عميقة في امور جوهرية، يمكن للحوار السياسي ان يتضمن تعابير حادة. أعتقد، مثلا، بانه مسموح في دولة حرة انتقاد رئيس الدولة، واتهامه بالسعي الى النشر وبتحقير مؤسسة الرئاسة. أختلف مع هذه الادعاءات، ولكن لا أختلف مع الحق في إطلاقها.

ما لا يمكن عمله في مجتمع ديمقراطي هو أن تعرض خصمك، وهم مواطنون يحترمون القانون ويعملون بموجبه، كخونة، عملاء أجانب او متعاونين مع الارهاب. هذا بالضبط ما تفعله حملة «المدسوسين» التابعة لمنظمة «إن شئتم». هذه الحملة النكراء هي نقطة درك أسفل في الحوار السياسي الإسرائيلي. ففي شريط نشرته «ان شئتم» يعرض «مخرب» يرفع سكينا حوله سلسلة من النشطاء في منظمات حقوق الانسان التي تسمى «مدسوسين» وتقول: «عندما نقاتل نحن ضد الارهاب، يأتون هم ليقاتلونا».

شيء ما في اللغة الصورية للشريط والاعلانات التي نشرت في الصحف يذكر بالاخراج عن القانون في فترات اخرى وفي انظمة اخرى: ها هم الخونة. بسببهم يموت الناس. يجب إيقافهم قبل أن يسفك مزيد من الدماء. اذا لم تفعل السلطات ذلك عن طريق التشريع، كما نطالب نحن في «ان شئتم»، فلن يكون ثمة مفر من عمل ذلك بطريقة اخرى. كل ما ينقص هو العنوان: «مطلوبون، أحياء أو أموات».

في المناخ الحالي لاخذ القانون باليدين من قبل المحيدين المكلفين من تلقاء أنفسهم، فان الحديث يدور عن اباحة دم المستهدفين. يدور الحديث عن إصدار حكم الطاغية. الساعة هي ساعة طوارئ، السلطات لا تعمل على اعتقال معاوني «الارهاب»، فماذا تنتظرون؟ عندما تستخدم هذه اللغة، سيكون هناك من لن ينتظروا.

بودي أن أذكركم بأن أحداً لم يدعُ صراحة الى قتل اسحق رابين. كان يكفي الاشارة الى أنه ليس رئيس وزراء انتخب قانونيا يعمل بقوة صلاحياته، بل خائن يسعى الى خراب دولة إسرائيل، معاون لـ «الإرهاب»، وانه مسؤول عن موت اليهود. وبعد ذلك سيكون هناك من يفهم الاشارة.

بودي أن أذكركم بانه خلال اثناء التاريخ كنا نحن اليهود غير مرة ضحية خطاب التنديد هذا. لم تكن ثمة حاجة للدعوة الصريحة لقتل اليهود. كان يكفي الاعلان بأن اليهود هم سرطان في جسد الأمة، إنهم طابور خامس يعمل باسم «اليهودية الدولية» او «القوى العظمى الاجنبية» او «حكماء صهيون». كان يكفي الاشارة الى أن اليهود «مدسوسون». وآجلا أم عاجلا سيكون هناك من يستخلصون الاستنتاجات.

الديمقراطية لا يمكنها أن تتحمل مثل هذا النوع من الخطاب. إذا لم يكن الناس مواطنين موالين بل عمال اجانب ومعاونون لـ «الارهاب»، فان السبيل المناسب للتعاطي معهم هو من خلال جهاز القانون والقضاء، من خلال الشكوى الى الشرطة. الخيانة جريمة. مساعدة «الارهاب» جريمة. اما الكفاح الشرعي من أجل حقوق الانسان: الكفاح ضد التعذيب، ضد المظالم، وضد انتهاك القانون من قبل الجنود، فليس جريمة. العكس هو الصحيح: الكفاح من أجل حقوق الانسان، ضد المس بالابرياء، وكذا في الجانب الاخر، هو واجب مدني من الطراز الاول. المواطنون الذين يؤمنون بانهم يعملون حسب القانون لمنع الظلم هم مواطنون أخيار، حتى لو لم يكن لطيفا سماع الاقوال التي يطلقونها.

حملة «ان شئتم» لا تخيفني – انها تثير اشمئزازا. ما يخيفني هو استعداد أجزاء واسعة في المجتمع لقبول نزع الشرعية عن كل انتقاد كأمر شرعي، ورؤية الحملة النكراء هذه تعبيرا مقبولاً عن الخطاب الديمقراطي في اسرائيل والدفاع عنه. «ان شئتم» قولوا سلاما للديمقراطية.

عن «يديعوت»