تساؤلات قانونية في مسيرة مستشفى خالد الحسن

المحامي شعبان.PNG
حجم الخط

بقلم:المحامي إبراهيم شعبان

 

تقول الرواية أن السيد حسيب الصباغ اشترى حوالي 240 دونما من أراضي سردة بقرب رام الله ليقام عليها مستشفى وخدمات طبية حديثة وشاملة. وأوكل الأمر إلى الجمعية العربية الطبية لتتولى هذا الأمر. وما لبث رئيسها ألدكتور أمين ثلجي أن أعلن بشرى إنشاء مستشفى ضخم بتعاون ألماني وفنزويلي على تلك الأرض. لكن لاحق البعض الجمعية العربية الطبية حتى تمكنوا من حلها في عام 2015 رغم تنازلها عن 127 دونما للمصلحة العامة ولإقامة المشاريع الوطنية. وما لبث أن اكتشف أن بعض هذه الأراضي معروضة للبيع من قبل شركة ” عمار ” التابعة لصندوق الإستثمار الفلسطيني حيث بيعت 49 قطعة أرض لإقامة فلل وسكن خاص. وخصص أربعين دونما لقصر للضيافة ، وبعد بنائه تبين أنه فاشل أمنيا، هكذا يقولون بحيث حول لمكتبة عامة تخلو من الأهداف الأمنية.
في عام 2016 تم وضع حجر الأساس لإقامة مستشفى خالد الحسن للسرطان والأورام على مستوى عال بقيمة 140 مليون دولار أمريكي وبقي حجر الاساس في مكانه بحجة الفقر المالي. وصدر طبقا لذلك مرسوم رئاسي في عام 2018 بإنشاء مؤسسة خالد الحسن، وما لبث الرئيس أن أعاد الكرة في نهاية عام 2021 بأن ألغى تلك المؤسسة واستبدلها بمجموعة جديدة وقلص موضوعها بأن جعلها مهمتها في تطوير مشروع خاص أو قسم أورام لعلاج مرضى السرطان في المستشفيات العامة أوالخاصة علما بأن محمد مصطفى افتتح قسما للأورام في المستشفى الإستشاري في عام 2019.
منذ قدوم السلطة الفلسطينية، تنوء ميزانيتها السنوية بعبء التحويلات الطبية للمستشفيات الإسرائيلية والأردنية ، وكانت مسيرتها حافلة بكثير من العثرات والمحسوبية والفساد. وراى فيه العقلاء أمرا لا يطاق ولا يحتمل، بخاصة أن الكفاءات الفلسطينية الطبية تغطي وجه الشمس من الخليج مرورا بالأردن وانتهاء بالداخل، فلم لا تغطي احتياجاتنا المحلية وتوقف استنزاف الموارد المالية الفلسطينية. لكن لسبب أو لآخر بقيت هذه التحويلات بل ازدادت ووصلت إلى رقم يجاوز مليار شاقل سنويا رغم الدعوات المستمرة بوقفها. والغريب أن وزارة الصحة ومجلس الوزراء الفلسطيني لم يستطيعا ليومه أن يضعا برنامجا صحيا يستغنى فيه عن التحويلات الطبية للغير رغم الكلام المنمق الكثير في هذا المجال.
من هنا كانت الصرخات لمعالجة هذا القصور الصحي ببناء صرح طبي فلسطيني يجمع كل التخصصات وفي مقدمتها السرطان والأورام، وكان الإختيار صحيحا بأن أوكل الأمر لجمعية غير رسمية حكومية بل أهلية خيرية، أو ما يسمى بمنظمة غير حكومية، أو ليست أنجح المستشفيات وأكثرها تطورا هي جهات غير حكومية. لكن هذا الأمر لم يرق للمستوى الحكومي السلطوي الذي لم يفهم العمل الأهلي ولم يقدره أحسن تقدير، لذا تمت ملاحقة الجمعية كشخص قانوني بدل أن تدعم وتشجع حتى تم حلها في عام 2015 كغيرها من الجمعيات مثل المشروع الإنشائي العربي ومجلس الإسكان الفلسطيني ومستشفى الإتحاد النسائي العربي في نابلس، والتي كانت تقوم بعمل مشرف مجتمعي تبلغ قيمته عشرات الملايين من الدولارات سنويا من المنح الدولية والتبرعات الأهلية والفلسطينية حيث لم تكن تساهم السلطة الوطنية في تمويل أنشطة هذه الجمعيات .
لقد ثبت بالدليل القاطع وبالتجربة المتراكمة أن وزارة الداخلية ليست الجسم المناسب للتعامل مع الجمعيات التي تبغي الخدمة العامة في فلسطين وبخاصة أن الربح هو ليس نهجها وليس هدفها. وزارة الداخلية في كل الدول، أساس قيامها مفهوم أمني خالص ولا تكترث بخدمة المجتمع وأمراضه وفئاته الضعيفة، بل هي مكرسة نشاطها لخدمة الأمن بمفهومه الضيق بل تمارس تغولا على النشاط المدني. ومن هنا كانت سلسلة التقييدات الإدارية والمالية الضارة التي فرضتها على الجمعيات بغض النظر عن اسمها بحجة المصلحة العامة حيث فرضتها على سلطة النقد والبنوك وبرر عملها فئة من القانونيين . بل لاحقتها ومنعتها من التطور وعدلت التشريعات وما زالت لأن هذه الجمعيات نجحت حيث فشل غيرها، بحيث دبت الغيرة عند الغير لأنها لم تحقق إنجازات بقدرها حتى بلغت موازنة بعضها أكثر من وزارة رسمية. وبذا بدأ البعض الحكومي السلطوي بتفكير قاصر باستبدال هذه الجمعيات والمنظمات بشكل غير قانوني والحلول محلها معتقدا بسذاجة أنه سينجح بدلا من فشله، وستمتلىء خزائنه الفارغة بأموال هذه الجمعيات والمنظمات. فلا طال عنب الشام ولا بلح اليمن بل افتقار وزوال لجمعيات أهلية تطوعية. وللأسف كان البعض السلطوي لا يفكر إلا بكيفية تعقيد عمل الجمعيات ووضع العراقيل أمامها. المانحون يفضلون أن تعطى منحهم لغير الجهاز الحكومي السلطوي ولذلك يعطونها للجهات الأهلية رغم أن الأهداف السياسية غير مستبعدة في هذا المجال. وقد أدى ذلك لتراجع عمل الجمعيات ونشاطها وتراجع المستوى الخدماتي النفعي لها.
الجمعيات والمنظمات الأهلية وغير الحكومية يجب أن تحال قانونيا في كل تفاصيلها وشؤونها إلى وزارة العدل حصرا وأن تتوقف وزارة الداخلية عن ممارسة أي اختصاصات بشأن الجمعيات، فالفارق كبير بين الفكر الأمني والقانوني. ويجب تعديل القانون بهذا الشأن وأن تتم الممارسات بروح القانون وأن ينظر للجمعيات كرافعة مع القطاع الحكومي في تقديم الخدمة العامة وليس في إطار المنافسة الضارة بل هناك تكامل بين النشاطين.
لولا قضية سليم النواتي المحزنة الأليمة والتي تحتاج إدانة ومساءلة قانونية، لما فتح موضوع مستشفى خالد الحسن بهذه الدرجة، ذلك أننا نفتقد قانونا للحصول على المعلومة. المشكلة في غياب السلطة التشريعية لسن التشريعات، لسن مثل هذا القانون، حتى القائمين على مراسيم القرارات بقانون الذين شرعوا في قضايا كثيرة لا ضرورة لها لم يصدروا قرارا بقانون بهذا الشأن. وبالتالي امتلأت الصالونات بالإشاعات ولا نستطيع الحصول على معلومة موثوقة إلا من خلال وسائل التواصل الإجتماعي والمقالات الخاصة.
قضية المحاسبة والتدقيق المالي العام لمستشفى خالد الحسن للسرطان والأورام موكولة لديوان الرقابة الإدارية والمالية، فهذا من صلب اختصاصه وعمله. وقانونه يسمح له بممارسة هذا العمل التحقيقي ونشر ما يصدر عنه. أما تشكيل لجنة في ظل غياب مجلس تشريعي أمر لن يقدم ولن يؤخر. فليس في فلسطين قانون لتشكيل اللجان الرسمية ومهماتها واختصاصاتها وطريقة عملها، لذا لا جدوى منها في ظل الغياب التشريعي المنظم لها. والأهم من كل ذلك الرقابة الشعبية والرأي العام لو كان عندنا سيادة قانون. ولليوم لم تعلن لجنة تحقيق في تسرب عقار جودة في القدس العتيقة وقس عليها.
أمر محير يتعلق بكيفية تنازل الجمعية العربية الطبية عن أكثر من 127 دونما خصصت للمنفعة العامة، وكيفية تحويلها ووصول 49 منها لعمار أحد الأذرع التنفيذية لصندوق الإستثمار الفلسطيني وبيعها للقطاع الخاص لبناء مشروعات خاصة، وبخاصة أن هذه الأراضي مسجلة في دائرة الأراضي. ويبدو لي أن عدة جهات مطالبة بتوضيح كيفية خروج هذه الأراضي من ملكية الجمعية العربية الطبية ودخولها في ملكية الغير، وأحد الأشخاص المطالبين بالتوضيح هو السيد نديم براهمة مدير دائرة الأراضي آنذاك.
يقال أن سبب تأخير بناء المشروع الإستشفائي كان القصور المالي. ونقول أن شعب فلسطين كريم ومعطاء لو بدأ المشروع بخطوات تنفيذية بسيطة كأي مشروع بناء بسيط لتوالت المنح والتبرعات. فقد كان بالإمكان بيع نصف الأراضي لتحصيل عشرات الملايين من الدولارات ويبقى النصف للمشروع الطبي وليس عشرين دونما فقط كما هو حاصل حاليا. ألم يتبرع تجار حديد وإسمنت أو أبدوا رغبة للتبرع إن بدأ المشروع بل إن بعضهم على أرض الواقع، تبرع فعلا. الم
يتبرع الموظفون بأجرة يوم للمشروع ومثلهم الأسرى الفلسطينيين. الآ يبث مثل هذا المشروع الإحباط والياس والفرقة في من يرغب بالتبرع لخدمة الشعب الفلسطيني.
العمل الأهلي مبدع مجدد، أما العمل الحكومي بيروقراطي روتيني أسير قواعد جامدة، لذا يجب عدم تقييد العمل الأهلي بل فتح الأبواب أمامه والوثوق فيه. يجب فتح تحقيق فيما جرى وبيان وجود فساد من عدمه في مشروع تم تأجيله إلى أن ألغي بمرسوم رئاسي. بدون مجلس تشريعي ستستمر التعمية على الحقائق وتسييس الأمور، فقد ثبت أن لا رقابة سياسية ناجعة في الإدارات الحكومية. وأخيرا يجب فتح الموازنات وتبيانها لجميع الجهات المشتركة في هذا المشروع الطبي. لا بد من فتح باب الحريات وبخاصة حرية الرأي والصحافة.