البلد داخلة في بعض

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بقلم: صلاح هنية

"البلد داخلة في بعض منذ سنوات"، ولكن الصورة باتت أكثر تعقيداً هذه الأيام؛ لأن أحداً لم يبادر لفكّ خيوط تشابكت ببعضها حتى تعقدت، ولعل الكثير استمرأ اللعبة وبات جزءاً منها. مجلس قروي كفر اللبد يفصل الكهرباء عن مدينة طولكرم نتيجة لزيادة الأحمال وضعف القدرة لديهم، الناس تدفع ضريبة معارف للبلديات، ومدارس تناشد من يوفر لها التدفئة، شوارع لم تعد تستوعب حركة السير ولا حلول خلاقة، تجار التجزئة يشكلون 95% من الاقتصاد الفلسطيني ومعاناتهم لا يستمع لها إلا هم، منتجات فلسطينية لا يتوفر لها الحد الأدنى من الحماية المؤقتة.
وتتعقد الأمور عندما نذهب إلى المشهد الأكبر، انسداد الأفق السياسي بكل تفاصيله تفاوضياً، وانسداد أفق إعادة إعمار غزة ورفع الحصار، والقدس تواجه الأسرلة دون أيّ أفق، جامعة بيرزيت أعرق جامعة في الوطن لا تجد من يبلسم جراحها، الحركة الطلابية تعتصم وتغلق أبوابها والإدارة تدير حواراً ولا حلول في الأفق والفصل في خطر الضياع، والاحتلال يتربص بالجامعة وطلبتها وعامليها، الديمقراطية والتعددية السكر زيادة في المشهد السياسي الفلسطيني في خطر حقيقي.
منذ زمان طويل قلنا وسعوا فتحات الغربال وغربلوا؛ حتى لا نصل إلى هنا ونجلس لنضرب كفاً بكف، ويخرج علينا من يقول "مش حكينا عوجا من يومها"، ولكننا وقعنا في شر أعمالنا، فقد صفقنا عندما كان الاختيار غير مناسب وأوهمنا أنفسنا بالأمر، حتى نافذة الانتخابات الحرة النزيهة في البلديات أردنا أن نضع فيها بصمة، فجعلناها أسوأ من التعيين، وبات التعيين أفضل.
في البلد تاريخياً لم تتفاقم القضايا بهذه الصورة، وكان هناك أهل حل لا ينامون ليلتهم إلا بانتهاء الأمر. كانوا جميعاً يقولون: تلك رغبة الأسرى وتلك رغبة إخوانكم المبعدين، كان هناك من يحزم وينهي.
أيعقل أن تنسحب شركة النقل الوطنية للكهرباء من المشهد وتترك الناس تتنازع بين بعضها البعض في مجال الكهرباء، وتقف كل مكونات المجتمع مصعوقة لا حول لها ولا قوة.
لماذا لم يتمكن وزير التربية والتعليم ووزيرة الصحة من حمل ملف مكافحة التدخين في المدارس إلى طاولة الحكومة؛ لإقرار لوائح تنفيذية لقانون مكافحة التدخين التي من دونها لن ترى النور، وهل هذا دور المجتمع الأهلي وشركات التبغ والغرف التجارية؟ هل المطلوب أن تعمل مكان الحكومة؟!
هل المطلوب الاستمرار في إعداد وثائق ودراسات ضمن خطوط مرجعية يقوم عليها خبراء مختصون، ومن ثم نعود لذات الملف بعد سنوات، فيذكّر الخبراء بالوثائق السابقة فتغفل تلك الملاحظة من محضر الجلسة بالكامل، وكأن صاحبها لم يكن حاضراً بالمطلق.
لم يعد مقبولاً أن تظل قضية الأسرى وقضية القدس قضايا هم شعبي فقط، يؤنب الناس إذا لم يحضروا إلى الصليب الأحمر أو إلى تجمع أو احتجاج مخطط له رسمياً، بينما تقف الجهات المسؤولة وصاحبة القرار إلى جانب مواطن عادي قد يكون تقاعد مبكراً قسراً، أو عامل لا يتقاضى الحد الأدنى للأجور، أو كاتب لم يقم له وزناً ذاك السياسي، ليهتفوا معاً: "يا أسير ويا جريح حقك والله ما بضيع"، أو "أنا ابن القدس ومن هنا مش متزحزج قاعد فيها"، ما شاء الله المواطن يتساوى مع صانع القرار في المناشدة.
اليوم بات ملحّاً تفعيل وتسليك قنوات التأثير على صناع القرار، ووضعهم أمام مسؤولياتهم، ليس من باب المناكفة الذاتية أو الاعتراض بهدف الاعتراض، بل من باب التأثير لمستقبل أفضل، حتى لا نعود بعد عشرة أعوام إلى ذات الحال نظل واقفين على ميدان المنارة، وميدان الشهداء، وميدان ثابت ثابت، وفي عين سارة، نهتف لحرية الأسرى، ولحقنا في القدس، ونكون قد شخنا وحملنا عكازة، ونأتي بأحفادنا لنحملهم الأمانة ألا يغادروا الميادين، ويظل الساسة وصناع القرار خالي المسؤولية، ونأتي بالأمهات والأخوات ليتأكدوا أننا ما زلنا في الميادين من غير شر.